الفقراء يعانون أسوأ شتاء «في الذاكرة الحية» وسط قلة الموارد

متطوعون يوفرون «فضاءات دافئـة» للمحتاجين في بريطانيا

صورة

يقول ماف بوتس إن هناك طرقاً عديدة لمساعدة الناس للخروج من البرد والعيش في مكان عام دافئ. ويضيف مؤسس حركة «كمرادوس»، وهي حركة اجتماعية افتتحت «غرف معيشة عامة» في المجتمعات المحلية، في جميع أنحاء المملكة المتحدة، منذ عام 2015، أن المفتاح هو «التأكد من شعورهم بالترحيب وعدم الحكم عليهم»، موضحاً «ما يجذب الناس هو أنها ليست كنيسة. وهي ليست مؤسسة خيرية، ولا يوجد إصلاح، ولا إجابات عن أسئلة».

وفي هذا الشتاء، هناك حاجة عالية إلى المرافق العامة الدافئة، أو «الفضاءات الدافئة»، كما يتم تسميتها لإزالة أي وصمة عار. ومع حلول البرد بالتزامن مع الحرب في أوكرانيا، اهتزت الأسواق وارتفعت أسعار الطاقة. وبينما تشجع وكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة الناس على تدفئة المنازل إلى ما لا يقل عن 18 درجة مئوية، فإن أكثر من ثلاثة ملايين أسرة منخفضة الدخل لا تستطيع تحمل هذه النصيحة. ووفقاً لتحليل أجرته مؤسسة «جوزيف راونتري»، لا تستطيع نحو 710 آلاف عائلة في أنحاء المملكة المتحدة دفع ثمن الملابس الدافئة والتدفئة والطعام، مع ما يقرب من 2.5 مليون أسرة - خمس جميع الأسر ذات الدخل المنخفض - من دون طعام وتدفئة.

ومع وصول أسعار الطاقة إلى مستويات قياسية، وتكاليف الطاقة إلى ضعف ما كانت عليه في العام الماضي، ظهرت مساحات دافئة في جميع أنحاء البلاد. ولتجنب أي وصمة عار محتملة، يتم تقديمها على أنها مساحات مشتركة حيث يمكن للأشخاص القدوم للدردشة؛ بدلاً من العروض الخيرية للحصول على الدفء أو الطعام. وفي حين أن السبب الرئيس وراء ذهاب شخص ما إلى مساحة دافئة أو غرفة معيشة عامة هو الدفء على الأرجح، إلا أن روح الصداقة والمحادثة هي التي تُبقي الناس هناك.

يواجه فقراء بريطانيا أسوأ شتاء في الذاكرة الحية، كما كتب رئيس الوزراء السابق غوردون براون، على «تويتر»، في ديسمبر. وقال «قبل عام تحدثنا عن الأشخاص الذين يتعين عليهم الاختيار بين التدفئة وتناول الطعام، والآن لا يستطيع الكثيرون تحمل كُلفة أي منهما». وأشار إلى أن ثلثي البلاد سيعانون «فقر الوقود»، بحلول أبريل، والذي يشمل 70% من المتقاعدين و96% من العائلات ذات العائل الوحيد، والتي لديها طفلان أو أكثر.

مستويات قياسية

في أكتوبر، رفعت المملكة المتحدة سقف أسعار الطاقة، وهو الحد الأقصى للمعدل الذي يمكن للمورد أن يفرضه على تعريفاته، بنسبة 80%، وارتفعت أسعار الغاز إلى مستويات قياسية في أعقاب اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، وإلى جانب التضخم، بأكثر من 10% وارتفاع أسعار الفائدة وتكاليف الإيجار بأعلى معدلات على الإطلاق، يكافح الكثير من البريطانيين لتحمل كلفة الأساسيات، وتقدر منظمة الوطني الخيرية، «إن إي أيه»، التي ترصد الفقر المرتبط بالوقود وكفاءة الطاقة، أن هناك بالفعل 6.7 ملايين أسرة تعيش في فقر الوقود، ومع وجود فواتير تقترب من ضعف ما كانت عليه في الشتاء الماضي، استخدم 2.4 مليون شخص بطاقات الائتمان أو اقترضوا الأموال لدفعها هذا العام.

