المرصد

«إغلاق مجلة الكواكب»

اعتاد الناس على سماع خبر إغلاق مطبوعة ورقية كأمر متكرر في السنوات الأخيرة، لذا بدت الصدمة والحزن اللتان قوبل بهما خبر إغلاق مجلة «الكواكب» الفنية المصرية، أمراً لافتاً في المشهد الصحافي العربي.

والواقع أن «الكواكب» التي صدرت في 28 سبتمبر 1932على يد اللبنانيين إميل وشكري زيدان، ابنَي الرائد الصحافي الكبير جرجي زيدان، لها ما يميزها وما يجعل إغلاقها علامة فارقة في الصحافة العربية.

فقد جاءت «الكواكب» ابتداء، كأبرز مجلة فنية عربية، ضمن موجة صحافية مميزة أطلقها الزيدانيان «إميل وشكري» منذ عام 1924 وأسسا فيه سلسلة من الصحافة المصورة غيرت الذائقة الصحافية العربية، وضمت إصدار: «المصور» و«الفكاهة»، و«كل شيء»، و«الدنيا المصورة»، و«نسخة المعرض» و«ايماج».

كذلك جاء ظهور «الكواكب» متوازياً مع الولادة الفعلية للسينما الناطقة عبر إنتاج فيلم (أولاد الذوات) عام 1932 أيضاً، ومن بعدها قدمت «الكواكب» على صفحتها وغلافها عشرات الفنانين والفنانات الموهوبين، كما نشرت مذكرات أبرزهم، مثل ماري منيب، وإسماعيل ياسين، وبرلنتي عبدالحميد، وغيرهم.

كذلك أيضاً واكب ظهور المجلة، وفي عام 1932 ذاته، إنشاء «معهد التمثيل» في مصر على يد محمد بيومي، وخاضت المجلة معه قضية مدى السماح للمرأة بالتمثيل، وهي قضية كانت بالقياس لذلك الزمن حساسة وشائكة في مجتمعاتنا العربية.

بالإضافة إلى ذلك، وعلى عكس ما كان يردد خصومها لم تكن «الكواكب» مجلة مراهقين، بل كانت مجلة القامات الكبرى، سواء أولئك الذين ترأسوا تحريرها مثل رجاء النقاش وكمال النجمي، والذين كتبوا فيها مثل طه حسين والعقاد.

وعلى المستوى المهني، يمكن عبر إلقاء نظرة على عدد واحد بشكل عشوائي مثل ذلك الصادر في أغسطس عام 1949،

تلمس مدى الاحترافية في المجلة، حيث تضمن العدد مقالاً لعباس العقاد، وآخر للفنان محمد عبدالوهاب، ثم تحقيقاً مصوراً عن أربعين الريحاني بين معسكرين، ثم حواراً مع مدير شبكة فوكس الأميركية يكشف فيه عن إنتاج الشركة لفيلم سوداني بعنوان (زهرة السودان)، ثم تحقيقين مصورين عن (استوديو النحاس) و(استوديو مصر)، يتخلل هذه المواد، صفحات لايت (خفيفة) عن شابة صغيرة امتلكت 50 جنيهاً هي تحية كاريوكا، وموقف تعرض له إسماعيل ياسين بسبب (بقه)، وصفحة «رسائل مفتوحة» متبادلة ضيفاها المخرج حسين فوزي والفنانة نعيمة عاكف.

لقد خسرت الساحة الصحافية الكثير باختفاء هذه المجلة، الأقسى من ذلك أنها ستكون نموذجاً لخسارات كثيرة قادمة متوقعة بحسب خبراء الإعلام، ممّن حذّروا أن الإعلام الورقي سيتلقى الضربة تلو الأخرى، وما بقي يتفرج على التطور الجاري دون أن يتحرك خطوة واحدة لتطوير نموذجه القديم.

تويتر