حتى قبل اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية

العلاقات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي والصين تتدهور باطّراد

علاقات الصين والاتحاد الأوروبي على المحك بعد العقوبات الاقتصادية. غيتي

أدّى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى إحداث شرخ بين الاتحاد الأوروبي والصين، للمرة الأولى في تاريخ علاقتهما، ويبدو أن بروكسل تتوثب للذهاب إلى أبعد من ذلك، فقد ظل ثاني وثالث أكبر اقتصادين في العالم على خلاف منذ مارس 2021، عندما علق البرلمان الأوروبي التصديق على الاتفاقية الشاملة للاستثمار بسبب مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان. ولكن منذ دخول القوات الروسية إلى أوكرانيا في 24 فبراير، تدهورت العلاقات أكثر، ويبدو أن هناك احتمالاً ضئيلاً لأي مصالحة.

ويبدو أن بروكسل غاضبة من رفض بكين إدانة العدوان الروسي على أوكرانيا. ففي الأيام الأولى للحرب، كان مسؤولو الاتحاد الأوروبي يأملون في أن تحاول الصين التوسط في اتفاق سلام، لكن قمة افتراضية فاترة بين قادة الاتحاد الأوروبي والرئيس الصيني شي جين بينغ، في الأول من أبريل، بددت هذه التوقعات. والأهم من ذلك، أن الحرب في أوكرانيا أجبرت أوروبا على البدء في التفكير جيوسياسياً للمرة الأولى منذ عام 1991، فقد انخفضت توقعات النمو لدول الاتحاد الأوروبي لعام 2022 وسط ارتفاع أسعار الطاقة. ويبدو أيضاً أن افتراض الاتحاد الأوروبي طويل الأمد بأن الاقتصاد يمكن أن يكون بديلاً للسياسة الخارجية الفعلية في التعامل مع الدول التعسفية، أصبح الآن رهاناً سيئاً.

في الأسابيع القليلة الماضية، قدمت المفوضية الأوروبية مجموعة طموحة من السياسات تجعل أوروبا تنأى بنفسها اقتصادياً عن الصين. بعض هذه السياسات سبق الحرب، فقد طرحت المفوضية في ديسمبر2021 آلية لمكافحة الإكراه الاقتصادي من شأنها أن تمكن بروكسل من فرض تدابير انتقامية تجارية على الواردات من البلدان التي تطبق الإكراه الاقتصادي على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وتستهدف هذه التدابير بشكل واضح بكين، التي وضعت عام 2021 ليتوانيا تحت حظر تجاري فعلي، بعد أن سمحت ليتوانيا لتايوان بفتح مكتب تمثيلي لها في البلاد. لكن معظم مبادرات السياسة الجديدة للمفوضية الأوروبية والموجهة نحو الصين تمت صياغتها بعد 24 فبراير.

في مايو، في قمة الاتحاد الأوروبي واليابان، تعهدت بروكسل وطوكيو بـ«تعميق تداولاتها بشأن الصين، لاسيما في ما يتعلق بالأمن». وفي الشهر نفسه، أعلنت بروكسل أنها ستجري حواراً تجارياً «مطوراً» مع تايوان في يونيو، وهو حوار يهدف ظاهرياً إلى تعميق التعاون بين الاتحاد الأوروبي وتايوان في مجال تصنيع أشباه الموصلات. وفي الواقع، كانت هذه إشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي على استعداد لإعادة فتح المناقشات حول تعزيز الروابط مع تايوان بغض النظر عن رد فعل الصين: تم طرح هذا الاقتراح سابقاً في أواخر عام 2021، ولكن تم إلغاؤه خوفاً من رد فعل عنيف من بكين.

وهناك المزيد من المبادرات في طور الإعداد، وهي ليست موجهة بشكل صريح ضد الصين، لكنها تقدم أدوات لخوض معركة طويلة الأمد. وتتفاوض مؤسسات الاتحاد الأوروبي بشأن آلية جديدة ستسمح لهذه الكتلة بتقييم الإعانات الصناعية للشركاء التجاريين وتطبيق التعريفات التعويضية. ويمكن لبروكسل بالتأكيد استخدام هذا ضد الصين، التي دعمت بشدة العديد من الصناعات المحلية الموجهة للتصدير. هذا العام، ستضع المفوضية الأوروبية آلية تجارية أخرى لمنع الواردات التي تتم باستخدام العمالة القسرية من دخول الكتلة. وقد يؤدي هذا أيضاً إلى إنشاء أداة مفتوحة لمنظمي التجارة لمضاعفة الضغط الحمائي على بكين.

ولكي تصبح قانوناً، تحتاج مقترحات المفوضية الأوروبية إلى موافقة الدول الأعضاء. قبل الحرب، كانت هذه هي النقطة الشائكة الرئيسة. ولكن في ما بعد تحولت أوروبا الوسطى والشرقية بشكل خاص إلى المزاج الصقوري، حيث ذكّرهم العدوان الروسي بمدى اعتمادهم على المظلة الأمنية الأميركية. وعززت تايوان انخراطها الاقتصادي مع المنطقة، وتزايدت عزلة قادة أوروبا الشرقية الذين تربطهم علاقات وثيقة ببكين. ولايزال بإمكان رئيس الوزراء المجري فيكتور أوروبان احتجاز بروكسل كرهينة بسبب تصويتات السياسة الخارجية، حيث تتطلب قواعد الاتحاد الأوروبي الإجماع، ولكن المبادرات الأخرى تتطلب أغلبية مؤهلة فقط.

ويبدو جلياً أن الدول الغربية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي تربطها روابط اقتصادية بالصين تمتد لعقود طويلة تتسم الآن بالتردد، لكن الإجماع هناك يتغير أيضاً. سياسة ألمانيا الضمنية تجاه دول مثل الصين، والمعروفة باسم «التغيير من خلال التجارة»، فقدت كل شرعيتها في 24 فبراير. وخلال جولة أخيرة في آسيا - والتي لم تشمل الصين - دعا المستشار الألماني أولاف شولتز إلى تقليل الاعتماد الألماني على دول معينة شائكة، ويقصد بذلك الصين. واستند رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي إلى قواعد «القوة الذهبية» لمنع الشركات الصينية من عمليات الاستحواذ. ومع 3% من الصادرات الإيطالية وما يقرب من 8% من الصادرات الألمانية المتجهة إلى الصين كل عام، لا تسعى روما وبرلين إلى التوقف عن التعامل الاقتصادي الكامل مع الصين، لكنهما بالتأكيد ستكونان أكثر قبولاً بمبادرات المفوضية الأوروبية بشأن الصين ممّا كانت عليه الحال في الماضي.

السياسة الأوروبية متنوعة ومعقدة، وفيها العديد من نقاط الاعتراض. وهذا يجعل من الصعب أن يتغير موقف السياسة الخارجية للكتلة بسرعة. وتحظى مبادرات بروكسل لتقليل التبادل الاقتصادي والسياسي للكتلة مع الصين بقوة أكبر في بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أكثر من غيرها، وستواصل مجموعات الأعمال العمل خلف الكواليس لمنع الانغماس أكثر في مثل هذا التبادل. ومع ذلك، فإن الجهود تصب في هذا الاتجاه حتى قبل حرب أوكرانيا.


افتراض الاتحاد الأوروبي طويل الأمد بأن الاقتصاد يمكن أن يكون بديلاً للسياسة الخارجية الفعلية في التعامل مع الدول التعسفية، يبدو الآن رهاناً سيئاً.

تويتر