ثاني أهم مشكلة في البلاد بعد تدهور السلامة العامة

7 رؤساء سجنوا أو خضعوا للتحقيق في البيرو.. والفساد مستمر

صورة

بالنسبة للمواطن البيروفي راؤول إيبانيز، فإن الأزمة السياسية في بيرو والاضطرابات العنيفة، أحياناً، التي هزت البلاد في الأشهر الأخيرة، متجذرة في ما يسميه «البلاء الذي أصاب بلدنا». ويقول إيبانيز: «لقد كان الفساد هو سبب سقوط رؤساء بلدنا على مدار الـ30 عاماً الماضية». ويقبع الرئيس السابق بيدرو كاستيلو، في السجن منذ أوائل ديسمبر، بعد محاولة حل البرلمان والحكم بمرسوم رئاسي.

وانضم كاستيلو إلى نادٍ مشكوك فيه يتكون من سبعة رؤساء، إما سُجنوا أو تم التحقيق معهم بتهمة الكسب غير المشروع. ولكن الفساد لم يتم احتواؤه على مستوى القيادة العليا في بيرو. وعلى مدى العقدين الماضيين، امتد تأثير الفساد إلى كل شيء، بما في ذلك الخدمات العامة، مثل الرعاية الصحية والتعليم، وصولاً إلى أعضاء الكونغرس.

وإيبانيز، أخصائي الأشعة الجالس في حديقة ليما المظللة مع زوجته وابنه الطالب الجامعي بعد ظهر أحد الأيام الأخيرة، هو من بين العديد من البيروفيين الذين يقولون إن الفساد عامل مركزي في عدم الاستقرار في البلاد، وفشل الحكومة في تحسين الظروف المعيشية.

ويقول إيبانيز: «من خلال ملء جيوبهم من خلال الفساد، يضر السياسيون بقدرة الآخرين على إعالة أسرهم»، وتابع: «هذا ما يثير حنق الناس».

ويعتقد نحو 88% من البيروفيين أن ما بين نصف قادتهم السياسيين وجميعهم، متورطون في الفساد، وفقاً لمسح 2021، الذي أجراه مشروع رصد الرأي العام لأميركا اللاتينية، في جامعة فاندربيلت. وهذا هو أعلى معدل في أي بلد في أميركا اللاتينية، وهي منطقة تكون فيها التصورات العامة للفساد في السياسة عالية بشكل عام.

ويقول المدير المساعد في المشروع البحثي، نعوم لوبو، إن تصور البيروفيين للفساد المرتفع يؤدي بدوره إلى انهيار الثقة في مؤسسات الدولة. ويضيف لوبو: «النظام السياسي ينهار. يفقد الناس الثقة في أن النظام السياسي يفترض أن يمثلهم ويمثل مصالح أسرهم».

جيوب الأقوياء

كانت نائبة الرئيس دينا بولوارتي، التي حلت محل كاستيلو، سريعة في التركيز على القضاء على الفساد عندما تولت الرئاسة في السابع من ديسمبر. وأعاقت الاتهامات الموجهة إليها قدرتها على إحراز تقدم، كما يقول محللون. وتراجعت الاحتجاجات إلى حد كبير لتتركز في جنوب البلاد، حيث تستمر الحواجز المؤقتة والإضرابات العمالية.

ويقول العديد من البيروفيين الذين شاركوا في الاحتجاجات الأخيرة إنهم قد يميلون إلى النزول إلى الشوارع إذا كانت هناك مسيرة تركز بشكل خاص على الفساد.

وتقول روزاريو مدريد، وهي معلمة متقاعدة تزور العائلة في العاصمة، ليما «لم أشارك في مسيرة، لكن يمكنني أن أؤكد لكم أن غضبي على الفساد قوي بقدر المشاعر التي عبر عنها المتظاهرون». وتضيف مدريد أن مرافقتها لزوجها (الألماني)، في مهام عمل طويلة الأمد في تشيلي وألمانيا، كشف لها حجم الفساد في بلدها الأصلي.