وإذا كان البريطاني يكافح من أجل الدفع لتدفئة منزله، فلديه بالفعل ثلاثة خيارات فقط، كما يقول المسؤول في المنظمة، مات كوبلاند «يمكنه مراكمة الديون مع مورد الطاقة الخاص به، أو تقنين استهلاك الطاقة واستخدام أقل مما يحتاجه للبقاء دافئاً، أو ببساطة إيقاف تشغيل التدفئة، والتي يمكن أن يكون تأثيرها كبيراً».

وتشير الأبحاث إلى أن عدد الأشخاص الذين يموتون في البيوت بسبب البرد، أكثر من الذين يموتون بسبب تأثير الكحول على المدى القصير والطويل، أو مرض باركنسون، أو حوادث المرور.

ويقول كوبلاند «نحن نعرف العائلات التي لديها عدادات للدفع المسبق ولا يمكنها تحمل نفقات إضافية على الإطلاق»، موضحاً «إنهم يمضون أياماً وأسابيع وأحياناً أشهراً من دون الوصول إلى الطاقة. وهذا حقاً أسوأ موقف، ولكن لسوء الحظ، أصبح أكثر شيوعاً».

أفكار مؤقتة

مع ذلك، يمكن للمجتمعات المحلية أن تتقدم حيث تفشل الحكومات. ويقول بوتس من مؤسس «كمرادوس» إنه «يتم الآن إنشاء غرف معيشة عامة كنماذج للمساحات الدافئة، في جميع أنحاء المملكة المتحدة»، متابعاً «بعد ما يقرب من 30 عاماً من العمل مع الأشخاص المهمشين. أنا لا أؤمن بأن الحل يكمن في الخدمة المدنية التي تقدمها الحكومة، إذ قد تأتي الحكومات لمدة أربع سنوات، وقد يستمر الوزراء بعض الوقت، وأفكارهم مؤقتة وسياسية. وما نحتاجه هو أفكار تستمر لفترة أطول من تلك. وهذه الأفكار تأتي من المجتمعات نفسها».

كما في مخبز شمال يوركشاير، ومقهى ألعاب ومتجر «ثقافي» في إبسويتش، ومطعم نباتي في تونبريدغ بمقاطعة ويلز، تظهر المساحات الدافئة في جميع أنحاء بريطانيا، بكل الطرق، من خلال جهد مجتمعي بدأ بشكل فردي، من القاعدة الشعبية، من دون منظم مركزي. بالإضافة إلى قاعات المجتمع والكنائس، تفتح الفنادق ومحال تصفيف الشعر ونوادي الكريكيت أبوابها لأي شخص يحتاج إلى بعض الدفء أو بعض الصُحبة أو حتى تناول مشروب ساخن. وحتى نادي مانشستر يونايتد الشهير لكرة القدم قد شارك في الحدث، وهو يقدم ملعب النادي «أولد ترافورد»، كـ«فضاء دافئ» مجاني، حيث يفتح مطعمه «ريد كافيه» أبوابه في أمسيات الاثنين والأربعاء «لمساعدة أولئك الذين يواجهون صعوبة الشتاء».

