بعد 20 عاماً من الغزو

الصدمة النفسية لا تفارق قدامى المحاربين الأميركيين في العراق

صورة

بعد أيام تصادف ذكرى مرور 20 عاماً على الغزو الأميركي للعراق، وعلى الرغم من مرور كل هذه السنوات على الحرب، فإن آثارها لاتزال ممتدة، ليس فقط على العراق لوحده الذي دمرته الحرب، ولم يذق طعم الاستقرار منذ تلك اللحظة، وغرق في مستنقع من الفساد والحرب الأهلية، وإنما في سائر المنطقة. ولاتزال الشعوب العربية عموماً، والشعب العراقي خصوصاً، يدفعون ثمن تلك الحرب التي شُنّت بناءً على ادّعاءات كاذبة، مفادها أن «العراق يملك أسلحة دمار شامل»، وأثبت التفتيش المتكرر بعد الحرب أن العراق لا يملك أي أسلحة ذرية ولا بيولوجية ولا كيماوية، وأن الغرض من الحرب كان تدمير العراق ليس إلا. قاد تيم ماكلولين فصيلة دبابات، من مشاة البحرية، شاركت في أولى المعارك خلال الغزو الأميركي للعراق. ومثل العديد من قدامى المحاربين، تركته التجربة يعاني ضغوط ما بعد الصدمة، ومشاعر متضاربة بشأن الحرب. وفي محاولة لمعالجة تجاربه، بعد خدمته، غادر ماكلولين الولايات المتحدة، وانتقل إلى البوسنة، حيث عاش لمدة تسعة أشهر في منزل يطل على مدينة سراييفو القديمة، وهو مكان، مثل العراق، شهد عنفاً رهيباً.

وقال ماكلولين «أردت فقط أن أكون قادراً على الذهاب إلى بلد عانى صدمة جماعية، وأن أرى كيف تعامل الناس معه»، متابعاً «ما تعلمته هو أنه بالنسبة للأشخاص الذين يعانون منها، فإن الصدمة لا تزول أبداً».

وبعد 20 عاماً من غزو القوات الأميركية، أصبحت الحرب الأميركية في العراق ذكرى باهتة للكثير من الأميركيين. وبالنسبة للعراقيين أنفسهم، لاتزال عواقب الحرب جزءاً لا مفر منه من حياتهم اليومية، ولكن الصدمة باقية أيضاً لمجموعة من الأميركيين من غير المرجح أن ينسوا الحرب طالما هم على قيد الحياة، وهم أفراد الخدمة الأميركية السابقون.

وتشير التقديرات إلى أن أكثر من مليون أميركي خدموا في العراق على مدار أكثر من عقد، معظمهم في أدوار غير قتالية. وإلى جانب ملايين العراقيين الذين قتلوا أو شردوا بسبب الصراع، لقي آلاف الأميركيين حتفهم أو جرحوا في العراق.

وبالنسبة للعديد من قدامى المحاربين، كانت الحرب هي الحدث الحاسم في حياتهم. ومع ذلك، فقد كان من الصعب التوفيق بين التضحيات الرهيبة التي قدموها أثناء الصراع، والنتيجة غير السعيدة أو الروايات الكاذبة التي بدأت بها.

وفي ذلك يقول ماكلولين «فكرة خوض الحرب مروعة، وعندما يتحدث الناس عن ذلك على شاشة التلفزيون، فإنهم يتحدثون عن شيء غير حقيقي بالنسبة لهم»، متابعاً «عندما يصبح الأمر حقيقياً بالنسبة لك، فإنه يظل حقيقياً طوال حياتك». وتابع المُحارب السابق «بالنسبة لي، كانت التجربة عنيفة ومرهقة وحزينة، وأعتقد حقاً أننا كنا الأفضل في العالم في عملنا وما فعلناه. ولسوء الحظ، كانت مهمة سلاح مشاة البحرية هي قتل الناس وتدمير الأشياء».

طبيعة مأساوية

في السنوات التي أعقبت الصراع، كافح ماكلولين مع ما اختبره في العراق. ونشر في وقت لاحق يومياته، التي وثق فيها العنف والإرهاب في الأيام الأولى للغزو. كما تصارع مع الطبيعة المأساوية للحرب بالنسبة للعراقيين، الذين اضطروا، بسبب قرار الغزو من قبل إدارة الرئيس جورج بوش الابن، إلى المعاناة من هجمات 11 سبتمبر، على الرغم من عدم وجود صلة لهم بها.

ويقول ماكلولين «لم أقرر غزو العراق، وليس لدي أي مشاعر سلبية تجاه العراقيين على الإطلاق، والأشخاص الذين خدمت معهم أحياء، أحبهم»، متابعاً «الأشخاص الذين ماتوا وذهبوا، أحبهم أيضاً». وأردف «أشعر بالإحباط من الأشخاص الذين اختاروا القيام بالغزو. لقد كان الناس في العراق يعيشون حياتهم. وأشعر بالإحباط من الأشخاص الذين اتخذوا هذا القرار. وأعني، لقد أرسلونا لغزو البلد الخطأ».

