تكتسب مكانة دينية واجتماعية كبيرة في مدينة الخليل

التكية الإبراهيمية.. حيث لا ينام جائع منذ 1000 عام

صورة

على بعد خطوات قليلة من مسجد الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل، جنوب الضفة الغربية، تحافظ تكية سيدنا إبراهيم عليه السلام منذ 1000 عام على تقديم وجبات الطعام الساخنة الطازجة لآلاف الفقراء في البلدة القديمة، وأحياء الخليل دون استثناء، على مدار العام، فيما يتضاعف عملها طوال شهر رمضان المبارك، وصولاً لأكبر عدد من الأسر المعوزة.

وبفضل التكية الإبراهيمية، اشتهرت الخليل على مر السنين بالمدينة التي لا يجوع أهلها، إذ يصل عدد العائلات المستفيدة من وجبات الطعام الساخنة طوال شهر الصيام إلى الآلاف، والتي تقدم لهم وجبات الطعام مختلفة الأصناف، إضافة إلى شهرتها بطهي حساء سيدنا إبراهيم «الدشيشة»، أو كما تعرف «الجريشة»، والمكونة من القمح المجروش واللحم الطازج.

تاريخ متجذر

انتقلت «الإمارات اليوم» إلى وسط بلدة الخليل القديمة، ولوجاً إلى الزقاق المؤدي إلى المسجد الإبراهيمي من جهته الشمالية، والذي يغلقه الاحتلال بالأسلاك الشائكة، بالتوازي مع سور رابع أقدم وأقدس معلم إسلامي على الأرض، حيث موقع التكية الإبراهيمية ذات الحجارة العتيقة، المجاورة للعديد من المعالم الأثرية، كالمدرسة الإبراهيمية الثانوية، وكذلك البيوت التاريخية العتيقة.

بعد تجاوز الباب الرئيس الحديدي للتكية المكونة من طبقتين، تعلق يافطة كبيرة كتب عليها «أنتم في بيت أبي الضيفان إبراهيم الخليل»، فيما يجاورها سلم حديدي عريض، يفضي إلى أقسام التكية، منها المخزن، وحجرتي إعداد وطهي وجبات الطعام، إلى جانب غرفة واسعة الحجم تقدم من خلالها وجبات الطعام للعائلات، عبر نوافذ حديدية.

ويبيّن مدير التكية الإبراهيمية، حازم مجاهد، لـ«الإمارات اليوم»، أن «تاريخ التكية يعود إلى عهد النبي إبراهيم»، الذي وصف بأنه «أبوالضيفان»، فكان عليه السلام لا يأكل إلا مع ضيف، كما كان يقدم الطعام لعابري السبيل، من المكان ذاته الذي توزع فيه التكية الطعام حالياً.

ويقول مجاهد «إنه في عام 1187 وضع صلاح الدين الأيوبي حجر الأساس للتكية الإبراهيمية في المكان ذاته المتجذرة منذ عهد سيدنا إبراهيم حتى اليوم، فيما أوقف لها الأموال والعقارات، حيث كانت التكية قديماً تقدم الحساء للوافدين إلى المدينة، وأهلها، وتوزع على ثلاثة أوقات، أول النهار وبعد الظهر وبعد العصر، فيما يدق الطبل عند التوزيع في المرة الثالثة يومياً».

ويضيف «إنه في الوقت الحالي، توزع التكية طوال العام وجبات الخضار واللحوم يومي الإثنين والخميس من كل أسبوع، وفي بقية الأيام تقدم حساء سيدنا إبراهيم للعائلات على حد سواء».

ولكن في شهر رمضان، ونظراً لخصوصيته وازدياد احتياجات العائلات، خصوصاً المعوزة منهم، نضاعف كميات وجبات الطعام المكونة من اللحوم والدواجن والخضار والخبز، والتي تقدم يومياً لأسر مدينة الخليل، إلى جانب حساء «الجريشة» أيضاً، وذلك بحسب مجاهد.

ويشير مدير التكية الإبراهيمية إلى أن العائلات المستفيدة من وجبات الطعام الساخنة خلال شهر رمضان الجاري ستتضاعف بأعداد كبيرة، مقارنة بشهور العام الأخرى، نظراً لشدة العوز الذي يعصف بسكان البلدة القديمة، وسائر الأحياء.

ملاذ الفقراء

التكية الإبراهيمية التي تشرف عليها مديرية الأوقاف الإسلامية في مدينة الخليل، تتمتع بمكانة دينية واجتماعية لدى سكان الخليل، حيث أقيمت منذ قرون عدة، إحياءً لسنة سيدنا إبراهيم عليه السلام في إطعام الفقراء والمساكين، كما يقول مدير أوقاف الخليل نضال الجعبري.

