الذكاء الاصطناعي ليس له علاقة بالتعليم

الذكاء الاصطناعي بلا روح. أرشيفية

خلال الأسبوع المنصرم اتصل بي أحد الطلاب، وطلب مني أن التقي به ليسألني بضعة أسئلة بخصوص الواجب الذي سيقوم به، وكان موضوع هذا الواجب هو الذكاء الاصطناعي وتأثيره على البرج العاجي، أي طبقة العلماء والباحثين. وكان سؤاله صريحاً وبسيطاً: هل الذكاء الاصطناعي جيد أم سيئ؟ هل يساعد أو يعرقل عملية التعليم؟

وكان جوابي مقتضباً وصريحاً، وقلت له: «أنت تطرح السؤال الخطأ، فالذكاء الاصطناعي ليس له علاقة بالتعليم بتاتاً، ولكنه عن المعلومات، وهناك بون شاسع بين الأمرين».

ولأكثر من 1000 عام، كان من المفترض أن التعليم التقليدي هو أكثر من مجرد تجميع المعلومات، وكانت المهمة الواضحة للبرج العاجي تقوية المجتمع بقلب صحي، وليس بقلب يوجد الكثير من البيانات في رأسه. ومن خلال الجامعات الشهيرة في العالم، بدءاً من أكسفورد، إلى دارتموث، ومن برنستون إلى ييل، أدرك المتعلمون بصورة ليبرالية خلال آلاف السنوات أن الهدف من التعليم هو متابعة الاطلاع على الحقيقة، وفهم الفرق بينها وبين الأكاذيب.

الحقيقة واقع موضوعي

وافترض التاريخ، حتى قبل خمس ثوانٍ، أن الحقيقة كانت واقعاً موضوعياً، وأنها تسمو على مشاعرنا وعواطفنا. وكانت الحقيقة تعتبر أمراً بديهياً، وصمدت أمام اختبار الزمن، وثابتة، ولم تنحنِ أمام السياسة أو البدع الثقافية. وأدرك الشخص المتعلم أننا لا نصنع الحقيقة، وإنما نتابعها ونبحث عنها، ونخضع لها، ونتعلم عنها. ونحن لا نغير الحقيقة، بل إن الحقيقة هي التي تغيرنا.

ولطالما أن التخلي عن الحقيقة ينطوي على آثار مدمرة على ثقافتنا، وعلى أسلوب حياتنا، وتراجعت مدارسنا الحكومية خلف مدارس الدول الأخرى في كل المقاييس، وفقدت النساء خصوصيتهن وكرامتهن، وحتى هويتهن، على أيدي أولئك الذين ينكرون ما معنى كون الإنسان أنثى. وفقد الأطفال براءتهم، وباتت حرية التعبير محط السخرية، ولم تعد هناك حرية دينية.

ويسلّط هذا السقوط الحر للحس السليم والتماسك المدني الضوء على أن الحقيقة هي أكثر من مجرد مجموعة من عناصر «إكس و أو»، وببساطة فإن الحصول على مزيد ومزيد من المعلومات لا يجعلك شخصاً متعلماً ومثقفاً. ولم تقدم كميات لا حصر لها من المعلومات المتوافرة على هواتفنا الذكية أو حتى عبر وعود الذكاء الاصطناعي أي شيء لمساعدة ثقافتنا على فهم الفرق بين الجيد والسيئ، والجميل والبشع، وما هو حقيقي وما هو مزيف.

عواقب حتمية

وهنا يكمن الفرق بين مزيد من المعلومات والبرج العاجي التقليدي. وتستند الحضارة الغربية على افتراض أن الحقيقة هي وحي من الإله الحقيقي، وليست فقط تنزيل كميات من الأشياء من «إله رقمي». والحقيقة ليست صنع جهاز كمبيوتر، وإنما هي وحي من الأعلى، وليست مجرد استرجاع كمية من «الحقائق» من «غوغل».

