وصفها المسؤولون الصينيون بـ «الاستفزازية»

زيارة بيلوسي لتايوان تؤجج الأزمة الكامنة بين بكين وواشنطن منذ عقود

صورة

تتفق أميركا والصين على عدد قليل جداً من القضايا هذه الأيام. لكن في ما يتعلق بموضوع تايوان، فإنهما ليسا في وئام تام. ويقول مسؤولون من كلا الجانبين: «إن الوضع الراهن المحيط بالجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي - التي تتمسك الصين بتبعيتها لها، والتي تدعم أميركا ديمقراطيتها المزدهرة - يتخذ منحى خطيراً».

وفي الوقت الذي لا تلوح فيه حرب في الأفق، فإن السلام الهش الذي استمر لأكثر من ستة عقود قد يتبدد في أي وقت.

ويتضح ذلك من الأزمة التي اندلعت هذا الشهر بسبب زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، إلى تايوان. كانت الزيارة ضمن الأجندة الأميركية، لكنها كانت «استفزازية»، وأغضبت الحزب الشيوعي الصيني بشدة. وادّعى كبير الدبلوماسيين الصينيين أن «المخربين» الأميركيين دمروا الوضع الراهن. وبعد أن غادرت بيلوسي تايوان، أجرت الصين تدريبات أطلقت خلالها صواريخ فوق الجزيرة وتمارين بالذخيرة الحية تحاكي حصار الجزيرة. في يناير 1950، بعد ثلاثة أشهر من انتصار الشيوعيين في الحرب الأهلية الصينية، أصدر الرئيس الأميركي آنذاك، هاري ترومان، بياناً أعلن أن أميركا لن تتدخل عسكرياً لمساعدة القوميين الصينيين المهزومين الذين فروا إلى جزيرة تايوان. كان الزعيم الصيني ماو تسي تونغ يستعد بالفعل لاستعادة الجزيرة، وربما كان سينجح لو لم تندلع الحرب الكورية في يونيو من ذلك العام. دفع الصراع ترومان إلى تغيير مساره، ودعم كوريا الجنوبية وأمر الأسطول السابع بالدفاع عن تايوان في محاولة لوقف انتشار الشيوعية في آسيا. بعد أربع سنوات، عندما هاجمت القوات الصينية بعض جزر تايوان النائية، هدد المسؤولون الأميركيون بشن ضربات نووية على الصين، ما أجبر ماو على التراجع مرة أخرى.

منذ آخر مواجهة بين الجانبين في 1995-1996، أصبحت أميركا والصين وتايوان جميعها في وضع لا يبعث على الارتياح يسوده الغموض والتناقضات، كما أن الوضع الراهن يتميز بعدم الاستقرار، خصوصاً عندما كشّرت الصين عن أنيابها. وإذا أراد العالم أن يتجنب حرباً في هذا الجزء من العالم، فهو بحاجة ماسة إلى تحقيق توازن جديد.

بعد سبعة عقود بدأت الأزمة الرابعة تتكشف، هذه المرة بسبب زيارة بيلوسي إلى تايوان في الثاني والثالث من أغسطس. كانت بيلوسي أرفع سياسي أميركي يزور الجزيرة، التي مازالت الصين تتمسك بتبعيتها لها، منذ أن زارها أحد أسلافها، نيوت غينغريتش، في عام 1997. وعلى الرغم من أن الأزمة لم تنته بعد، فإنها تبدو بالفعل على وشك الدخول في حقبة جديدة خطيرة تتمثل في مزيد من العداء بين الصين وأميركا.

لم تتخذ رئيسة تايوان، تساي إنغ ون، أي خطوات رسمية نحو الاستقلال، لكن الجزيرة تبتعد تدريجياً عن البر الرئيس. وبدا عرض الصين الخاص «دولة واحدة ونظامان» فارغاً بالنسبة لتايوان. واليوم تغيّر الوضع، حيث يقول عدد قليل جداً من التايوانيين إنهم يريدون استقلالاً رسمياً على الفور، ولكن البعض الآخر يفضل أيضاً التوحيد السريع.

تغيّرت السياسة الأميركية أيضاً حيال تايوان. فبعد تدخلها لحمايتها مرتين في الخمسينات من القرن الماضي، بدأت تتشكك في أن تايوان تستحق بالفعل الدفاع عنها، لكن النجاح الديمقراطي للجزيرة وأهميتها كمصدر لأشباه الموصلات جعل أميركا تتمسك بها. واليوم يرى الحلفاء، مثل اليابان، الدعم الأميركي القوي لتايوان على أنه اختبار لمكانة أميركا كقوة مهيمنة يمكن الاعتماد عليها في غرب المحيط الهادئ. لم تتعهد أميركا رسمياً بالدفاع عن تايوان بشكل مباشر، بل تبنّت بدلاً من ذلك سياسة «الغموض الاستراتيجي». لكن في خضم التنافس الصيني - الأميركي المتزايد، وتنافس السياسيين في واشنطن لشيطنة الصين، ليس هناك شك في أن أميركا ستنضم إلى القتال مع تايوان اليوم. وفي الواقع، أكد الرئيس جو بايدن على هذا الكلام مراراً وتكراراً، على الرغم من تراجع موظفيه في كل مرة عن ملاحظاته.

