لعدم اتضاح حجم العائدات

الحديث عن المنتصر في صفقة لبنان مع إسرائيل «سابق لأوانه»

صورة

نتج عن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، قبل أيام، العديد من الخاسرين والفائزين، وأما من الفائز ومن الخاسر فهذه قضية أخرى. وادّعى قادة البلدين بتحقيق النصر بعد أن كشف الرئيس الأميركي جو بايدن عن الاتفاق، حيث اتهمت المعارضة في كلا البلدين حكوماتهما بالتنازل عن الثروة الوطنية. وهناك أسئلة تتعلق بالاتفاقية نفسها، وعما إذا كانت ستنجو من العواصف السياسية المقبلة. وبناءً عليه فقبل وضع الرتوش الأخيرة على النتيجة، علينا أولاً تحديد ما كان ولايزال على المحك.

ويخدم النزاع الذي استمر لفترة طويلة بشأن الحدود البرية هدفين أساسيين، وهما: الأمن وترسيم المناطق الاقتصادية التابعة للبنان حصراً.

إسرائيل في المقدمة

على الجانب الأمني، من الواضح أن إسرائيل في المقدمة، فقد سيطرت على الخط الذي يبدأ على بُعد خمسة كيلومترات من الساحل، ويمتد إلى المناطق التي يعتبرها لبنان ملكه. وحاول لبنان أن يبعد هذا الخط إلى الجنوب، ولكن إسرائيل قاومت ذلك بشدة، خوفاً من أن هذا التحرك يمكن أن يمنح اللبنانيين مدخلاً إلى شمال إسرائيل.

ولكن الحصيلة المتعلقة بالاقتصاد أكثر تفاوتاً. وحتى بداية عام 2000، عندما بدأت إسرائيل ومصر في اكتشاف احتياطي الغاز في مياههما الإقليمية، كان هناك القليل من النشاطات الاقتصادية في شمال البحر المتوسط. وحالما تم العثور على الغاز، بدأ لبنان بتنفيذ استكشافات خاصة به، ما أوضح أن لبنان لديه احتياطيات غاز ذات جدوى تجارية. وتم منح حقوق الاستكشاف في أكثر المناطق الواعدة وهي (منطقتا 4 و9)، إلى شركة النفط الفرنسية العملاقة «توتال» عام 2018.

وقامت «توتال» بالحفر في (منطقة 4) مقابل شاطئ بيروت عام 2020، ولكنها لم تعثر على شيء. وقالت «توتال» إنها لن تحفر في (المنطقة 9)، المتنازع على حدودها الجنوبية مع إسرائيل، قبل موافقة إسرائيل، الأمر الذي يتطلب مشاركة «حزب الله» اللبناني.

ومنذ وقت ليس بعيداً لم يكن من الممكن تصور أن «حزب الله» سيعقد اتفاقية مع إسرائيل. ولكن الانهيار الكبير للاقتصاد اللبناني، أجبر «حزب الله» على الرضوخ.

الحكومة مفلسة

ولبنان دولة ريعية، حيث تستخدم القلة الحاكمة الثرية مواردها لتقديم الخدمات الاجتماعية إلى أنصارها، بما فيها الوظائف الحكومية، والتقاعد والرعاية الصحية. ولكن بالنظر إلى أن الحكومة مفلسة، وجد الملايين من اللبنانيين أنفسهم دون شبكة أمان اجتماعية. وبدأ البعض يعتمد على خدمات «حزب الله»، التي توسعت كثيراً حتى نقطة الانهيار.

وعلى سبيل المثال، فإن «مستشفى الرسول الأعظم»، وهو منشأة الرعاية الصحية الرئيسة لـ«حزب الله» في بيروت، أصبح غير قادر على التعامل مع الأعداد المتزايدة من المرضى. وبات المستشفى بالكاد يتمكن من الحفاظ على أنواره مضاءة، كما أن الأدوية أصبحت شحيحة لدرجة أن الأشخاص الذين يعانون أمراضاً مزمنة مثل السكر وغيره، لم يتبق لديهم الكثير من الخيارات. قد نفد «الإنسولين» من لبنان بالفعل.

ومع انهيار لبنان، أصبح «حزب الله» تحت ضغط شديد. وتضرر شيعة لبنان الذين يقدمون الدعم للحزب، ولكن لا الحزب ولا حتى داعمته الفقيرة إيران، تستطيع تقديم الكثير لتخفيف هذه المعاناة.

دعوى «حزب الله»

وعلى أمل إنتاج الغاز للمساعدة على تخفيف كارثة لبنان الاقتصادية، رفع «حزب الله» دعوى من أجل تسوية قضية الحدود البحرية، وللسماح لشركة «توتال» بالحفر في (المنطقة 9). ولكن قبل أن يظهر زعيم الحزب حسن نصر الله، على التلفزيون الوطني عشية إعلان الاتفاق، كان قد أطلق طائرتين بلا طيار في سماء إسرائيل في الصيف الماضي، مستهدفاً على الأرجح حقل «كاريش» الإسرائيلي.