وتوضح: «عندما تخرج من بيرو وترى حقائق أخرى، تسأل نفسك لماذا الفساد على ما هو عليه هنا»، وتابعت: «بيرو بلد غني بالثروات، ولكن يبدو أن ثمار تلك الثروات تذهب إلى جيوب الأقوياء والأثرياء، أكثر من أي مكان آخر». وأضافت: «بالتأكيد لم تذهب (الأموال) إلى المدارس العامة، وهو ما أجده، كمدرسة، ضاراً بشكل خاص بمستقبل بلدي».

في الواقع، يعتبر البيروفيون الفساد ثاني أهم مشكلة في البلاد تؤثر سلباً على حياة الناس العاديين، ولا يتفوق عليها سوى تدهور السلامة العامة، وفقاً لمنظمة مكافحة الفساد «برويتيكا»، التي أجرت مسحاً وطنياً، في أغسطس الماضي.

تأثير مباشر

وفي ذلك، يقول مدير شؤون المواطنين والمراجعات الحكومية المفتوحة في المنظمة التي تتخذ ليما مقراً لها، كارلوس أرويو: «ما وجدناه هو أن 59% من السكان يشعرون بقوة بأن الفساد له تأثير مباشر على الوضع الاقتصادي لأسرهم». وتشير التقديرات إلى أن أكثر من خمسة مليارات دولار تُفقد سنوياً بسبب الفساد، كما يقول أرويو، موضحاً: «هذا هو المال الذي يشعر الناس أنه لا يفيدهم».

لماذا ينتشر الفساد على هذا النحو؟ ولماذا يقول سكان بيرو إنهم يشعرون بتأثيره بمعدلات أعلى من سواهم في بلدان أميركا اللاتينية؟

يقول الخبراء إن الأسباب كثيرة، وتراوح من المؤسسات الضعيفة بشكل عام - ولكن من المفارقات أن نظام الادعاء العام، الذي تابع قضايا الفساد بنجاح، قوي نسبياً - إلى إصلاحات حسنة النية ولكن بنتائج عكسية.

ومثال على هذا الأخير هو حظر إعادة الانتخاب لولاية ثانية متتالية في البرلمان. وكان الهدف من هذا الإجراء هو معالجة مشكلة الأعضاء الفاسدين الراسخين في الكونغرس، لكن الكثيرين يقولون إنه بدلاً من ذلك حوّل فترة الخمس سنوات إلى سباق لجني أكبر قدر ممكن من الفوائد المادية، مع إبقاء السياسيين بعيداً عن المساءلة التي يمكن أن توفرها إعادة الانتخاب.

٪59 من السكان يشعرون بأن الفساد له تأثير مباشر على الوضع الاقتصادي لأسرهم.

• على مدى العقدين الماضيين، امتد تأثير الفساد إلى كل شيء، بما في ذلك الخدمات العامة، مثل الرعاية الصحية والتعليم، وصولاً إلى أعضاء الكونغرس.


تراجع الديمقراطية

في الأزمة السياسية الحالية، يمكن أن يكون إجراء انتخابات، برلمانية ورئاسية، مبكرة، أحد الحلول، كما يقول جينو كوستا، وهو خبير حقوق الإنسان وعضو الكونغرس السابق، الذي نشر أخيراً كتاباً يؤرخ فيه كيف تراجعت الديمقراطية في بيرو، موضحاً «لكن أعضاء الكونغرس الحالي يقاومون الانتخابات المبكرة لأنهم سيفقدون امتيازات وفوائد مناصبهم»، ويوضح كوستا: «لذا، في هذه الحالة، فإن منع إعادة الانتخاب يمثل مشكلة». وضاعف ما لا يقل عن سبعة أعضاء في الكونغرس الحالي دخلهم وأصولهم بشكل فلكي على مدار عام ونصف العام في مناصبهم، وفقاً لدراسة حديثة أجرتها مؤسسة «سنترو ليبر»، وهي منظمة استقصائية، تعزز وصول الجمهور إلى المعلومات الحكومية. ويخضع عدد من أعضاء الكونغرس ورجال الأعمال للتحقيق بالفعل بتهمة الفساد.