ويعود سبب استمرار عدم الاستقرار إلى حد كبير إلى طموح الرئيس الصيني شي جين بينغ، رجلها القوي. فقد ربط التوحيد مع تايوان بهدفه المتمثل في «التجديد الوطني» بحلول عام 2049. وتعمل القوات المسلحة الصينية على بناء القدرة على استعادة الجزيرة بالقوة. البحرية الصينية تمتلك الآن عدداً أكبر من السفن الأميركية في المنطقة. ويعتقد بعض الجنرالات في واشنطن أن الصين قد تستعيد الجزيرة في العقد المقبل.

وعلى الرغم من أن تصرفات الصين في هذه الأزمة كانت قوية فإنها، لحسن الحظ، جاءت متوازنة، وتدل على غضبها وقوتها، مع تجنبها التصعيد. كما أن انتشار قواتها لا يدل على الاستعداد للحرب. وأرسلت أميركا إشارات مماثلة، وأجلت تجربة إطلاق روتينية لصاروخ باليستي عابر للقارات. وسلكت طائرة بيلوسي طريقاً غير مباشر إلى تايوان، لتجنب التحليق فوق القواعد الصينية في بحر الصين الجنوبي. ويكمن الخطر في أن الصين تستخدم الأزمة لوضع حدود جديدة تتجاوز ما تعتبره تايوان مجالها الجوي ومياهها الإقليمية. ويمكنها أيضاً محاولة فرض قيود أكثر صرامة على تعاملات الجزيرة مع بقية العالم.

ويجب ألا يحدث ذلك، فمهمة أميركا وحلفائها تتمثل في مقاومة هذه الجهود دون الدخول في قتال. ويمكن لأميركا أن تبدأ بإعادة إرساء القواعد التي كانت سائدة قبل الأزمة. يجب أن تتمكن من استئناف أنشطتها العسكرية السابقة على الفور حول تايوان، على سبيل المثال، بما في ذلك العبور عبر مضيق تايوان والعمليات في المياه الدولية التي تدّعي الصين أنها تخصها. ويمكن أن تستمر في توسيع التدريبات العسكرية مع الحلفاء، وإشراكهم بشكل أكبر في التخطيط للطوارئ فوق تايوان. كانت اليابان غاضبة عندما أطلقت الصين صواريخ على جوارها وأشارت إلى أنها يمكن أن تتدخل في حرب، ما يعقد بشكل كبير الهجوم الصيني. أدانت مجموعة الدول السبع هجمات الصين الصاروخية، وكذلك فعلت اليابان وأستراليا. لكن كوريا الجنوبية لم تفعل ذلك، وكانت دول جنوب شرق آسيا مترددة في اتخاذ موقف جانبي. حتى مع إدانتها لتحركات الصين، يجب على إدارة بايدن التأكيد على أنها لا تدعم الاستقلال الرسمي للجزيرة عن الصين. يجب على الكونغرس تجنب التحركات الرمزية التي ستجلب القليل من الفوائد الحقيقية للجزيرة، مثل إعادة تسمية مكتب تمثيل تايوان في واشنطن، الموجود حالياً قانون سياسية تايوان. لماذا لا تعقد صفقة تجارية مع تايوان بدلاً من ذلك؟

الحرب ليست حتمية. فمن خلال درس حرب أوكرانيا نستطيع أن نستخلص أن النصر الذي من المفترض أن يكون سهلاً قد يتحول إلى صراع طويل الأمد، مع عواقب وخيمة في الداخل. لا يتعيّن على أميركا وتايوان أن يفترضا أن أي حرب لاستعادة الجزيرة يمكن أن تفشل، ما عليهما سوى تبديد شكوك الصين وإقناعها بالانتظار.

• منذ آخر مواجهة بين الجانبين في 1995-1996، أصبحت أميركا والصين وتايوان جميعها في وضع لا يبعث على الارتياح يسوده الغموض والتناقضات، كما أن الوضع الراهن يتميز بعدم الاستقرار، خصوصاً عندما كشّرت الصين عن أنيابها. وإذا أراد العالم أن يتجنب حرباً في تلك المنطقة، فهو بحاجة ماسة إلى تحقيق توازن جديد.

• بعد سبعة عقود بدأت الأزمة الرابعة تتكشف، هذه المرة بسبب زيارة بيلوسي إلى تايوان في الثاني والثالث من أغسطس. كانت بيلوسي أرفع سياسي أميركي يزور الجزيرة، التي مازالت الصين تتمسك بتبعيتها لها، منذ أن زارها أحد أسلافها، نيوت غينغريتش، في عام 1997. وعلى الرغم من أن الأزمة لم تنته بعد، فإنها تبدو بالفعل على وشك الدخول في حقبة جديدة خطيرة تتمثل في مزيد من العداء بين الصين وأميركا.

تويتر