كادت أن تتسبب بحرب واسعة مع «الناتو»

«أسوشييتد برس» تدافع عن قصة القصف الروسي لبولندا بعد اتضاح كذبها

صورة

يوم الثلاثاء الماضي ذكرت وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية، أن «مسؤولاً في المخابرات الأميركية يقول إن صواريخ روسية قصفت بولندا وهي عضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، ما أدى إلى مقتل اثنين».

وتقول قواعد هذه الوكالة إنه يمكن لمراسليها أن يمنحوا أي مصدر صفة «مجهول الهوية» إذا كان هذا المصدر «موثوقاً»، لكنه إذا لم يكن كذلك فلا ينبغي منحه هذه الصفة.

وعرضت محطة «إم إس إن بي سي» أسوأ أشكال التقارير التي يمكن أن تنشرها وكالة «أسوشييتد برس»، والتي تظهر آلاف التغريدات التي تتحدث عن أن الحرب العالمية الثالثة قد أصبحت «ترند» على موقع «تويتر».

المادة الرابعة

وبحلول فترة بعد الظهر من اليوم ذاته نشرت وكالة «رويترز» للأنباء خبراً يقول: «إن بولندا على الأرجح ستُفعِّل المادة الرابعة من ميثاق حلف الناتو». من جهتها ذكرت صحيفة «ذي هيل» الأميركية أن «(الرئيس الأميركي جو) بايدن يعقد لقاء طارئاً لحلفائه من مجموعة الدول السبع الثرية، بعد أن قتلت الصواريخ الروسية اثنين من بولندا».

وبحلول مساء يوم الثلاثاء، استخدمت صحيفة «واشنطن بوست» هذا الهيجان لتصطف في طابور المنادين بتفعيل ميثاق حلف الناتو، وكتبت: «بولندا هي عضو في حلف الناتو، وبالطبع فإن تعرض عضو في الحلف للاعتداء يؤدي إلى تفعيل المادة الخامسة التي تنص على أن أي هجوم مسلح ضد إحدى الدول الأعضاء في الحلف في أوروبا أو أميركا الشمالية، سيعتبر هجوماً على دول الأعضاء جميعها، وعندها يجب استخدام القوة ضد المعتدي». ومن جهته قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي: «ليس لدي أدنى شك بأن الصواريخ التي ضربت بولندا جاءت من روسيا».

روسيا لم تطلق الصواريخ

وفي الوقت الذي كانت تنشر فيه وكالة «أسوشييتد برس» قصتها الكاذبة يوم الثلاثاء، كان آخرون يشيرون إلى وجود أدلة بأن روسيا لم تطلق هذه الصواريخ نحو بولندا، ورفع آخرون معلومات جيدة، ورأى آخرون أنه ينبغي على «أسوشييتد برس» ألا تنشر هذا الخبر، لأنه من الممكن أن يثير حرباً عالمية ثالثة. وفي اليوم الثاني ظهرت تفصيلات لبعض ما حدث، خصوصاً كيف أن لاعبين محليين كانوا يحاولون تزييف القصة أو محاولة الاستفادة منها.

وفي صباح الأربعاء اتصلت بوكالة «أسوشييتد برس» وسألتهم بعض الأسئلة، وركزت على ما إذا كان ينبغي على الوكالة أن تذكر اسم المصدر، فأجابت نيكول مائير من الوكالة في نهاية المطاف مساء يوم الأربعاء إجابة مقتضبة، إذ طلبت مني أن أطلع على التصحيح الذي نشروه والمتعلق بـ«قصة الحرب في أوكرانيا»، لكن ثمة سؤالاً مفصلياً يظل بلا إجابة مفاده: لماذا لاتزال وكالة «أسوشييتد برس» تدافع عن مصدر تقول إنه قدم لها معلومات كاذبة؟

يجب الكشف عن المصادر الكاذبة

وفي مقال كتبته عام 2017 قلت فيه: «هل ينبغي أن تكشف وسائل الإعلام عن المصدر الذي يكذب عليها؟». وقلت «إن عدم الكشف عن مصادر الأخبار الكاذبة مثل مسدس ملقم ملقى في كل مكان، وعندما تحدث أي أزمة ويريد أي مصدر حكومي أن يلطخ أي حكومة أجنبية أو حتى يساعد على اندلاع أي حرب. هل يمكن تكرار هذه الآلية دون خوف من العواقب أو المحاسبة؟ ويمكن أن يختبئ المصدر خلف تصريحات (هوية المصدر مجهولة)، كما أن وسائل الإعلام الخاصة به تختبئ وراء مصادر مجهولة، وبالتالي تهرب من المحاسبة».

