باحثة أميركية تكشف نوايا روسيا غير المعلنة في أوكرانيا

مستقبل شراكة الغرب مع كييف غير واضح

صورة

لم يكن الاتحاد الأوروبي يعتقد، حتى قبل أيام من غزو روسيا، أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، كان على وشك مهاجمة أوكرانيا. وإذا كان الاتحاد الأوروبي - وهو منظمة قامت في الأساس على مبدأ «عدم تكرار» الكوارث - لم يتوقع اندلاع الحرب، فما الذي لم يتوقعه الاتحاد أيضاً؟

ذكرت الباحثة الزائرة في مركز كارنيغي أوروبا للدراسات، أوليفيا لازارد، في تقرير نشره موقع مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، أن الاتحاد الأوروبي لم يتوقع أو يلاحظ الكثير من الأمور على ما يبدو. ورغم كل العنف الذي يحدث في أوكرانيا، ربما تكون الحرب جزءاً بسيطاً في لغز أكبر كثيراً عكفت روسيا على تجميع مكوناته، من خلال التجربة والخطأ خلال السنوات القليلة الماضية.

لغز

وفي هذا اللغز، يجب تحليل الحرب في أوكرانيا بالتوازي مع المناورات الروسية في إفريقيا وآسيا الوسطى وأميركا اللاتينية وشرق آسيا. كما يجب تحليل الحرب في ضوء عالم انتقالي زعزعت استقراره اضطرابات المناخ والتنافس الجغرافي الاقتصادي.

لقد كان يُنظر إلى روسيا لفترة طويلة كجهة فاعلة لها تأثير محدود بالنسبة لتغيّر المناخ. وقد اتسم موقف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إزاء تغيّر المناخ بالتردد بين إنكار تغيّر المناخ أو التقليل من أهميته، قائلاً: «إنه سيفيد روسيا، ثم صور روسيا كجهة فاعلة إيجابية في أزمة تغيّر المناخ تساعد في أسواق تعويضات الكربون في خطوات اتخذها أخيراً».

روايات متناقضة

ورأت لازارد أن روايات بوتين المتناقضة بشأن تغيّر المناخ، واعتماد روسيا المنهجي على الهيدروكربونات، أخفت حقيقة أكثر دقة بشأن فهم الرئيس للمخاطر، والفرص المرتبطة بالمناخ والتحوّلات الرقمية.

وتكشف وثائق الأمن القومي الروسي أن بوتين أدرك منذ سنوات أن تغيّر المناخ والاضطرابات الجيوسياسية سيؤديان إلى تغييرات جذرية في أسواق الطاقة والسلع الأساسية، وهو ما يتطلب من روسيا تنويع اقتصادها.

وقالت لازارد: «إنه في ما يتعلق بالطاقة، فإن هناك جانبين أساسيين حددا النظرة الروسية. كان أحدهما، هو أن الهيدروكربونات ستظل أساسية بالنسبة للاقتصاد العالمي، وأن الطلب الأكبر عليها سينبع من آسيا. ولذلك تحتاج روسيا إلى جهود محورية في اتجاه الأسواق الجديدة وإبرام شراكات».

أما الجانب الثاني فهو أن روسيا أدركت الجهود الأوروبية للتحرك صوب مزيج قائم على الطاقة المتجددة، يعتمد على مواد خام حيوية، مثل العناصر الأرضية النادرة. وروسيا غنية كثيراً بالعديد من هذه المواد. وليس هذا فحسب: إذ إن روسيا المعاصرة تهدف إلى استعادة القوة الصناعية والتصديرية، مثل العصر السوفييتي في ما يتعلق بالمواد الحيوية.

