عوامل وآليات التصعيد تتوالى

خيارات كييف والغرب بعد ضم موسكو 4 أقاليم أوكرانية

صورة

أعلنت روسيا، رسمياً، ضم أربعة أقاليم أوكرانية: (دونيتسك ولوهانسك وزابوريجيا وخيرسون)، في 30 سبتمبر 2022، وهو ما ردّت عليه كييف، في اليوم نفسه، من خلال الإعلان المفاجئ للرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، عن تقديمه طلباً عاجلاً لعضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو)، مع استبعاد إجراء محادثات مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، طالما استمر الأخير في السلطة.

رد أوكرانيا

يمكن توضيح كيفية رد كييف على ضم روسيا أربعة أقاليم أوكرانية، في النقاط التالية:

1- تصعيد شكلي أوكراني بطلب الانضمام إلى «الناتو»

يُلاحظ أن الرئيس الأوكراني، زيلينسكي، كان يهدف من الإعلان عن تقديم طلب للانضمام إلى حلف «الناتو»، إلى إغضاب موسكو، وإفساد احتفالاتها بضم الأقاليم الأوكرانية الأربعة، خصوصاً أنه من الواضح أن زيلينسكي لم يتشاور مع الولايات المتحدة حول هذا الأمر. فقد أشار مسؤولون أميركيون إلى أن إعلان كييف عن سعيها للانضمام إلى «الناتو» كان بمنزلة مفاجأة لإدارة بايدن، فضلاً عن تأكيد مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، أن إجراءات انضمام أوكرانيا إلى الحلف جاءت في وقت غير مناسب، مؤكداً أن أفضل طريقة لدعم أوكرانيا هي مواصلة الدعم العملي على الأرض، وذلك في إشارة إلى مواصلة تقديم الدعم العسكري.

ويُلاحظ أن واشنطن لم تغيّر موقفها من الحرب الأوكرانية، وهو أنها لن تدخل في «حرب عالمية ثالثة» ضد روسيا، والتي ستكون «حرباً نووية» تتسبب في فناء العالم. ولاشك أن انضمام أوكرانيا إلى «الناتو» سيعني أن دول الحلف ستكون مُجبرة على التدخل عسكرياً ضد روسيا دفاعاً عن أوكرانيا، ولذلك فإن فرص قبول كييف في «الناتو» ستكون صعبة.

2- حفاظ كييف على استمرار دعم حلف «الناتو»

تسعى أوكرانيا، من خلال الدعوة للانضمام إلى حلف «الناتو»، لإحراج الأخير، ومن ثم الضغط على الحلف لرفع حجم الدعم العسكري المقدم إلى كييف، والقضاء على التردد الذي ينتاب بعض الدول الأعضاء إزاء تقديم هذا الدعم، أو وضع سقف لحجم الدعم العسكري المقدم. ومن الملاحظ أن الكونغرس الأميركي أعلن إقرار دعم عسكري جديد لأوكرانيا، بقيمة نحو 12.3 مليار دولار، كما أعلنت واشنطن أنها بصدد الضغط على الدول الأوروبية الأعضاء في «الناتو» من أجل تسريع مساعدتها لأوكرانيا. وربما إعلان كييف طلب الانضمام للحلف قد يسرّع من الدعم الأوروبي لأوكرانيا.

3- التقدم الأوكراني في مدينة ليمان الاستراتيجية

نجحت أوكرانيا في الرد على الخطوة الروسية بضم الأقاليم الأربعة، من خلال استعادة السيطرة على مدينة ليمان الاستراتيجية في 2 أكتوبر 2022، والتي بذلت القوات الأوكرانية جهوداً متواصلة للسيطرة عليها بدءاً من شهر سبتمبر الماضي؛ وذلك نظراً لأنها إحدى المدن المحورية التي تنطلق منها القوات الروسية لاستكمال السيطرة على إقليم دونيتسك، كما أن استيلاء القوات الأوكرانية عليها يفتح الباب أمامها لتطوير هجومها شرقاً لمحاولة استعادة السيطرة على إقليم لوهانسك.

وتسعى أوكرانيا من خلال ذلك إلى تحدي موسكو، والتأكيد على أن التهديدات الروسية لتوظيف الأسلحة النووية في الدفاع عن أراضيها الجديدة، لن يمنع أوكرانيا من مواصلة القتال لاستعادتها عسكرياً، غير عابئة بالتهديدات الروسية، وهو ما يمثل إحراجاً لها.

