منذ انهيار الاتحاد السوفييتي سعت موسكو إلى إبقاء كييف «وكيلاً» خالياً من دون هوية مستقلة

كيف يمكن إيجاد مخرج من الحرب المجتمعية على أوكرانيا

صورة

مع استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا، وما يرافقها من دعم غربي لكييف، هدفه المعلن صد هجوم موسكو أملاً في الوصول إلى نهاية لهذه لحرب، لابد من النظر في جوانب أخرى للنزاع، لاسيما الجوانب المجتمعية.

وكيل

ويقول أريئيل ليفيت، وهو زميل في برنامج تكنولوجيا السلام الدولي والشؤون الدولية بمؤسسة كارنيغي، في تقرير نشرته مجلة «ناشيونال إنتريست»، إن معظم العالم ركز على الحرب النشطة الوحشية التي شنت في أوكرانيا لمدة عام تقريباً، ولكن منذ اليوم الأول، كان هذا الصراع في الغالب مواجهة مجتمعية. ومنذ انهيار الاتحاد السوفييتي، سعت روسيا إلى إبقاء أوكرانيا كوكيل خال من دون هوية مستقلة.

ومنذ عام 2014، حاولت موسكو إخضاع أوكرانيا، وردع الغرب عن دمجها في وسطه، من خلال مزيج من التخريب والترهيب بعيداً عن الحرب. وأدى فشل هذا النهج في أواخر فبراير 2022 إلى تحرك سريع وقصير، ولكنه كئيب، بالقدر نفسه مع هجوم على غرار الحرب الخاطفة، التي أدى تكشفها السريع إلى إعادة تركيز روسيا على شن حرب استنزاف، تهدف إلى سحق العزم الجماعي للمجتمع الأوكراني، وقوة بقاء الجمهور الغربي، مع ضمان صبر الشعب الروسي وتعبئته.

استراتيجية شرسة

وفي متابعة استراتيجيتها التي تركز على المجتمع، طبّقت روسيا بشراسة، وبشكل غير معقول، العمل السري والأسلحة التقليدية، والتهديدات النووية، والنفوذ الاقتصادي، خصوصاً الطاقة، والسيطرة على المعلومات والتلاعب بها، والتأثير الثقافي والديني، وحتى نقل السكان. وفي مواجهة الهجوم الروسي بطريقتهما الخاصة، وإخضاعه لمعايير أخلاقية مختلفة بشكل كبير، استفادت أوكرانيا والغرب أيضاً من العديد من هذه الأدوات ذاتها لإحباط التصميم الروسي الكبير.

وقد تم توجيه تركيز الغرب إلى إحياء الهوية الثقافية والسياسية المستقلة لأوكرانيا، مع بناء انتماء ديني أرثوذكسي منفصل، وتم تسخير هذه الوسائل لدعم قدرة أوكرانيا على التحمل والتعبئة للحرب، وترسيخ التزام الغرب تجاه كييف ودعمه المادي لها، على الرغم من الخسائر التي تلحقها بمجتمعاته. وبالتوازي مع ذلك، سعى هذا النهج إلى تقويض تسامح الجمهور الروسي، وتعبئته للحرب والدعم الدولي لموسكو.

الاستمرار في المسار

وقد تمكّنت جميع الأطراف حتى الآن من الاستمرار في المسار، إلى درجة مذهلة في حالة أوكرانيا، وإلى حد مدهش من قبل حلفائها الغربيين. ومع ذلك، فقد تسببت الحرب في خسائر فادحة لجميع الأطراف، ولم يقترب أي جانب من أي شيء يشبه النصر عن بعد. ونتيجة لذلك، تحولت المواجهة إلى حرب استنزاف مطولة، وصراع مدمر ومؤلم ومكلف من التحمل المجتمعي والصبر مع نهاية لا تلوح في الأفق ولا يسهل تخيلها.

وتفاقمت هذه التكاليف أكثر، بسبب التزام الأطراف بالنصر الكامل، الذي يبدو غير واقعي. وتسعى روسيا إلى ضم أوكرانيا وتدميرها وإخضاعها، مع الاستفادة من أصول الطاقة الخاصة بها، للبقاء واقفة على قدميها اقتصادياً، وإلحاق الضرر بأوروبا. وتدافع أوكرانيا بشجاعة عن نفسها، ولكنها تعلن أيضاً عن نيتها استعادة جميع أراضيها المفقودة عسكرياً، بما في ذلك شبه جزيرة القرم. ويحلم الغرب بهزيمة الجيش الروسي، ووكلائه من فاغنر والشيشان، من خلال توفير مستويات غير مسبوقة من الدعم العسكري والاستخباراتي والاقتصادي لأوكرانيا، وإثارة المعارضة في روسيا من خلال فرض عقوبات اقتصادية أكثر قسوة. ويبدو الوضع الناتج ثابتاً، لكنه غير مستقر بطبيعته.

