نتيجة الحرب في أوكرانيا والسياسات الإسرائيلية

الفلسطينيون بحاجة إلى اهتمام فوري لدرء أزمة غذاء كبيرة

صورة

أحد أصدقائي في غزة، وهو المحامي الشاب محمد رفيق مهاوش، أبلغني أن أسعار المواد الغذائية في قطاع غزة ارتفعت بصورة جنونية في الأسابيع الأخيرة، وأن العديد من العائلات التي تعاني الفقر أصلاً، تكافح لتأمين لقمة العيش لأبنائها. وقال: «أسعار المواد الغذائية ارتفعت على نحو غير منطقي، خصوصاً منذ بدء الحرب في أوكرانيا»، وتضاعفت أسعار المواد الرئيسة مثل القمح واللحم تقريباً. فعلى سبيل المثال فإن سعر كيلو الدجاج، الذي كان جزء صغير من سكان غزة يستطيع شراءه، ارتفع من ستة دولارات إلى نحو 14 دولاراً.

«أوكسفام» تحذّر

ويمكن تدبر مشكلة ارتفاع الأسعار في بعض الأجزاء من العالم، ولكن قطاع غزة الذي يعاني الفقر أصلاً، والحصار العسكري الاسرائيلي منذ 15 عاماً، من المؤكد أنه يواجه أزمة إنسانية كبيرة. وفي الحقيقة، فقد حذرت منظمة «أوكسفام» الخيرية العالمية من هذه الأزمة عندما حذر تقرير للمنظمة من أن أسعار المواد الغذائية في كل أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة، ازدادت بنسبة 25%، ولكن الأمر الأكثر إثارة للذعر أن احتياطي الدقيق في هذه الأراضي «يمكن أن ينفد في غضون ثلاثة أسابيع» وفق «أوكسفام».

وظهر أثر الحرب في أوكرانيا على معظم بقاع العالم، بصورة متفاوتة. وكانت الدول الافريقية ودول الشرق الأوسط التي تعاني مشكلات الفقر والجوع والبطالة أصلاً، هي الأكثر تأثراً بهذه الحرب. ولكن فلسطين تعتبر قصة مختلفة تماماً، إذ إنها بلد محتل ويعتمد بصورة شاملة على القوة المحتلة له، وهي إسرائيل، التي ترفض الالتزام بالقوانين الإنسانية والدولية.

تقنين

وبالنسبة للفلسطينيين فإن هذه القضية معقدة، ولكن جميع ملامحها تتعلق بالقوة المحتلة إسرائيل. ويعاني قطاع غزة من الحصار الاقتصادي الإسرائيلي منذ سنوات عدة، وكميات المواد الغذائية التي تسمح إسرائيل بإدخالها تخضع للتقنين والتلاعب كشكل من أشكال العقوبة الجماعية للقطاع. وتحدثت منظمة العفو الدولية في تقريرها الصادر في فبراير الماضي عن سياسة الأبارتهايد الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وعن تفاصيل القيود الإسرائيلية المفروضة على إمدادات المواد الغذائية والغاز للفلسطينيين. ووفق المنظمة فإن إسرائيل تستخدم «عمليات حسابية لتحديد كميات المواد الغذائية التي تسمح بدخولها إلى قطاع غزة، بحيث تكون هذه المواد كافية فقط لسد رمق سكان القطاع وإبقائهم على قيد الحياة».

وبمعزل عن العديد من قضايا البنى التحتية الناجمة عن الحصار، مثل نقص مياه الشرب، والكهرباء، والمعدات الزراعية، فقد خسر قطاع غزة الكثير من الأراضي الصالحة للزراعة بعد أن تم ضمها إلى المنطقة العسكرية التي أنشأتها إسرائيل على طول المنطقة المحاذية للقطاع.

الضفة الغربية ليست أفضل حالاً

والضفة الغربية أيضاً ليست في حال أفضل، اذ يشعر معظم الفلسطينيين الذين يعيشون في المناطق المحتلة بالعبء المتزايد الناجم عن الاحتلال الإسرائيلي، المصحوب بالآثار المدمرة لجائحة كورونا، والضعف الهيكلي للسلطة الفلسطينية، التي تعاني انتشار الفساد وسوء الإدارة.

وتستورد السلطة الفلسطينية 95% من استهلاكها من القمح، وفق ما ذكرته منظمة «أوكسفام»، وليس لديها منشآت للتخزين من أي نوع. ويتم نقل هذه الإيرادات عن طريق إسرائيل التي تتحكم بجميع أشكال تواصل الفلسطينيين مع العالم الخارجي. وبالنظر إلى أن إسرائيل نفسها تستورد نصف استهلاكها من الحبوب من أوكرانيا، فإن الفلسطينيين يظلون رهينة لهذه الآلية.

وعلى الرغم من أن إسرائيل تقوم بتكديس المواد الغذائية لديها، كما أنها مستقلة إلى حد كبير على صعيد الطاقة، إلّا أن الفلسطينيين يكافحون على كل الصعد. وبينما يتعين على السلطة الفلسطينية تحمل جزء من الدعم والاستثمار في أجهزتها الأمنية على حساب أمنها الغذائي، فإن إسرائيل تمتلك معظم المفاتيح لبقاء الفلسطينيين.