تصعيد الغرب

أعلنت الولايات المتحدة والغرب عن عدد من الإجراءات رداً على قيام موسكو بضم أراضٍ أوكرانية، وهو ما يتمثل في الآتي:

1- محاولة واشنطن الحشد الدولي ضد موسكو:

طرحت واشنطن في مجلس الأمن الدولي، يوم 30 سبتمبر 2022، مسودة مشروع قرار يدين ضم موسكو لأقاليم أوكرانية، كما كان يدعو جميع الدول والمنظمات الأخرى «إلى عدم الاعتراف بالضمّ الزائف» للمناطق الأربع. ويُلاحظ أن الولايات المتحدة قد استصدرت قراراً سابقاً بأنه في حال تعسفت دولة عضو بمجلس الأمن في استخدام حق النقض (الفيتو)، فإنه يتم تحويل الأمر إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لاتخاذ قرار بشأنه، وهو القرار الذي لا يكون له صفة إلزامية. ويعني ذلك أن واشنطن ستسعى إلى حشد المجتمع الدولي ضد روسيا ومحاولة الضغط على أكبر قدر من الدول للتصويت على القرار المذكور في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

2- تكثيف العقوبات الاقتصادية ضد روسيا

فرضت واشنطن عقوبات اقتصادية جديدة ضد موسكو، كما يستعد الاتحاد الأوروبي لفرض مجموعة ثامنة من العقوبات ضدها. غير أن العقوبات الجديدة استبعدت الطاقة والغذاء، كما أنها تتعلق بفرض عقوبات على مسؤولين روس أو عائلاتهم، ومن ثم فإن فاعليتها تبدو محدودة، وقد لا تمس الاقتصاد الروسي أو قدرته على تمويل الحرب الأوكرانية.

وليس أدل على محدودية تأثير تلك العقوبات، ارتفاع العملة الروسية (الروبل) أمام نظيرتيها الأوروبية والأميركية.

3- زيادة الدعم العسكري لأوكرانيا

يتمثل أحد الخيارات الغربية للرد على روسيا في زيادة مستوى الدعم العسكري لأوكرانيا. ومن الواضح أن هناك سقفاً لهذا الدعم الغربي، وهو ما ظهر في الموقف الألماني الذي رفض إمداد كييف بالدبابات «ليوبارد 2»، التي كانت كييف قد طلبتها، إذ أكد المستشار الألماني، أولاف شولتس، في أواخر سبتمبر الماضي، أن برلين لا تعتزم إمداد كييف بالدبابات، كونها قد تمثل خطوة تؤدي إلى المزيد من التصعيد. بينما أشارت وكالة «بلومبرغ» إلى أن الدول الغربية مترددة في إمداد كييف بالدبابات، ما يعني أنه ربما هناك رغبة في تحاشي التصعيد العسكري مع روسيا.

ومن الممكن أن يلجأ حلف «الناتو» إلى زيادة الدعم العسكري لأوكرانيا، ومدّها بالدبابات التي تطلبها، وذلك رداً على ضم روسيا للأقاليم الأوكرانية الأربعة.

وقد يتجه الغرب لإمداد أوكرانيا بأنظمة دفاع جوي، حيث تعهدت وزيرة الدفاع الألمانية، كريستيني لامبريخت، خلال زيارة سرية إلى أوديسا، في الأول من أكتوبر 2022، بتزويد كييف بأنظمة الدفاع الجوي «إيريس-تي»، وهي المنظومة التي تتعامل مع الأهداف التي تحلّق على ارتفاعات منخفضة وتنطلق من مسافات قريبة، خصوصاً الطائرات المُسيّرة.

4- شن عمليات تخريبية ضد روسيا

أفاد مركز العلاقات العامة بجهاز الأمن الفيدرالي بأن عناصر المخابرات الروسية تمكنوا من إحباط محاولة تفجير خط أنابيب لنقل الغاز، خططت له الاستخبارات الأوكرانية في 22 سبتمبر الماضي. وجاء ذلك الأمر قبل التفجيرات التي طالت، يوم 26 سبتمبر الماضي، خطَّي أنابيب «السيل الشمالي 1 و2»، الممتدة من روسيا إلى ألمانيا عبر قاع بحر البلطيق.

وعلى الرغم من محاولة المسؤولين الغربيين التلميح بشكل غير رسمي إلى أن روسيا هي التي تورطت في هذه التفجيرات، فإن موسكو، في المقابل، ترى أنها لن تخرب خطوط أنابيب الغاز الخاص بها، كما أن إحباط الاستخبارات الروسية لمحاولة أوكرانية تفجير خط أنابيب السيل التركي قبل بضعة أيام يعني أن كييف قد تكون متورطة في ذلك الهجوم. من جانبه، اتهم بوتين صراحة «الأنغلوساكسون» بالوقوف خلف تفجيرات خطَّي أنابيب «السيل الشمالي 1 و2»، وذلك في إشارة منه إلى الولايات المتحدة وبريطانيا.