أقل المنازل كفاءة

تضرب أزمة الطاقة بقوة ميزانيات العائلات في المملكة المتحدة أكثر من أي بلد في أوروبا الغربية، وفقاً لتحليل أجراه صندوق النقد الدولي. والفرق بين عبء الكلفة على الأسر الفقيرة والغنية هو أيضاً أكثر تفاوتاً في المملكة المتحدة مقارنة بالدول الأخرى. والسبب هو اعتماد بريطانيا الكبير على الغاز لتدفئة المنازل وإنتاج الكهرباء في وقت أدت فيه الحرب الروسية في أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار الغاز. وبالإضافة إلى ذلك، تمتلك المملكة المتحدة أقل المنازل كفاءة في استخدام الطاقة في أوروبا الغربية. ويؤدي ارتفاع فاتورة الطاقة، أيضاً، إلى ارتفاع تكاليف السلع الأخرى، حيث يفضل أصحاب المحال رفع الأسعار. وستؤدي هذه التأثيرات غير المباشرة إلى صرف المزيد من الأموال التي يتعين على الأسر البريطانية إنفاقها. ويأخذ تحليل صندوق النقد الدولي في الاعتبار تقليل الأشخاص لاستخدامهم للطاقة مع ارتفاع الأسعار.

• 710 آلاف عائلة في أنحاء المملكة المتحدة لا تستطيع دفع ثمن الملابس الدافئة والتدفئة والطعام.

• تشير الأبحاث إلى أن عدد الأشخاص الذين يموتون في البيوت بسبب البرد، أكثر من الذين يموتون بسبب تأثير الكحول أو مرض باركنسون أو حوادث المرور.


عقلية مجتمعية

يقوم أكثر من نصف المجالس الـ355 في إنجلترا وويلز بإنشاء مجموعات أو دعمها لفتح مساحات دافئة. وفي ذلك يقول رئيس مجلس مدينة برايتون أند هوف، فيليم ماك كافرتي «ما لدينا في برايتون أند هوف هو عقلية مجتمعية هائلة بين السكان، وعلى الرغم من الواقع الصارخ الذي يواجهه السكان هذا الشتاء، إلا أن الناس قد اندمجوا معاً وساعدوا بعضهم بعضاً حقاً في حل بعض المشكلات العويصة». وأشار كافرتي إلى توفر أكثر من 40 مكاناً دافئاً للجمهور في جميع أنحاء مدينة برايتون أند هوف، وقال «من دون النوايا الحسنة والتضامن وطموح المجتمع إزاء كل هذا، لم نكن لنحقق ما وصلنا إليه».

هذه الاستجابة على الصعيد الوطني لأزمة الطاقة فريدة من نوعها من حيث مقدار الجهد المجتمعي، ولم تكن الجهود المبذولة لإيجاد فضاءات دافئة، بقيادة الحكومة أو المجالس المحلية، ولم تكن من عمل أي منظمة بعينها، وعندما أصبحت الحاجة واضحة، تقدم المتطوعون أولاً، ثم المنظمات، ثم المجالس المحلية لاحقاً.

وتمول الأموال العامة والخاصة مبادرة الفضاءات الدافئة، لضمان عدم إجبار الفئات الأكثر ضعفاً - خصوصاً الأطفال وكبار السن - على الجلوس في منازل غير دافئة خلال أشهر الشتاء، ويقدم العديد من الأماكن مشروبات مجانية أو بأسعار مخفضة، والعديد منها يقدم خططاً لتنظيم أنشطة لصالح الزوار الذين قد يواجهون العزلة بالإضافة إلى البرد.

ويقول مؤسس حركة «كمرادوس»، ماف بوتس، إن جهود منظمته تحظى بشعبية كبيرة في البلدات التي تحصل على القليل من المساعدة، وغالباً ما يُنظر إليها على أنها ميؤوس منها. وتميل غرف المعيشة المفتوحة في «كمرادوس»، والتي انتشرت على نطاق واسع، إلى التواجد في أماكن يتوقع الناس فيها الاعتماد على أنفسهم. ويقول بوتس «حملة الفضاءات الدافئة هي بالضبط ذلك» متابعاً «المساعدة لن تأتي من جهات أخرى، لذا فإننا سنستمر في ذلك».

البريطانيون يواجهون شتاءً قاسياً هذا العام.  أرشيفية

تويتر