وتظاهر نصرالله بأنه بعث إلى إسرائيل إنذاراً مفاده بأنه سيضرب «كاريش» إذا بدأت تل أبيب بالإنتاج قبل التوصل إلى اتفاقية مع لبنان. وبعبارة أخرى، كان «حزب الله» يهدّد إسرائيل بالحرب لإجبارها على التوصل إلى اتفاقية. ويدرك الجميع، خصوصاً إسرائيل أن «حزب الله» لا يستطيع جر لبنان إلى الحرب في وضعه الحالي. ومع ذلك فقد أعتقد المسؤولون الإسرائيليون على الأرجح أنهم يستطيعون نزع بعض التنازلات من لبنان، مثل رسم الحدود بين الطرفين في البر والبحر.

حل وسط

وأراد «حزب الله» حلاً وسطاً، ولكن ليس حلاً يعترف بإسرائيل وترسيم الحدود بصورة تنهي جميع النزاعات بين الطرفين. ففي نهاية المطاف، فإن الحزب موجود لمحاربة إسرائيل. وبناءً عليه تم إبعاد ترسيم الحدود البرية عن المفاوضات. وبدلاً منها حل مكانها حدود بحرية تبعد عن الشاطئ خمسة كيلومترات، ما يترك معظم (المنطقة 9) أو التي تعرف بحقل «قانا» بيد لبنانية.

وإذا تم اكتشاف الغاز في حقل «قانا»، سيتلقى لبنان 83% من عائداته، في حين أن إسرائيل ستحصل على 17%. وأما في السيناريوهات السابقة التي قدمتها الولايات المتحدة، فقد تم منح إسرائيل 45% من المنطقة المتنازع عليها.

حقل «قانا»

وعلى الرغم من أن تقييم احتياطي حقل «قانا» سيتم تأجيله إلى مرحلة لاحقة من الاستكشاف، إلا أن وزير الطاقة الإسرائيلي يتوقع أن هذا الحقل يحوي كمية من الغاز تعادل قيمتها ثلاثة مليارات دولار. ولكن نظراً إلى أن الديون الخارجية للبنان تبلغ 68.9 مليار دولار، فمن غير المتوقع أن تساعد عائدات حقل «قانا» في تحسين الاقتصاد اللبناني على نحو مهم. وإذا لم يثبت أن حقل «قانا» يحوي كميات ضخمة من الغاز، أو إذا لم يتم اكتشاف حقول غاز أخرى على نحو مفاجئ، فإن ادعاء لبنان بتحقيق نصر اقتصادي خلال مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، لن يكون في محله. ولكن إذا فاجأ حقل «قانا» الجميع بكميات ضخمة من الاحتياط، أو إذا تم اكتشاف حقول أخرى تحوي كميات ضخمة من الغاز، ستشعر إسرائيل بالندم لأنها وافقت على اتفاقية بوساطة الولايات المتحدة.

الصفقة ليست معاهدة

وإضافة إلى ذلك، فإن الطبيعة المؤقتة للاتفاق ستسمح لإسرائيل بإعادة النظر في الصفقة، أو يمكن أن تنهار تماماً. والصفقة بحد ذاتها ليست معاهدة بين دولتين، وإنما وثيقة وخرائط أودعتها الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة (وهي ثاني إيداع تقوم به منذ عام 2009. ولم تتم المصادقة على أي من هذه الوثائق، على الأقل في لبنان. وفي إسرائيل صوّت مجلس الوزراء على الاتفاق، ولكن «الكنيست» لم يصادق، وهذا يعني أن تصويت مجلس الوزراء يمكن التراجع عنه من قِبل مجلس وزراء لاحق.

وفي نهاية المطاف، إذا أصبح زعيم المعارضة الحالية، بنيامين نتنياهو، الذي أفسد الصفقة خلال وجوده في السلطة، رئيساً للوزراء من جديد في الأول من نوفمبر، يمكن أن تنسحب إسرائيل من الصفقة قبل أن يتضح حجم كمية الغاز في حقل «قانا»، هذا إذا كان هناك غاز موجود أصلاً.

وبغض النظر عما ستؤول إليه الأمور، فإن الأمر المؤكد أن إعلان أي طرف من الطرفين عن تحقيق النصر سابق لأوانه.

• لبنان دولة ريعية، حيث تستخدم القلة الحاكمة الثرية مواردها لتقديم الخدمات الاجتماعية إلى أنصارها، بما فيها الوظائف الحكومية، والتقاعد والرعاية الصحية.

• تظاهر نصرالله بأنه بعث إلى إسرائيل إنذاراً مفاده بأنه سيضرب «كاريش» إذا بدأت تل أبيب بالإنتاج قبل التوصل إلى اتفاقية مع لبنان. وبعبارة أخرى، كان «حزب الله» يهدّد إسرائيل بالحرب لإجبارها على التوصل إلى اتفاقية.

• إذا تم اكتشاف الغاز في حقل «قانا»، سيتلقى لبنان 83% من عائداته، في حين أن إسرائيل ستحصل على 17%.

حسين عبدالحسين ■ باحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن

تويتر