المرصد

«الصحافة.. وكشف الماضي»

نجح تحقيق استقصائي كانت بدايته خيط أرشيفي في إجلاء واقعة حدثت لباخرة مصرية في الأربعينات، والبرهنة مجدداً على أن إحدى مهام الصحافة ليست فقط التصدي للواقع الحالي ما استطاعت، وإنما النبش في وقائع الماضي وانتشال الحقيقة من أضابير الأرشيفات.

فقد استطاع الصحافي المصري أحمد خيرالله أن يسلط الضوء مجدداً على مأساة الباخرة «زمزم»، التي تعرضت لأحداث صعبة في الأربعينات وكاد ركابها يضيعون في أتون الحرب بين الحلفاء والمحور في أبريل 1941 وهي في طريقها من نيويورك إلى مصر عبر الأطلنطي، وكان على متنها 200 أميركي و110 بحارة مصريين.

الرحلة الاستقصائية التي قام بها خيرالله لم تكن بالهينة، ففضلاً عن غوصه في ارشيف مكتبة الكونغرس الأميركي، طاف أيضاً في رحلة طويلة في أرشيفات أخرى في أميركا والمانيا وسويسرا ومصر، كما حصل على شهادات لأحفاد وأبناء الركاب، وتمخضت رحلة خيرالله عن كتاب توثيقي مهم للواقعة حمل عنوان «على بلد المحبوب.. رحلة زمزم الأخيرة».

تتبع تحقيق خيرالله مسيرة السفينة منذ ولادتها كأحد إنجازات الاقتصادي الشهير طلعت حرب، ثم قيامها برحلات لنقل 5000 حاج إلى الأراضي المقدسة، وهي المهمة التي بدا أنها كانت السبب في تسميتها بـ«زمزم» حيث الارجح أنها كانت ستخصص لهذه المهمة، ثم بيعها إلى شركة إنجليزية لتنطلق في رحلة إلى نيويورك وعلى متنها عشرات الهاربين من الحرب.

جاءت الضربة القاصمة للسفينة «زمزم» أثناء عودتها من نيويورك، حيث تعرضت للقصف من بارجة ألمانية تدعى «أتلانتس»، حيث أطلقت عليها 55 قذيفة، لكن شاءت المقادير ألا يسفر القصف عن خسائر روحية، ولا يتسبب إلا في إصابة ثلاثة أشخاص، ليقوم الألمان بأسر ركاب الباخرة بالكامل، ووضعهم على ظهر باخرة أخرى هي «ديسدرن» وإرسالهم إلى ألمانيا، ليمروا برحلة عذاب طويلة ومريرة ويتم الإفراج عن دفعات منهم تباعاً.

تمكن خيرالله من الوصول إلى كنيسة أميركية جمعت كل مقتنيات ركاب الباخرة الشخصية ورسائلهم، كما تمكن من العثور على كتاب اعتبره كنزاً لصحافي مصري مغمور، كان يعمل بـ«الأهرام» بعنوان «زمزم الغريقة»، كما تمكن من العثور على مذكرات القبطان الالماني برنارد رود، الذي قصف «زمزم»، وربط بين كل هذه المواد وتصريحات صحافية خافتة حول الباخرة في مصر في تلك الفترة، كما ربط بينها وبين التطورات السياسية الحالية وقتها.

تعطي القصة وميضاً من نور عما ينتظر الصحافة من كشوفات عبر الاستقصاء انطلاقاً من الارشيفات، لكنها أيضاً للأسف وكما روى صاحب الكتاب، كشوفات مكانها مكتبات الغرب المرحبة، وليس الأرشيفات العربية التي تحول بيروقراطيتها وتحفزها بينها وبين فتح أبوابها للسائلين.

تويتر