تهديدات موسكو

لوّحت روسيا، قبل إعلانها ضم الأقاليم الأوكرانية الأربعة، وتحديداً منذ الإعلان عن إجراء الاستفتاءات فيها، بأنها قد تستخدم الأسلحة النووية، فضلاً عن قيامها بالإعلان عن التعبئة العسكرية الجزئية لنحو 300 ألف جندي روسي، وهو ما يعني إصرار موسكو على تحقيق أهدافها من حرب أوكرانيا، ومواجهة أي تصعيد غربي موجّه ضدها. وهذا ما يمكن توضيحه على النحو التالي:

1- التهديد باستخدام الأسلحة النووية

واصلت روسيا تأكيدها، بعد إعلانها ضم الأقاليم الأوكرانية الأربعة بشكل رسمي، أنها قد تستخدم الأسلحة النووية للدفاع عنها. ويُلاحظ أن العقيدة العسكرية الروسية الصادرة منذ عام 2014 وحتى عام 2020، قد أكدت إمكانية استخدام الأسلحة النووية التكتيكية في المعارك التقليدية، وذلك وفق بعض الشروط، وأبرزها إذا ما تم تهديد وحدة الأراضي الروسية.

وبعد إعلان موسكو ضم أراضٍ أوكرانية، فإنها تكون قد قطعت خط الرجعة عن نفسها عن التنازل عنها بأي صورة، كما أنها فتحت الباب أمام إمكانية توظيف الأسلحة النووية للدفاع عنها. وقد ألمح بوتين، في خطابه الخاص بضم الأقاليم الأربعة، إلى أن واشنطن هي التي أرست السابقة المتعلقة باستخدام الأسلحة النووية في الحرب العالمية الثانية ضد هيروشيما وناغازاكي، وفي ذلك تهديد ضمني بإمكانية استخدامها في أوكرانيا، إذا ما واصلت الأخيرة مهاجمة الأراضي الروسية.

ولاشك أن استخدام موسكو فعلاً للأسلحة النووية سيضع الغرب في مأزق شديد، خصوصاً أنه ربما لن يمتلك القدرة على مجاراة روسيا في هذا التصعيد، أو الرد عليه عسكرياً، وذلك على الرغم من التهديد الأميركي بـ«عواقب كارثية».

2- زيادة عدد القوات المنخرطة في الحرب الأوكرانية

أعلنت روسيا التعبئة العسكرية الجزئية، بهدف إرسال 300 ألف جندي إضافي روسي إلى أوكرانيا، وهو ما يرفع عدد القوات الروسية هناك من نحو 200 ألف إلى 500 ألف. ويُلاحظ أن الزيادة الكبيرة في عدد القوات الروسية في هذه الحرب تثير التساؤل حول أهداف موسكو من ذلك، وهل أهدافها تقتصر على استكمال السيطرة على أراضي دونيتسك، وزابوروجيا، وخيرسون، أم أن هناك أهدافاً أبعد من ذلك، وقد تقوم روسيا بفتح جبهة جديدة من الحرب، سواء ضد العاصمة كييف أو إقليم أوديسا.

لا للدبلوماسية

يمكن القول إن تطورات الأحداث الأخيرة تشير إلى استمرار التصعيد في الحرب الروسية – الأوكرانية، خصوصاً مع استبعاد الجانبين عملياً أي خيارات دبلوماسية للتسوية، بالإضافة إلى تعويل الجانب الأوكراني على استعادة الأراضي المنضمة لروسيا عسكرياً، وتلويح موسكو بالأسلحة النووية دفاعاً عنها. وفي حين أن الولايات المتحدة هددت روسيا بعواقب كارثية إذا ما استخدمت الأسلحة النووية، فإن الأولى ستكون حريصة على تجنّب أي خيار عسكري، حتى لا يؤدي ذلك إلى حرب نووية بين القوتين العظميين تُبيد البشرية. كما أن العقوبات الاقتصادية ضد روسيا قد بلغت أقصاها، على الأقل حتى نهاية العام الجاري وبداية العام المقبل، وهو ما يعني أن مثل هذه العواقب لن تكون ذات تأثيرات كارثية، كما تأمل واشنطن.

تسعى أوكرانيا، من خلال الدعوة للانضمام إلى حلف «الناتو»، لإحراج الأخير، ومن ثم الضغط على الحلف لرفع حجم الدعم العسكري المقدم إلى كييف، والقضاء على التردد الذي ينتاب بعض الدول الأعضاء إزاء تقديم هذا الدعم، أو وضع سقف لحجم الدعم العسكري المقدم.

انضمام أوكرانيا إلى «الناتو» سيعني أن دول الحلف ستكون مُجبرة على التدخل عسكرياً ضد روسيا دفاعاً عن أوكرانيا، ولذلك فإن فرص قبول كييف في «الناتو» ستكون صعبة.

تويتر