المحلل الاقتصادي ميلتون إزراتي: قائمة المشروعات الضخمة غير المجدية في الصين أدت إلى إهدار الموارد وتراكم الديون

تراجع أداء الاقتصاد الصيني سيخيّب آمال تجار الخوف في أميركا

صورة

على مدى سنوات عدة، كان هناك تيار في عالم السياسة والاقتصاد والإعلام الأميركي يروّج للخطر الذي يمثله النمو الاقتصادي القوي للصين، لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، متقدمة على اليابان وألمانيا.

لكن ميلتون إزراتي، الباحث المتعاون مع مركز دراسات رأس المال البشري في جامعة بوفالو الأميركية المتخصصة في الأنشطة البحثية، وكبير المحللين الاقتصاديين لدى شركة فيستد للاتصالات بنيويورك، يرى أن القادم سيصيب أنصار هذا المعسكر بالإحباط، ولن يجدوا مبررات كثيرة لكي يستخدموها في مواصلة التخويف من القوة الاقتصادية الصينية.

وفي بداية تحليل نشرته مجلة ناشيونال إنترست الأميركية على موقعها الإلكتروني، قال إزراتي إن قواعد تنظيم الخدمات المالية في العالم تلزم الشركات العاملة في المجال بضرورة تحذير عملائها باستمرار بأن «الأداء في الماضي ليس مؤشراً إلى النتائج في المستقبل»، لأن الأمور تتغير باستمرار، وهو ما ينطبق بشدة على الحالة الصينية الآن.

قلق أميركي

وأضاف إزراتي أن جزءاً كبيراً من القلق الأميركي من الصين سببه نموها الاقتصادي الهائل في الماضي. ويخشى المراقبون في الولايات المتحدة أن يشير هذا النمو السابق إلى تفوق النموذج الاقتصادي الصيني القائم على المركزية وسيطرة الدولة، مقارنة بالنموذج الأميركي القائم على مبادئ اقتصاديات السوق الحرة والذي يبدو ديمقراطياً فوضوياً. ويصل هؤلاء المراقبون إلى استنتاج بأن الصين ستواصل النمو القوي لتتفوق على الولايات المتحدة في الثروة المادية في وقت قريب للغاية، بما يعني الهيمنة الصينية على العالم اقتصادياً وعسكرياً أيضاً.

رؤية مضللة

غير أن إزراتي يرى أن الرؤية الاقتصادية لهذا التصور غير مناسبة ومضللة، فالاقتصاد الصيني سيتباطأ بشدة مقارنة بمعدلات نموه السابقة. كما أن النموذج السلطوي القائم على السيطرة من أعلى إلى أسفل في تنظيم الاقتصاد الصيني سيخلق مشكلات اقتصادية ضخمة.

وقد بدأت هذه المشكلات في الظهور بالفعل. كما أن الرئيس الصيني شي جين بينغ لا يبدو مدركاً لما يحدث لاقتصاد بلاده.

والأمر المؤكد هو أن الماضي الاقتصادي للصين مذهل. ففي الفترة بين أواخر السبعينات عندما قرر الزعيم الصيني في ذلك الوقت دينغ هسياو بنغ، تبني الانفتاح الاقتصادي على العالم، وحتى عام 2010، سجل الاقتصاد الحقيقي الصيني معدل نمو نحو 10% سنوياً، في حين لم يتجاوز معدل النمو السنوي للاقتصاد الأميركي خلال الفترة نفسها 2.8%.

ولكن بعد 2010 تباطأت وتيرة نمو الاقتصاد الصيني، رغم أنه ظل متفوقاً على أغلب الاقتصادات الكبيرة في العالم، حتى في ظل جائحة فيروس كورونا المستجد. وخلال عقود قليلة قفزت الصين من أحد أكثر اقتصادات العالم تخلفاً، بإجمالي ناتج محلي يعادل أكثر قليلاً من 3% من إجمالي الناتج المحلي للولايات المتحدة، لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم بما يعادل أكثر من 70% من إجمالي الناتج المحلي للولايات المتحدة اليوم. وأصبحت الصين أكبر دولة مصنعة في العالم، ووفق بعض المعايير أصبحت أكبر دولة تجارية في العالم.

افتراض خاطئ

ورغم ذلك، سيكون من الخطأ القول إن هذا النمو القياسي الذي سجلته الصين يعكس بأي شكل تفوقاً للنهج الاقتصادي الصيني. فالنمو السابق للصين لم يكن ناتجاً عن السياسات ولا النظم الصينية، كما تردد السلطات هناك، بقدر ما هو نتيجة لمرحلة النمو التي مرت بها البلاد في السبعينات عندما بدأ النمو الاقتصادي لها يتزايد، وكانت الظروف مناسبة أمام نظامها المركزي. فكل ما كان يحتاجه مخططو الاقتصاد الصيني في ذلك الوقت هو مجرد النظر إلى الولايات المتحدة وغيرها من الدول المتقدمة للاسترشاد بها. وكان المستقبل في ذلك الوقت واضحاً أمام أعينهم. ولكن مع تطور الاقتصاد الصيني ولحاقه بالاقتصادات المتقدمة، فقد المخططون الصينيون النماذج التي يسترشدون بها، وأصبح لزاماً عليهم الآن، مثل أي اقتصاد متقدم، تخمين الاحتياجات المستقبلية لاقتصادهم، وهي مهمة أشد صعوبة بالنسبة لأي مخطط وتمثل خطراً كبيراً بالنسبة لاقتصاد مخطط مركزياً، كما هو الحال في الصين.