استعادة القدرة

وأشارت لازارد إلى أن بوتين يعتقد أن استعادة هذه القدرة أمر مهم لضمان أن تكون روسيا قادرة على جعل توازن القوى العالمي يميل لمصلحتها، وعلى التنافس مع الصين وتقويض العلاقات عبر المحيط الأطلسي. وفي الواقع، ترتبط استراتيجية التنويع الاقتصادي، واستراتيجية المواد الخام الحيوية، واستراتيجية الأمن القومي والاستراتيجيات الإقليمية، بهدف محدد وهو تعزيز قدرات الجيش الروسي والوضع الدفاعي، وضمان الأهمية الجغرافية الاقتصادية.

3 أشياء

واعتبرت لازارد أن تحقيق هدف روسيا يتطلب ثلاثة أشياء: تطوير قاعدتها الصناعية في الداخل، والبحث عن دول غنية بالموارد يمكن أن تسيطر عليها أو تتعاون معها بشكل وثيق بشروطها هي، وإقامة شراكات مع دول في مختلف أنحاء العالم، تمتلك موارد مكملة للموارد التي يمكن لروسيا أن تسيطر عليها بشكل مباشر.

وأشارت إلى أن البرازيل، على سبيل المثال، من بين الدول التي ينطبق عليها الوصف الأخير، بينما ينطبق الوصف الأول على كل من كازاخستان والقطب الشمالي. فأين تقع أوكرانيا في كل هذا؟ في ظل وجود ثروة معدنية تقدر بأكثر من 6.7 تريليونات يورو (7 تريليون دولار)، أبرمت أوكرانيا اتفاقية شراكة استراتيجية بشأن المواد الخام مع الاتحاد الأوروبي في يوليو عام 2021، من أجل تطوير وتنويع سلاسل الإمداد الخاص بالمواد الحيوية.

وكانت الدولة الأخرى الوحيدة التي لجأ إليها الاتحاد الأوروبي لإقامة شراكة معها هي كندا. وكان الهدف من الشراكة مع أوكرانيا هو دعم تخلص الاتحاد الأوروبي من الكربون وتعزيز العلاقات بين التكتل وأوكرانيا. ونظراً لأن عدداً من المواد المعدنية في أوكرانيا توجد في شرق البلاد الذي تحتله روسيا حالياً، فإن مستقبل هذه الشراكة غير واضح.

واعتبرت لازارد أن الأمر الواضح، هو نية روسيا للوصول إلى الموارد التي يحتاجها الاتحاد الأوروبي، لتطبيق قانونه الخاص بالمناخ، وهو جانب أساسي من الاتفاقات الاجتماعية الأوروبية، وفقاً للاتفاق الأخضر.

إن استخدام القوة واستغلال الحرب أمران أساسيان لاستراتيجية موسكو. ولا يعتبر هذا النموذج واضحاً في أوكرانيا فحسب. إن مجموعة فاغنر - وهي شركة مرتزقة ترتبط بشكل غير رسمي بالكرملين، ومالكها يوجه أيضاً شركات استخراج معادن، مثل شركة «لوباي انفست» - موجودة حالياً في دول إفريقية تمتلك موارد معدنية مهمة، مثل موزمبيق ومدغشقر، وجمهورية إفريقيا الوسطى ومالي.

والأمر اللافت للنظر بشكل أكبر، هو أن روسيا تعقد شراكات دفاع أكثر تشمل أبحاثاً طبوغرافية وهيدرولوجية، مع الكاميرون أو زيمبابوي. فماذا يعني كل هذا؟

عباءة التاريخ

وأوضحت لازارد أن «بوتين يستخدم عباءة التاريخ لرسم دور روسيا في مستقبل مضطرب المناخ. في أوكرنيا، الأمر يتعلق بإعادة كتابة التاريخ لتبرير الاحتلال والحرب. وفي إفريقيا، الأمر يتعلق باستغلال صدمات التاريخ - الاستعمار والإمبريالية - لتقويض العلاقات الإفريقية - الأوروبية».