والحل هو الكشف عن المصادر الكاذبة حتى يكون لدينا خطاب مسؤول. ويتمثل جزء من صفقة عدم الكشف عن هوية المصدر في الصدق، ولماذا تقوم وسائل الإعلام الجادة بحماية مصادرها المجهولة الهوية، والتي تكون قد قدمت لها أخباراً كاذبة؟ هل كي يقوموا بذلك مرة أخرى؟

نهاية كارثية

وبينما كنت أكتب مقالتي كان هناك مثال على ذلك انتهى بصورة كارثية، فقد أوردت الصحافية جوديث ميللر، من صحيفة «نيويورك تايمز» عام 2002 مصدراً مجهول الهوية لمسؤول من إدارة الرئيس جورج بوش الابن، ونائبه ديك تشيني، الذي ادعى أن أحد العلماء في الحكومة اعتقد أن أنابيب الألمنيوم التي كان العراق يحاول الحصول عليها كانت من أجل برنامج الأسلحة النووية. وكان ذلك تصريحاً كاذباً وتم استخدامه لتبرير الحرب على العراق. وعندما واجهتها بذلك عام 2005 وسألتها من هو ذلك المصدر لم تخبرني عن الحقيقة.

ما هو العالم الذي نريده؟

في المقابل، في عام 1996 شغلت صحيفة «وول ستريت جورنال» مصدراً للقيام بحملة تشويه لمصلحة شركة صناعة سجائر، ومن ثم استهداف رجل أمن سري حكومي، وظهرت هذه القصة في فيلم أطلق عليه «المقرب»، ولهذا فإن السؤال المطروح هنا: ما هو العالم الذي نريده، أهو عالم بمصادر كاذبة تمر بأكاذيبها دون محاسبة، الأمر الذي ينجم عنه حروب كارثية، أم نريد عالماً حيث المصادر الكاذبة لا تنجو بما تلفقه من أكاذيب، حيث نضع بعض الإجراءات للمحاسبة عن الأخطاء الكبيرة؟

وفي يوم الخميس الماضي نشرت صحيفة «واشنطن بوست» مقالاً بعنوان «كيف تقوم مصادر مجهولة بإثارة تحذيرات كاذبة بقيام روسيا بضرب بولندا؟»، بقلم إيلاه إيزداي وبول فارهي، ولكن كما هي حال الأمثلة السابقة، لم تدع «واشنطن بوست» إلى الكشف عن اسم مصدر وكالة «أسوشييتد برس».

ومن الممكن أن تطرح الوكالة وجود سبب قوي لعدم الكشف عن اسم المصدر، وعليها توضيح ذلك بجدية كبيرة، ولا ندري ما هي دوافع المصدر لنشر مثل هذه المعلومات، ولكن من الظاهر كما يرى كثيرون أنها تبدو جزءاً من محاولة منسقة لتفعيل المادتين الرابعة والخامسة من ميثاق حلف الناتو، الأمر الذي سيؤدي إلى اندلاع حرب كبيرة، وربما إلى حرب نووية، أو ربما أنها شكل متطرف من أشكال قعقعة سيوف الحرب ضد روسيا. ويتعين على «أسوشييتد برس» أن تذكر اسم المصدر كي تتم مساءلته ومحاسبته.

سام حسيني صحافي مستقل

في الوقت الذي كانت تنشر فيه وكالة «أسوشييتد برس» قصتها الكاذبة، كان آخرون يشيرون إلى وجود أدلة بأن روسيا لم تطلق هذه الصواريخ نحو بولندا، ورفع آخرون معلومات جيدة، ورأى آخرون أنه ينبغي على الوكالة ألا تنشر هذا الخبر.

من الممكن أن تطرح الوكالة وجود سبب قوي لعدم الكشف عن اسم المصدر، وعليها توضيح ذلك بجدية كبيرة.

تويتر