وفي العقد الأول من القرن الماضي، تحدث الأكاديمي والفيلسوف البريطاني، جي كي تشيسترتون، عن العواقب الحتمية للتوجه نحو عبادة معلومات من صنع البشر.

وأشار إلى أن النخب في عصره كانوا مستعدين لتحويل المعلومات إلى دين جديد، وقال تشيسترتون: «لم أقل كلمة واحدة ضد رجال العلم البارزين، ولكني اشتكيت من الفلسفة الشعبية الغامضة التي تفترض نفسها بأنها علمية بينما هي لا شيء، بل نوع من الدين الجديد والسيئ بصورة غير مألوفة».

انفجار المعلومات

وأدرك تشيسترتون أن مزيد من المعلومات يمكن أن يجيب عن بعض الأسئلة المتعلقة بالرياضيات، وربما الطب، ولكن في الوقت ذاته لا تستطيع أن تقول شيئاً حول معنى الفضيلة، والأخلاق. وحذر من أن مثل هذا التقدم يشكل خطراً عندما لا يتم ضبطه بالمبادئ المقدسة.

وقال إن انفجار المعلومات ربما يكون «نقاشاً أكاديمياً مثيراً للاهتمام عندما يتم تطبيقه على النباتات، والحيوانات، أو الفلزات المعدنية»، ولكن عندما يتم تطبيقها على البشر، تكون عواقبها مروعة.

وتحدث الأديب والكاتب البريطاني سي. أس. لويس عن تقصير المجتمع الغربي في الجانب الروحي من حياته، وتعزيز الاهتمام بالمعلومات كي تسد هذا النقص.

وتوقع ظهور «الإله الرقمي»، عندما تصبح المعلومات أهم من الحقيقة.

وحذر لويس من الوقت الذي يمكن أن تصبح فيه الأخلاق والمعتقدات الدينية هي كل ما يقوله العلماء.

ويسأل لويس القراء في روايته بعنوان «القوة البشعة» أنه بعد حربين عالميتين، حيث جلب لنا فيها حراس المعلومات علم تحسين النسل، والقتل الجماعي لملايين البشر، كيف سيعمل الإله الذي صنعه البشر لمصلحتنا؟

وأخيراً، هل الذكاء الاصطناعي جيد للتعليم؟ هل جيد للبشر؟ للإجابة عن هذا السؤال، دعونا لا ننظر إلى أبعد من زعيم النازية الألماني أدولف هتلر، وزعيم عصابات الخمير الحمر، بول بوت، وأحد أبرز قادة الثورة الفرنسية ماكسميليان روبسبير، وجميعهم مسؤولون عن مقتل أعداد كبيرة من البشر، وكل واحد من هؤلاء كان لديه الكثير من المعلومات تحت تصرفه، ومع ذلك لم يكن لديه روح.

إيفيريت بايبر.. كاتب لصحيفة «واشنطن تايمز» ورئيس جامعة سابق

• لم تقدم كميات لا حصر لها من المعلومات المتوافرة على هواتفنا الذكية أو حتى عبر وعود الذكاء الاصطناعي أي شيء لمساعدة ثقافتنا على فهم الفرق بين الجيد والسيئ، والجميل والبشع، وما هو حقيقي وما هو مزيف.

• تحدث الأكاديمي والفيلسوف البريطاني جي كي تشيسترتون عن العواقب الحتمية للتوجه نحو عبادة معلومات من صنع البشر. وأشار إلى أن النخب في عصره كانوا مستعدين لتحويل المعلومات إلى دين جديد، وقال تشيسترتون: «لم أقل كلمة واحدة ضد رجال العلم البارزين، ولكني اشتكيت من الفلسفة الشعبية الغامضة التي تفترض نفسها علمية، بينما هي لا شيء، بل نوع من الدين الجديد والسيئ بصورة غير مألوفة».

تويتر