ووراء هذه الروايات، يرغب بوتين في الوصول إلى موارد ومجالات للنفوذ. ومن بين أهداف أخرى، تتركز نيته الاستراتيجية على اللعب على تبعيات أوروبية متنوّعة، من بينها تبعيات مستقبلية. لقد أدرك بوتين شيئاً غفل عنه الاتحاد الأوروبي تماماً وهو أن انتقال الطاقة أمر جيوستراتيجي.

وإذا كانت أوروبا ستواجه تحديات عالم يستغل فيه اللاعبون عدم الاستقرار ويقومون بتسليح سلاسل التوريد، لإعادة رسم ميزان القوة العالمية، كل هذا في وقت يشهد انهياراً مناخياً وبيئياً، فيتعين على أوروبا تغيير نظرتها إلى التحوّلات. يجب أن يكون التغيير منهجياً، على أن يبدأ بخطوات بسيطة.

أولاً: يجب أن تفهم أوروبا أن أمن الطاقة وأمن المناخ هما الشيء نفسه.

وثانياً: يجب أن تستعيد بشكل عاجل القدرة على تحليل المعلومات الاستخباراتية والكفاءة الاستراتيجية. ومن خلالهما، يجب أن يسعى الاتحاد الأوروبي إلى فهم الطرق المعقدة والديناميكية، حيث يشكل الأمن والجغرافيا السياسية، والهجمات على المجتمعات المفتوحة والمؤسسات الديمقراطية، والانهيار المناخي والبيئي، عالم اليوم.

وإذا فشلت أوروبا في تحوّلها المناخي، فإنها ستفشل ديمقراطياً وصناعياً واقتصادياً وتكنولوجياً واجتماعياً. وإذا كان لاعبون خارجيون يحاولون تقويض التحوّلات الأوروبية، فإن هذا أمر يحمل أهمية عاجلة للاعبين في مجالي الدفاع والأمن.

شراكات نوعية

وأخيراً، يتعين على الأوروبيين تحديد كيفية إقامة شراكات نوعية تتجاوز التعاملات التجارية، وتحقق التكيف مع المناخ والتخفيف من آثار تغيّر المناخ، وبناء مرونة بين أوروبا وشركائها. وهذه الشراكات مهمة لبناء مستقبل آمن في ما يتعلق بالمناخ ويمنح أوروبا أهمية جغرافية سياسية.

واختتمت الباحثة، أوليفيا لازارد، تقريرها بالقول: «إن الاختلاف بين روسيا والاتحاد الأوروبي يكمن في أن الاتحاد أكد أن ردود الفعل الجغرافية السياسية القديمة، مثل تخزين الموراد، ليست لها مكان في عصر (الأنثروبسين - عصر التأثير البشري)».

إن «هناك حاجة إلى استراتيجية جديدة لمواجهة استراتيجيات لعبة محصلتها صفر. لقد حان الوقت لأن يتبني الاتفاق الأخضر استراتيجية سياسة خارجية تجديدية وعادلة».


 رغم كل العنف الذي يحدث في أوكرانيا، ربما تكون الحرب جزءاً بسيطاً في لغز أكبر كثيراً، عكفت روسيا على تجميع مكوناته، من خلال التجربة والخطأ خلال السنوات القليلة الماضية.

يجب تحليل الحرب في أوكرانيا بالتوازي مع المناورات الروسية في إفريقيا وآسيا الوسطى وأميركا اللاتينية وشرق آسيا. كما يجب تحليل الحرب في ضوء عالم انتقالي زعزعت استقراره اضطرابات المناخ والتنافس الجغرافي الاقتصادي.

تكشف وثائق الأمن القومي الروسي أن بوتين أدرك منذ سنوات أن تغيّر المناخ والاضطرابات الجيوسياسية سيؤديان إلى تغييرات جذرية في أسواق الطاقة والسلع الأساسية، وهو ما يتطلب من روسيا تنويع اقتصادها.

إذا فشلت أوروبا في تحولها المناخي، فإنها ستفشل ديمقراطياً وصناعياً واقتصادياً وتكنولوجياً واجتماعياً.

تويتر