الادعاء الأولي لشن الحرب، هو أن العراق كان يمتلك أسلحة دمار شامل، ويشكل تهديداً وشيكاً للولايات المتحدة وحلفائها، تم دحضه في وقت مبكر من الصراع. وما عاشه الأميركيون والعراقيون بعد ذلك كان احتلالاً عسكرياً وتمرداً بطيئاً وطاحناً، وقاتلوا دون هدف واضح، ثم تحولوا تدريجياً إلى حرب أهلية خلّفت ملايين القتلى والجرحى والنازحين.

وفي نهاية كل ذلك، ذهب الرئيس العراقي السابق صدام حسين وعائلته، لكن الحياة في العراق اليوم لاتزال صعبة بالنسبة للكثيرين الذين اضطروا للتعامل مع تداعيات الحرب (ولايزال هناك ما يقرب من 2500 جندي أميركي في العراق يعملون مدربين ومستشارين للجيش العراقي). ووجد العديد من الأميركيين، الذين انضموا إلى الجيش من منطلق إحساسهم بالواجب الوطني بعد 11 سبتمبر، أنفسهم يقتلون ويموتون في حرب ضد أشخاص لا علاقة لهم بالهجمات.

وفي حين أن الحرب قد تختفي من ذاكرة الأميركيين، فإن هذه الإصابات والصدمات هي تذكير يومي بإرث حرب العراق لأولئك الذين جربوها بأنفسهم.

جروح خطرة

عمل دينيس فريتز كضابط في القوات الجوية الأميركية لمدة 28 عاماً، قبل أن يستقيل في الأيام الأولى من الحرب، وقضى أكثر من عقد من العمل في عيادة المحارب في مستشفى «والتر ريد» العسكري، وساعد في تعافي أفراد الخدمة المصابين في العراق ونزاعات أخرى. وقد غذت تجربة التعامل مع عدد كبير من أفراد الخدمة المصابين بجروح خطرة شعوراً بالغضب تجاه القادة السياسيين الذين اتخذوا قرار غزو العراق.

لا يدرك معظم الأميركيين أن الحرب كانت حقيقية إلا عندما شاهدوها على شاشات التلفزيون. ويتحسر فريتز، الذي تقاعد من سلاح الجو برتبة رقيب أول، لرؤية أفراد الجيش، في «والتر ريد»، وقد فقد أحد أطرافه، أو كان مصاباً باضطراب ما بعد الصدمة. ويقول «لدينا أشخاص يعانون إصابات، وهذا يعني أن الأمر سيكون جحيماً بالنسبة لهم لبقية حياتهم. وفي غضون ذلك، كما نعلم الآن، لم يكن العراق يمثل تهديداً لنا، وأنا منزعج من ذلك حتى يومنا هذا، لأن أعضاء خدمتنا تم استخدامهم كبيادق».

واستمر العديد من المسؤولين عن حرب العراق في الاستمتاع بوظائف مجزية بصفتهم صانعي سياسات رفيعي المستوى، في واشنطن، سواء في الحكومة أو من خلال تولي أدوار عالية الأجر في القطاع الخاص. وفي غضون ذلك، لاتزال آثار المعاناة التي خلفها الصراع تحصد الضحايا، سواء في الشرق الأوسط، حيث لايزال الملايين يعانون عواقب الحرب، وفي بلدات ومدن الولايات المتحدة، حيث يوجد المصابون بعاهات جسدية ونفسية. ولايزال العديد من المحاربين القدامى يحتملون جروح الحرب بهدوء.

وقال فريتز «أعرف شخصين كانا ضابطين، خلال الحرب، وهما يمران بأوقات عصيبة مع اضطراب ما بعد الصدمة، في الوقت الحالي، والشعور بالذنب، لأن أفراد كتيبتهما فقدوا حياتهم». متابعاً «لكنهم ماتوا ليس بسببهم، إنه بسبب القادة السياسيين الذين أرسلوهم للحرب بناء على كذبة»، وتابع «إنهم من يجب أن يكونوا مصابين باضطراب ما بعد الصدمة، لكنهم ليسوا كذلك. وإنهم يتفرغون لكتابة الكتب، والحصول على وظائف مربحة».

 2500

جندي أميركي لايزالون في العراق يعملون مدربين ومستشارين للجيش العراقي.

• ما عاشه الأميركيون والعراقيون كان احتلالاً عسكرياً وتمرداً بطيئاً وطاحناً، وقاتلوا دون هدف واضح، ثم تحولوا تدريجياً إلى حرب أهلية.

تويتر