شاهد على مقتل غوردون باشا واستقلال البلاد واختباء زعيم الانقلاب على نميري في دهاليزه

القصر الجمهوري السوداني.. تحفة معمارية وقيمة تاريخية تتهددها نيران المعارك

صورة

أبدى مثقفون وإعلاميون سودانيون مخاوفهم من احتمال تأثير الحرب الجارية في السودان على القصر الجمهوري، بعد أن أصبح عرضة لطرفي الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ونوّهوا بأن القصر، علاوة على قيمته السياسية والرسمية، يمتلك قيمة تاريخية حيث يعد شاهداً على مراحل أساسية من تاريخ السودان، سواء المرحلة الخديوية أو مقتل الحاكم السابق للسودان غوردون باشا. ويكتسب أهمية نظراً لأن استقلال السودان حدث على درجه، كما يمثل قيمة فنية ومعمارية بما يحتويه من أقسام ومتحف وحديقة.

وقال الكاتب الصحافي السوداني، عبد الجليل سليمان لـ«الإمارات اليوم» إن إنشاء القصر ارتبط تاريخياً ومعمارياً بتطور إنشاء العاصمة السودانية، فقد كانت العاصمة في سنار عندما دخل الجيش التركي السودان، وفي عام 1821 اختارت الحكومة الخديوية أن تكون عاصمتها الجديدة واد مدني، واستمر هذا الوضع 4 سنوات، ونظراً لكثرة البعوض في مدني لوقوعها بين النيل الأبيض والأزرق، ولاعتبارات تتعلق بالإمدادات النهرية، تحولت العاصمة إلى الخرطوم التي كانت مجرد قرية صغيرة في ذلك الوقت، في نفس لحظة اتخاذ القرار. وتابع سليمان أن «التحسن البارز للقصر حدث عام 1851، فأعيد بناؤه بالطوب الأحمر، وتمت إضافة أجنحة جديدة له مثل جناح الزوار، وجناح النساء».

واستطرد سليمان أن «الحركة المهدية عندما فتحت الخرطوم عام 1885 رفضت استخدام القصر يومها بوصفه يتضمن رمزية استعمارية، ورغم أن المهدية هدمت مباني كثيرة من تلك التي كانت تمتّ للحقبة الإنجليزية أو الخديوية، فإنها لسبب لا نعرفه، تركوه كما هو ونقلوا مقر الحكم لأم درمان التي كانت هي الأخرى تشبه القرية الصغيرة، لكن يظل الحدث الأهم في تاريخ السودان وتاريخ القصر في تلك المرحلة هو مقتل غوردون باشا على سلالمه في 26 من يناير 1885».

ونوّه سليمان بأنه بحملة كيتشنر، وبداية ما عرف باسم الحكم الثنائي الإنجليزي المصري، حدثت للقصر قفزته الثانية، حيث وضع له الحاكم الإنجليزي السير ونجت، المخطط العام عام 1906 الذي شكّل الملامح التي ارتبط بها لاحقاً، حيث تمت تعليته ليصبح من طابقين، وأضيفت إليه مساحات جديدة ليضم ثلاثة أجنحة، بعد أن شهد القصر قفزة سابقة في عهد خورشيد باشا، 1825 -1838، حيث ضُمت إليه مساحات ودواوين».

وأشار سليمان إلى أن القصر شهد طفرة مهمة في حقبة الرئيس السابق جعفر محمد نميري، حيث أضاف إليه مساحات جديدة عام 1971، وشهد نقلة أخرى في عهد حكومة الإنقاذ، حيث تمت إعادة بنائه بالاتفاق مع الصين بدءاً من عام 2007، وإنه لأمر محزن لكل سوداني أن يرى اليوم كل هذا التاريخ تحت القصف وتحيطه مخاطر الدمار والتخريب.

وختم سليمان بقوله إن القصر اكتسب عدة تسميات مثل السردارية وقصر الحاكم العام والقصر الجمهوري، ويمثل رمزاً للسيادة حيث كان مقر الحاكم، ومقر ما عرف باسم مجلس السيادة في الحقب الديمقراطية، ومقر مجلس الوزراء الإضافي، وله قيمته العلمية، حيث يضم مكتبة توثيقية تؤرخ لكل حقب الحكم والإدارة وتطور الحركة الوطنية في السودان، وقيمته الفنية والمعمارية بأجنحته وحديقته.

من جانبه، قال الباحث التاريخي تاج الدين سوار إن قيمة القصر التاريخية تتلخص في كونه مسرحاً لأحداث مفصلية في تاريخ السودان، أبرزها مقتل غوردون على سلالمه وتحطّم أسطورته بعد حصار استمر لمدة 317 يوماً، وكان غوردون يعد واحداً من أبطال بريطانيا العسكريين، وصفه المؤرخ الإنجليزي دومينيك سولودو في صحيفة تلغراف بأنه أشهر جنرالات العصر الفيكتوري، حيث نجح في حرب الأفيون الثانية في الصين وقمع ثورتها، واحتل بكين وسمي بعدها غوردون الصيني، بعد أن قاد فرقة أطلق عليها اسم «فرقة المنتصرين إلى الأبد». وقد جاء مصرع غوردون في الخرطوم بعد هذه الانتصارات كصدمة، وأصيبت الملكة فيكتوريا بالمرض نتيجة لذلك. وأشار سوار إلى أن «مقتل غوردون باشا، تم تخليده في لوحة عالمية معروفة للفنان الإنجليزي جورج وليام جوي حملت اسم (الوقفة الأخيرة لغوردون)، وتعرض حالياً في معرض ليدز سيتي للفن، كما تم إنتاج فيلم عنه عام 1966 بعنوان (الخرطوم) لعب دور البطولة فيه شارلتون هيستون».

واستطرد سوار أن الواقعة الثانية المهمة في تاريخ القصر هي إعلان استقلال السودان في يناير 1956 من على أرضه، ورفع العلم السوداني بألوانه الثلاثة الأزرق والأصفر والأخضر رمزاً للاستقلال.

أما الحادثة المفصلية الثالثة للقصر، فهي بروزه في محاولة الانقلاب الشيوعي على نميري عام 1971، ونجاح نميري في الإفلات من أسر الانقلابيين وعودته إلى الحكم، وما تردّد أن زعيم الحزب الشيوعي السوداني عبدالخالق محجوب الذي كان يقود الانقلاب، كرئيس للحزب، كان مختبئاً داخل أسواره على بعد خطوات من مكتب نميري.


قيمة القصر التاريخية تتلخّص في كونه مسرحاً لأحداث مفصلية في تاريخ السودان، أبرزها مقتل غوردون على سلالمه وتحطّم أسطورته بعد حصار استمر لمدة 317 يوماً.

مع حملة كيتشنر، وبداية ما عرف باسم الحكم الثنائي الإنجليزي المصري، حدثت للقصر قفزته الثانية، حيث وضع له الحاكم الإنجليزي السير ونجت المخطط العام عام 1906 الذي شكّل الملامح التي ارتبط بها لاحقاً، حيث تمت تعليته ليصبح من طابقين، وأضيفت إليه مساحات جديدة ليضم 3 أجنحة، بعد أن شهد القصر قفزة سابقة في عهد خورشيد باشا، 1825 -1838، حيث ضُمت إليه مساحات ودواوين.

تويتر