فيما يسهم أصحاب الصدقات من أهالي الخليل، وأهل الخير داخل فلسطين وخارجها، لتقديم التبرعات التي تضمن اتساع رقعة العائلات المستفيدة التي تسكن بجوار قبر سيدنا إبراهيم داخل باحات مسجد الحرم الإبراهيمي، وذلك بحسب الجعبري.

ويقول مدير أوقاف الخليل، إن «التكية الإبراهيمية تعد ملاذ الفقراء الآمن، والمتواصل، إذ تحافظ على النسيج الاجتماعي للعائلات المعوزة، حتى لا تشعر بنقص احتياجاتها الأساسية على مدار العام».

ويضيف «إنه داخل الخليل توجد آلاف العائلات الفقيرة، التي لا دخل لها مطلقاً، وتعتمد في عيشها على ما يقدم لها من أهل الخير، من بين ذلك ما توفره التكية الإبراهيمية طوال العام».

ولا تسلم التكية الإبراهيمية من مضايقات جنود الاحتلال وممارساتهم التعسفية، فالبوابات الإلكترونية والحواجز العسكرية تعيق تنقل طواقم التكية الإبراهيمية في سبيل الوصول إلى منازل الفلسطينيين لتقديم وجبات الطعام ساخنة قبيل موعد الإفطار الرمضاني.

• لا تسلم التكية الإبراهيمية من مضايقات جنود الاحتلال وممارساتهم التعسفية، فالبوابات الإلكترونية والحواجز العسكرية تعيق تنقل طواقم التكية الإبراهيمية في سبيل الوصول إلى منازل الفلسطينيين لتقديم وجبات الطعام ساخنة قبيل موعد الإفطار.


مدير التكية الإبراهيمية حازم مجاهد:

• «نظراً لخصوصية رمضان، وتزايد احتياجات العائلات، خصوصاً المعوزة منها، نضاعف أعداد وجبات الطعام المكونة من اللحوم والدواجن والخضار والخبز، والتي تقدم يومياً لأسر مدينة الخليل، إلى جانب حساء (الجريشة)».


بناء التكية

تمت إزالة بناء التكية القديم وملحقاته عام 1964، وذلك ضمن مشروع إزالة ما حول المسجد الإبراهيمي، ونُقل البناء إلى مكان مؤقت بجانب بركة السلطان في المدينة، وذلك بحجة تنظيم وتجميل المسجد الإبراهيمي. وفي عام 1983، قامت مديرية الأوقاف بإنشاء مبنى جديد من الجهة الشمالية القريبة للمسجد الإبراهيمي، وتم تجهيز هذا المكان بكل ما يلزم التكية ويريح الوافدين.

قبل انتفاضة الأقصى عام 2000، كانت تكية إبراهيم تقدم الطعام لمئات العائلات، إلا أن عدد هذه العائلات ازداد بعد الحصار الإسرائيلي، ومع فرض حظر التجوال على البلدة القديمة لمدة طويلة، ما منع طهاة التكية من الوصول إليها، وبذلك حُرم مئات الفقراء يومياً من الوجبة المجانية التي كانوا يحصلون عليها. وتؤكد مديرية الأوقاف في المدينة أن عدد الفقراء في ازدياد، وأن المديرية تسعى للحصول على تصاريح خاصة من قوات الاحتلال للطهاة للتوجه إلى التكية في أيام منع التجول، ولكن دون نتيجة.

ويبرز خلال شهر رمضان دور التكية في مساعدة الفقراء والحالات المستورة في مدينة الخليل، وأكدت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أن عمل التكية اتسع نتيجة الحصار والإغلاق المفروض على الخليل، وأن أصحاب النذور والصدقات، وأصحاب الخير والمتبرعين من أهالي الخليل يتسابقون لإعداد وجبات شهر رمضان المبارك الفاخرة من اللحوم والخضار والخبز، حيث يطبخ يومياً في شهر رمضان نحو خمسة قدور، سعة كل واحد نحو 200 كيلوغرام من الخضار واللحوم، وتوزع ساخنة على الرواد من فقراء ومساكين.

يوزع الطعام مجاناً على نحو 500 أسرة فقيرة، وهو ما يعادل 2500 وجبة يومياً. بعد الحصار الإسرائيلي ارتفع عدد الوجبات التي توزع أكثر من 15%، ويتم توزيع الطعام للرواد والفقراء طوال أيام السنة، إلا أن لشهر رمضان وضعاً خاصاً، ويتم خلال شهر رمضان توزيع وجبات خاصة. عن موقع ويكيبيديا

تويتر