لا منتصر حتى الآن

فبعد ما يقرب من عام من إراقة الدماء والدمار والاستنزاف المالي على نطاق واسع، لا يستطيع أي من الطرفين صياغة نظرية ذات صدقية عن النصر، وكل منهما يحشد لحرب طويلة، حرب تصورها كل من روسيا وأوكرانيا بشكل متزايد على أنها وجودية. ومع ذلك، بدأ صبر المجتمع على المواجهة المفتوحة والتكاليف التي تفرضها ينفد في روسيا وأوروبا، وحتى الولايات المتحدة. ويعزز نفاد الصبر هذا القلق من المزيد من التصعيد، بدخول بيلاروسيا في الحرب، والضربات الأوكرانية في عمق روسيا، وامتدادها إلى ترانسنيستريا/مولدوفا أو دول البلطيق، وحتى التهديد باستخدام السلاح النووي الروسي، الذي يحدث في محاولة يائسة لكسر الجمود أو كرد فعل مدفوع بالغضب على شكوى حقيقية أو مدفوعة بالتخيل.

وهناك رغبة مفهومة تماماً في رؤية الروسي يُهزم ويُعاقب ويُثنى عن التفكير في إعادة اللعب ضد أوكرانيا أو أي دولة أخرى، لكن احتمالات تأمين الأمور الثلاثة بالوسائل العسكرية حصراً تقترب من الصفر. ويتوقف الأمل في وضع حد لهذا المستنقع المأساوي والخطر على الاعتراف بطبيعة الصراع، التي تركز أساساً على المجتمع. ويجب على القادة استيعاب أن نهاية هذه المبارزة المروعة من التحمل المجتمعي، لن تأتي من إنجاز في ساحة المعركة المادية. ويجب أن تأتي من الاستفادة من أقوى المشاعر المجتمعية (الخوف والأمل) لكسر الجمود من خلال تشجيع جميع الأطراف على التفكير في تنازلات لا يمكن تصورها حتى الآن في أهداف الحرب الخاصة بكل منها.

ومن الآن فصاعداً، ستختبر القيادة الحكيمة من خلال استعداد القادة، وقدرتهم على استيعاب الخوف واستحضاره بصدقية وإلهام الأمل لإقناع جميع المجتمعات المعنية بإلقاء أسلحتها، ولو أصرت على الحفاظ على أشكال أخرى من السلوك العدائي تجاه بعضها بعضاً بعد ذلك.

 

مخاوف من الثمن

يجب على إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أن تبدأ في الخوف من أن شعبها، الذي تحمّل وطأة تقديم المساعدات الاستخباراتية والمالية والمادية لأوكرانيا، سيخشى ثمن إبقاء أوكرانيا واقفة على قدميها، لكن الإدارة يمكن أن تجد وتلهم الأمل في أن نجاح أميركا في توجيه مثل هذه الضربة لروسيا، لن يثنيها عن المغامرات المستقبلية فحسب، بل سيترك أيضاً أثراً في الصين، بما قد تخاطر به من خلال محاولة الاستيلاء على تايوان بالقوة. إضافة إلى ذلك، يمكن لواشنطن أن تتوقع أن وقف الأعمال العدائية العلنية في أوروبا سيحرر يديها للتركيز على مشكلاتها الداخلية، والتنافس اقتصادياً مع الصين، والاستعداد لصدام عسكري محتمل مع بكين.

واشنطن - د.ب.أ

تم توجيه تركيز الغرب إلى إحياء الهوية الثقافية والسياسية المستقلة لأوكرانيا، مع بناء انتماء ديني أرثوذكسي منفصل. وتم تسخير هذه الوسائل لدعم قدرة أوكرانيا على التحمل والتعبئة للحرب، وترسيخ التزام الغرب تجاه كييف ودعمه المادي لها، على الرغم من الخسائر التي تلحقها بمجتمعاته.

منذ عام 2014، حاولت موسكو إخضاع أوكرانيا، وردع الغرب عن دمجها في وسطه، من خلال مزيج من التخريب والترهيب بعيداً عن الحرب.

يحلم الغرب بهزيمة الجيش الروسي، ووكلائه من فاغنر والشيشان، من خلال توفير مستويات غير مسبوقة من الدعم العسكري والاستخباراتي والاقتصادي لأوكرانيا، وإثارة المعارضة في روسيا من خلال فرض عقوبات اقتصادية أكثر قسوة.

تويتر