أخطاء

ولذلك لم يكن غريباً أن تتزايد أخطاء التخطيط الاقتصادي للصين. وينبع جزء من المشكلة من حقيقة أن المخططين واجهوا صعوبات في التكيف مع تغير واقع الاقتصاد الصيني. وبدلاً من التركيز على قطاعات الخدمات وغيرها من الأنشطة الأكثر تقدماً لمواصلة النمو الاقتصادي، استمر تركيز مخططي الاقتصاد الصيني على المشروعات التنموية التي حققت النمو في البداية، مثل مشروعات الإسكان والبنية التحتية. وكانت النتيجة أن أكثر من 20% من الوحدات السكنية التي أقيمت في البلاد مازالت خالية. وأصبحت هناك طرق حديثة وخطوط قطارات فائقة السرعة لا تخدم أحد تقريباً.

وأدت القائمة المتزايدة للمشروعات الضخمة غير المجدية في الصين إلى إهدار الموارد وتراكم الديون، سواء على الحكومة أو الشركات الكبرى. وأبرز نموذج على هذا شركة إيفرغراند العقارية العملاقة، التي تعثرت في سداد ديونها وأصبحت تواجه شبح الانهيار. وهذا السيناريو يتكرر مع الكثير من الشركات العقارية في الصين، بعد سنوات من تركيز الحكومة على مشروعات الإسكان دون دراسة للاحتياجات الفعلية للسوق.

إخفاق متراكم

وتأكد الإخفاق المتراكم للتخطيط الاقتصادي في الصين من خلال تراكم الديون، سواء على الحكومة أو الشركات المملوكة للدولة أو حتى الشركات الخاصة. ولا تعكس أرقام الديون البسيطة للحكومة المركزية الصينية حقيقة الموقف، في ظل تراكم الديون على الحكومات الإقليمية والشركات المملوكة للدولة، وكذلك الشركات الخاصة التي باتت تمثل تهديداً للاستقرار الاقتصادي ككل في الصين.

وخلال العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، زاد إجمالي الديون في الصين بنسبة 23% سنوياً تقريباً، في حين كان متوسط معدل نمو الاقتصاد خلال الفترة نفسها 8% تقريباً، وهو ما يعكس آثار فشل التخطيط الاقتصادي.

وفي الوقت نفسه، يبدو الرئيس شي جين بينغ غير مدرك تماماً للصعوبات الاقتصادية المتزايدة التي تواجه بلاده. وفي حين يمكن القول إن الزعيم الصيني الراحل دينغ هسياو بنغ، خفف نهج الزعيم المؤسس للصين الشيوعية ماو تسي تونغ المركزي، يبدو أن شي يسعى إلى إعادة الروح لهذا النهج المركزي، وتعزيز السيطرة الحكومية على النشاط الاقتصادي.

التركيز على المشروعات نفسها

الأمر الأسوأ هو أن مخططي الاقتصاد الصيني مازالوا يركزون على النوع نفسه من مشروعات البنية التحتية التي حققت نتائج جيدة في الماضي، لكنها الآن محل شك كبير، في ظل التطورات التي شهدها الاقتصاد الصيني خلال العقود الأربعة الماضية.

ومن غير المحتمل أن يجد شي صعوبة في الفوز بفترة حكم ثالثة، وتأمين حكمه مدى الحياة كما يأمل.

ومع ذلك فإن التيار المخالف قد يكتسب المزيد من القوة مع تراكم فشل النموذج الحالي. وإذا أظهر شي قدراً من المرونة، ستنجح الصين في تجنب إهدار المزيد من الموارد وتجاوز العقبات الاقتصادية والمالية ذات الصلة. لكن حتى إذا حدث هذا، لن تحقق بكين النمو الاقتصادي المذهل الذي سجلته قبل ذلك، وقد لا تنجح في التفوق على الولايات المتحدة كأكبر اقتصاد في العالم، فالمخاوف بشأن النمو الاقتصادي للصين لم يعد لها ما يبررها. 

• يخشى المراقبون في الولايات المتحدة أن يشير هذا النمو السابق إلى تفوق النموذج الاقتصادي الصيني القائم على المركزية وسيطرة الدولة، مقارنة بالنموذج الأميركي القائم على مبادئ اقتصاديات السوق الحرة، والذي يبدو ديمقراطياً فوضوياً.

• النموذج السلطوي القائم على السيطرة من أعلى إلى أسفل في تنظيم الاقتصاد الصيني سيخلق مشكلات اقتصادية ضخمة. وقد بدأت هذه المشكلات في الظهور بالفعل.

• خلال عقود قليلة قفزت الصين من كونها أحد أكثر اقتصادات العالم تخلفاً، بإجمالي ناتج محلي يعادل أكثر قليلاً من 3% من إجمالي الناتج المحلي للولايات المتحدة، لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بما يعادل أكثر من 70% من إجمالي الناتج المحلي للولايات المتحدة اليوم.

تويتر