وبالنظر إلى انتشار نقاط التفتيش العسكرية في جميع أراضي الضفة الغربية المحتلة، حيث تعمل على تقطيع المجتمعات وعزلها عن بعضها بعضاً، وكذلك المزارعين عن أراضيهم الزراعية، فإن قيام زراعة مستدامة في الأراضي الفلسطينية مسألة مستحيلة.

جدار الفصل

وثمة قضيتان تعملان على زيادة تعقيد هذا المشهد المعقد أصلاً، الأولى هي ما يعرف بجدار الفصل العنصري الذي يزيد طوله على مئات الكيلومترات، والذي لا يعمل على الفصل بين الإسرائيليين والفلسطينيين فقط، وإنما يحرم الفلسطينيين بصورة غير قانونية من أجزاء كبيرة من أراضيهم الزراعية، والثانية هي سرقة المياه الفلسطينية بصورة غير شرعية من الجيوب المائية الجوفية في الضفة الغربية. وفي الوقت الذي تكافح فيه المجتمعات الفلسطينية للعثور على ماء الشرب في الصيف، لا تعاني إسرائيل نقصاً في المياه طيلة أيام السنة.

الأزمة مصطنعة بالكامل

وحتى وإن توقفت الحرب في أوكرانيا فسيستمر انعدام الأمن الغذائي في الأراضي الفلسطينية، لأنه بالأساس ناجم عن سياسات وخطط إسرائيلية طويلة الأمد. وفي حالة غزة فإن الأزمة مصطنعة بالكامل استناداً لخطة إسرائيلية موضوعة سلفاً. ولم يخجل مستشار الحكومة الإسرائيلية دوف فايسغلاس عام 2006 عندما تحدث عن هدف حصار غزة، حيث قال: «الفكرة من وراء الحصار هي أن نجعل الفلسطينيين يعيشون على نظام غذائي مبرمج، ولكن لن نتركهم يموتون جوعاً».

ويحتاج الفلسطينيون إلى مزيد من الاهتمام بهدف درء أزمة غذائية كبيرة. وفي الحقيقة فإن قطاع غزة الذي يعاني في الأصل الفقر والبطالة الكبيرة لا يتحمل مزيداً من الكوارث. ولكن أي مساعدة تقدم للفلسطينيين ستكون بمثابة إصلاح على المدى القصير، إذ ينبغي إجراء حوار بين الدول العربية، ومنظمة الزراعة والغذاء التابعة للأمم المتحدة، وأطراف أخرى، بهدف مناقشة وحل أزمة انعدام الأمن الغذائي لدى الفلسطينيين، لأنها تشكل تهديداً وجودياً حقيقياً بالنسبة لهم.

المنطقة «سي»

لاتزال المنطقة التي يطلق عليها «منطقة سي» التي تشكل 60% من المساحة الإجمالية للضفة الغربية، تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي الشامل. وهي تحتوي على معظم الأراضي الزراعية في المنطقة، خصوصاً المناطق الواقعة في وادي الأردن الشديد الخصوبة. وعلى الرغم من أن إسرائيل أجلت ضم المنطقة «سي» بصورة رسمية، إلا أن المنطقة من الناحية العملية في حالة ضم إسرائيلي، اذ يتم طرد الفلسطينيين منها بصورة بطيئة، واستبدالهم بمستوطنين إسرائيليين غير شرعيين.

ويسبب الارتفاع السريع في أسعار المواد الغذائية أضراراً كبيرة للمزارعين ومربي الماشية، الذين يعتبرون مسؤولين عن سد الفجوة الناجمة عن عدم الاستقرار الغذائي العالمي الناجم عن الحرب. ووفق «أوكسفام»، فقد ارتفعت أسعار أعلاف المواشي بنسبة 60% في الضفة الغربية، الأمر الذي يضيف مزيداً من «الأعباء الموجودة أصلاً»، ويزيد من «التهجير القسري»، كما هي الحال في التطهير العرقي الناجم عن سياسات الضم الإسرائيلية.

* رمزي بارود ■ صحافي وكاتب فلسطيني

• يعاني قطاع غزة الحصار الاقتصادي الإسرائيلي منذ سنوات عدة، وكميات المواد الغذائية التي تسمح إسرائيل بإدخالها تخضع للتقنين والتلاعب كشكل من أشكال العقوبة الجماعية للقطاع.

• تستورد السلطة الفلسطينية 95% من استهلاكها من القمح، وفق ما ذكرته منظمة «أوكسفام»، وليس لديها منشآت للتخزين من أي نوع. ويتم نقل هذه الإيرادات عن طريق إسرائيل التي تتحكم بجميع أشكال تواصل الفلسطينيين مع العالم الخارجي.

• على الرغم من أن إسرائيل أجلت ضم المنطقة «سي» بصورة رسمية، إلا أن المنطقة من الناحية العملية في حالة ضم إسرائيلي، إذ يتم طرد الفلسطينيين منها بصورة بطيئة، واستبدالهم بمستوطنين إسرائيليين غير شرعيين.

تويتر