بكين شريك مهم لكن لا غنى للمنطقة عن واشنطن

الأهمية الجيوسياسية للاتفاق السعودي الإيراني

الاتفاقية بين الرياض وطهران جاءت بوساطة من الصين. أ.ب

في العاشر من مارس الجاري، توصلت المملكة العربية السعودية وإيران إلى اتفاق، يهدف إلى ترميم العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، بمساعدة من الصين، حيث أجريت المفاوضات بين البلدين في بكين، ولكن الاتفاق لن يصبح ساري المفعول مباشرة، وإنما سيتم تطبيع العلاقات بين القوتين الإقليميتين والمتنافسين الاستراتيجيين بعملية تدريجية، تستغرق شهرين.

وعلى الرغم من أن المخاوف من قدرة الطرفين على المتابعة تبدو عالية، إلا أن هذا الاتفاق المهم ولّد العديد من الافتراضات بين الخبراء السياسيين حول العالم. وعلى الرغم من أن من الملائم الإشارة إلى أن هذا الاتفاق عجّل في حركة النظام العالمي المتغير، إلا أن من الضروري التقييم بصورة واقعية للأسلوب الذي سيتغير وفقه النظام الحالي، استناداً إلى الحقائق الجيوسياسية في الشرق الأوسط اليوم.

تراجع العلاقة

وخلال السنوات الأخيرة، تراجعت علاقات الولايات المتحدة مع القوى الرئيسة في الشرق الأوسط، نتيجة سلسلة من الأحداث التي تضمنت رفض الولايات المتحدة دعم السعودية في اليمن، وطموحات المملكة حول برنامجها النووي السلمي، والرد المحدود لواشنطن على هجمات طائرات الدرون في الفترة ما بين 2019-2022 على السعودية، ومحاولات واشنطن الضغط على الرياض لتخفيض أسعار النفط، وسط اندلاع الحرب في أوكرانيا.

ومع ذلك، فقد نجم عن هذه التحركات استجابة متناسبة معها من دول الخليج، والتي تضمنت رفض الرد على اتصالات هاتفية من الرئيس الأميركي جو بايدن.

وسط هذه التغيرات في علاقات واشنطن مع دول الخليج، حققت الصين نجاحات مهمة من خلال توسيع قدراتها الاقتصادية. ومن الواضح أن تجارة الصين مع دول الشرق الأوسط تفوق تجارة الولايات المتحدة مع هذه المنطقة. وإضافة إلى ذلك، فإن أسلوب الصين الذي يعتمد على عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول الشرق الأوسط، أضاف إلى أهميتها كشريك عملي. وإضافة إلى ذلك، بالنظر إلى أن الصين قوة عظمى صاعدة، فهي مستورد رئيس لمصادر الطاقة من المنطقة. وفي عام 2021 لوحده، استوردت الصين 72% من استهلاكها من النفط الخام من المنطقة. وبناءً عليه، فإن الخطوة المنطقية لكلا الجانبين تتمثل في تعميق العلاقات بهدف رفع قيمة شراكة أمن الطاقة. وفي الواقع، فإن بكين عززت شراكتها مع إيران، حيث وقعت معها عام 2021 اتفاق تعاون استراتيجي لمدة 25 عاماً، والذي يتضمن أن تصل استثمارات الصين إلى 400 مليار دولار، مقابل الحصول على نفط إيران بسعر مخفض. وأضافت أول قمة للدول العربية والصين عام 2022 مزيداً من الزخم لتوسيع العلاقات بين الصين والشرق الأوسط. وبالنظر إلى هذا السياق، فإن قدرة الصين على لعب دور الوسيط من أجل محادثات السلام بين السعودية وإيران يضيف إلى رصيدها في المنطقة، ولكن القول إن هذه التطورات ستؤدي إلى إلغاء دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ضمن النظام العالمي الناشئ، يعتبر تبسيطاً كبيراً للحقائق الجيوسياسية على الأرض في المنطقة. وقد عززت الولايات المتحدة دورها باعتبارها المزود الأساسي للأمن في المنطقة.

والأمر الأكثر أهمية أنها تظل المزود الرئيس للمملكة بالسلاح. ولايزال الرأي العام في المنطقة ينظر بإيجابية إلى أهمية واشنطن كشريك استراتيجي.

وفي الحقيقة ليس هناك ما يشير إلى أن الصين تسعى إلى لعب دور واشنطن في المنطقة. وبناءً عليه، فعلى الرغم من أن توسيع الصين لبصماتها الاستراتيجية في الشرق الأوسط مسألة مهمة، إلا أنها لن تكون قادرة على أن تحل مكان الولايات المتحدة في الوقت الحاضر.

ومع ذلك، فإن ما تظهره الاتجاهات العامة فإن التوزيع العالمي للقوة يواصل التحرك باتجاه ظهور تعدد للأقطاب عالمياً، وبالتالي فإن الدور الذي تلعبه القوى الصاعدة مثل الصين والهند في المنطقة سيزداد حتماً، وهذا من شأنه أن يوفر مزيداً من الخيارات لدول المنطقة، الأمر الذي يمكن أن يقلل أو يحد من جاذبية الولايات المتحدة كشريك في قضايا مجالات محددة.

■ دون ماكلاين جيل باحث في قضايا جنوب آسيا والشرق الأوسط

 

 

■ وسط التغيرات التي طرأت على علاقات واشنطن مع دول الخليج، حققت الصين نجاحات مهمة من خلال توسيع قدراتها الاقتصادية.

■ أميركا تظل المزوّد الرئيس للمملكة بالسلاح. ولايزال الرأي العام في المنطقة ينظر بإيجابية إلى أهمية واشنطن كشريك استراتيجي.

• 72% من استهلاك الصين من النفط الخام في عام 2021 لوحده استوردتها الصين من المنطقة.

• بكين عززت شراكتها مع إيران، ووقعت معها عام 2021 اتفاق تعاون استراتيجي لمدة 25 عاماً، تضمن بلوغ استثمارات الصين 400 مليار دولار، مقابل الحصول على نفط إيران بسعر مخفض.

 

 

تويتر