الروس يميلون إلى اعتناق تفكير الحقبة السوفييتية

معارضة الحرب في أوكرانيا لا تحظى بشعبية بين سكان موسكو

صورة

تساءلت مهندسة الفضاء السابقة، لاريسا سولودوفنيكوفا، البالغة من العمر 75 عاماً، «هل ظهرت الكلاب؟»، بينما كانت تقف بين حشد صغير يصطف في طابور لسماع، إيليا ياشين، وهو سياسي معارض، وهو يوجه نداءً أخيراً في محكمة مشانسكي في موسكو. والمحاكمة الجنائية هي الأبرز من بين عشرات المحاكمات، التي تُجرى ضد عدد قليل من الروس الذين تجرأوا على تحدي آلة الرقابة، في زمن الحرب.

واتُهم ياشين بنشر «أخبار كاذبة» على موقع «يوتيوب» حول تصرفات الجيش الروسي في «بوش»، إحدى ضواحي شمال كييف، حيث قتل الكثير من الناس بشكل وحشي في ظل هجوم لم يدم طويلاً. وفي غضون 40 دقيقة، وصلت فرقة متخصصة من الشرطة مع كلاب بوليسية لإخلاء قاعة المحكمة، بسبب تهديد مفترض بوجود قنبلة، ما أدى إلى التعامل بخشونة مع الحشد الذي لم يقاوم، وكانت سولودوفنيكوفا تراقب المشهد الفاتر. ويواجه ياشين حكماً بالسجن تسع سنوات.

موسكو مختلفة

وشهد النظام العالمي تحولاً منذ حرب الرئيس فلاديمير بوتين ضد أوكرانيا. ولكن إذا زار المرء عاصمة روسيا، فربما لن يلاحظ ذلك.

موسكو، كما هي دائماً، تحدٍّ للحواس: مزيج من العمارة الوحشية والاستهلاك الظاهر؛ ومن السوفييتية الجديدة والتكنولوجيا الفائقة؛ ومن سويسرا وكوريا الشمالية. وهناك عدد قليل من المباني المزينة بجداريات الحرب أو أعلام «Z»، العلامة التجارية لحرب بوتين. وتمتلئ الساحات أمام محطات القطارات ومحطات الحافلات، في جنوب موسكو، حيث تصل الحافلات الصغيرة من شبه جزيرة القرم، بجنود منهكين، بعضهم فقدوا أذرعهم أو أرجلهم. وعدد أقل من السيارات على الطريق، انعكاس لمئات الآلاف من الروس الذين فروا.

ولكن بشكل عام، فإن التغييرات المرئية غير مهمة، فهي مدعومة بدرجة من الاستقرار الاقتصادي الذي يأتي من أرباح النفط والغاز العالية. لقد نجحت الحكومة إلى حد كبير في عزل العاصمة عن الحرب.

المعلومات هي جوهر هذه العزلة. وبعد أن تسامح الكرملين، ذات مرة، مع وسائل الإعلام الخاصة، ها هو يقيم أسواراً عظيمة حول الحقيقة، منذ فبراير، وبالفعل فقد أُغلقت نحو 260 مطبوعة. وتم الآن حظر «تويتر» و«فيس بوك» و«إنستغرام»؛ ولا يمكن الوصول إلى أي منها إلا عبر وكلاء الشبكات الخاصة.

وتحظر القوانين تشويه سمعة الجيش الروسي (يعاقب بغرامات) أو نشر «أخبار كاذبة» (يعاقب عليها بالسجن). وقائمة، تم تحديثها في ديسمبر، تجرم أي نقاش لأكثر من 60 موضوعاً حساساً، من أعداد القتلى الروس في المعركة، إلى حملة التعبئة في البلاد. ويجب على أي شخص يريد طريقة عرض بديلة أن يبحث عنها بجدية. ومن الصعب العثور على شبكة إنترنت خاصة، لم تحظرها السلطات الرقمية المحلية. وتروّج وسائل الإعلام الروسية ببساطة حكايات الجيش «الذي يدافع» عن سكان دونباس.