نخبة متسلطة

فوجيموري استعاد الأمن لكنه كرّس الفساد السياسي. ■ أرشيفية

 الرئيس السابق ألبرتو فوجيموري «حل» أزمة الإرهاب بهزيمة منظمة حرب العصابات العنيفة، كما يقول خوسيه أوغاز، وهو خبير مكافحة الفساد في بيرو، ولكن فوجيموري أنجز ذلك من خلال «الاستيلاء الكامل على الدولة»، وتحويل الحكومة إلى حكم النخبة المتسلطة، وترك بيرو بـ«مؤسسات كانت بالكاد قائمة»، كما يقول أوغاز.

ويوضح الخبير: «تركت فترة حكم فوجيموري الفساد بمثابة جزء لا يتجزأ من هيكل السلطة، وغرس في الكثيرين فكرة متناقضة فيما يتعلق بالقادة الفاسدين: إنه يسرق، لكنه ينجز الأمور».

ويقول إيبانيز، وهو اختصاصي أشعة، إن أساس آفة الفساد في بيرو هو ميل الموظفين العموميين إلى التصرف من أجل مصلحتهم الشخصية، بدلاً من رؤية الحكومة كأداة لتحسين أحوال الجميع. ويوافق أوغاز على أن «الشعور بالصالح العام لم يكن في صميم أجندتنا الوطنية». وبدلاً من ذلك، كما يقول «منذ وصول الإسبان، كان لدى بيرو نموذج تنمية استخلاصي، يقوم على إثراء الذات بدلاً من رد الجميل أو تحسين حياة الناس».

ويقول أوغاز «يزدهر الفساد عندما يكون تركيز قادتنا السياسيين هو: أنا أستفيد ثم شعبي، بدلاً من مشروع وطني قائم على الصالح العام»، وتابع: «نحن نعلم أن الدول الناجحة لديها شعور قوي بالصالح العام لبناء مشروع وطني، لكن فضائح الفساد المتكررة التي مررنا بها حتى عهد كاستيلو، تخبرنا أننا نفتقر إلى هذا المكون الأساسي».

وأوضح أوغاز: «لن يكون الحد من الفساد في بيرو أمراً سهلاً. إنه يتطلب عنصرين لا يمكن تحقيقهما بين عشية وضحاها. إعادة بناء ثقة الجمهور بالمؤسسات، وثورة ثقافية، تفسح المجال للتضامن والشعور بالتعاطف بين البيروفيين».


أرض خصبة للرشوة

الرئيسة المؤقتة دينا بولوارتي لم تتمكن من فعل شيء. ■ أرشيفية

إن جذور الفساد في بيرو أمر يتجادل حوله البيروفيون أنفسهم، حيث يلقي الكثير باللوم على الغزاة الإسبان. وأسس المحتلون في القرن الـ16 مؤسسات من مسؤولين حكوميين مدفوعين بالجشع أكثر من الخدمة العامة. ورداً على ذلك، الجهود التي كانت تهدف إلى كبح نزعاتهم، واجهت حقيقة أن المؤسسات العامة أرض خصبة لمزيد من الرشوة والعمولات.

ويقول خبراء ومؤرخون إن الفساد متأصل ثقافياً في المجتمع، وهو يتجاوز الحكومات، وحتى أنواع الأنظمة، سواء كانت سلطوية أو ديمقراطية، يسارية أو يمينية. وهذا هو سبب الفقر وعدم تكافؤ الفرص ورداءة الخدمات العامة. وأولئك الذين لديهم المال يدفعون، وأولئك الذين لا يفعلون لا يحصلون على شيء.

انحسرت مستويات الفساد خلال الفترة الاستعمارية وارتفعت مع الاستقلال، وكانت أحدث نقطة بارزة قبل الاضطرابات الحالية خلال فترة حكم فوجيموري (1990-2000). وفي كتابه «الدوائر الفاسدة: تاريخ الكسب غير المشروع في بيرو»، قدر المؤرخ الراحل ألفونسو كيروز، أن الكسب غير المشروع استهلك، في نقاط ومراحل مختلفة، ما يصل إلى 4.9% من الناتج المحلي الإجمالي لبيرو.

تويتر