ووفقاً لما قاله ليف جودكوف، الذي يرأس مركز «ليفادا»، ويعتبر أحد أكثر منظمي استطلاعات الرأي جدارة بالثقة في روسيا، فإن واحداً فقط من كل خمسة روس يستهلك الآن أخباراً تتجاوز دعاية الدولة. وهذا الرقم يتوافق بشكل عام مع أولئك الذين يعارضون الحرب بشدة. ولكن هناك تعتيم على الحقيقة، كما أن هناك مؤمنين حقيقيين بالحرب ومن يعتقدون أنها شغب. ويقول جودكوف إن معظم الروس في الوسط، ويختارون النأي بأنفسهم والتراجع إلى الحياة الأسرية.

تفكير مزدوج

كما في الحقبة السوفييتية، يتبنى الناس التفكير المزدوج. وكشفت استطلاعات الرأي الأخيرة، التي أجراها مركز «ليفادا»، عن تحول في التوجه العام، إذ تؤيد الغالبية، الآن، محادثات السلام. وقلة من المجيبين يشعرون بنوع من المسؤولية عن الحرب. ويقول جودكوف: «الناس لا يريدون الحرب، لكنهم يوافقون عليها بخضوع، لأن معارضتها ستسبب تنافراً داخلياً خطيراً مع أنفسهم، لأنهم لايزالون يتعاطفون بقوة مع الدولة».

هذه إجابة سيجدها أولئك الذين ينظرون من أوكرانيا مثيرة للغضب. ويتعاطف الصحافي الروسي البارز، يوري سابريكين، مع الإحباط الأوكراني. ويقول إن المجتمع الروسي لم يلتحم أبداً كما كان المجتمع الأوكراني قادراً على ذلك. والآن يجد المجتمع الروسي نفسه مشتتاً ومكتئباً بشكل جماعي، ويعتمد في جزء ما في ذلك الاكتئاب على الدولة. ويوضح سابريكين «الشمولية تجعل الناس ضعفاء للغاية. وعندما تضاف الدبابات والصواريخ إلى هذا المزيج، لم يكن أمام المجتمع فرصة أبداً».

من جهتها، تقول المحامية والصحافية السابقة في صحيفة «فيدوموستي»، ماريا إيسمونت، التي تمثل (إيليا) ياشين في المحاكمة، إن الكرملين عمل منذ فترة طويلة على تدمير الروابط الأفقية، متابعة «الخيانة، والتنظيمات والسجن، والترهيب، وخلق الانقسامات وشراء الولاء.. فعلت السلطات كل شيء لضمان عدم وجود تنظيم ذاتي».

وفي بيانه الأخير أمام المحكمة في الخامس من ديسمبر، دعا موكلها (ياشين) مؤيديه إلى المقاومة، قائلاً: «دافعوا عن بعضكم بعضاً. هناك الكثير منا، أكثر مما يبدو».

ومهما كانت حقيقة هذا التأكيد، فإن موقف ياشين العلني القوي ضد الحرب، هو في الوقت الحالي مصدر قلق هامشي للغاية. والروس الذين يحتجون ضدها يفعلون ذلك بشكل خاص فقط.

ويعني مزيج القمع والمرونة الاقتصادية النسبية أن الإجماع المصطنع، في روسيا، من المرجح أن يستمر لبعض الوقت في المستقبل.

• كشفت استطلاعات الرأي الأخيرة، التي أجراها مركز «ليفادا»، عن تحول في التوجه العام، إذ تؤيد الغالبية، الآن، محادثات السلام.

• موسكو، كما هي دائماً، تحدٍّ للحواس: مزيج من العمارة الوحشية والاستهلاك الظاهر؛ ومن السوفييتية الجديدة والتكنولوجيا الفائقة؛ ومن سويسرا وكوريا الشمالية.

• 260 مطبوعة أُغلقت، منذ فبراير، في روسيا.

تويتر