الكاتب البريطاني مارتين إيفنز:

أزمة رهائن المملكة المتحدة تُظهر أن الالتزام بالمبادئ باهظ الكلفة

صورة

تتباين مواقف الدول في حال تعرض أحد من رعاياها للاختطاف والاحتجاز كرهينة، وطلب فدى، حيث تفضل دول دفع الفدية في هدوء، سراً أوعلانية، لضمان إطلاق سراح آمن، وتتشدد أخرى علانية، وتدفع في الخفاء، حتى لا يعد ذلك نوعاً من الخضوع للخاطفين، أو الإرهابيين في معظم الأحيان، فليس هناك مبدأ ثابت يلتزم به الجميع في مثل هذه الحالات.

وتناول الكاتب الصحافي البريطاني، مارتن إيفنز، في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء موقف الولايات المتحدة وبريطانيا في هذا الشأن، حيث ركز على قضية نازنين زاغاري-راتكليف، وهي بريطانية من أصل إيراني، تقبع في السجون الإيرانية منذ عام 2016، لإدانتها بـ«التآمر للإطاحة بالحكومة»، بعد اعتقالها أثناء زيارتها لعائلتها وأصدقائها، حيث ولدت. ونفت زاغاري-راتكليف الاتهام، وهي تخضع حالياً للإقامة الجبرية بمنزل والديها، بعد رفض استئناف ضد إدانتها الأخيرة.

لا تنازلات

ولم تقدم الحكومة البريطانية أي تنازلات لمن يحتجزونها، في تطبيق معياريّ للسياسة «الأنغلوسفير» (البلدان الناطقة بالانجليزية)، وهي سياسة موروثة من الماضي الإمبراطوري للمملكة المتحدة.

وأشار تقييم مستقل قام به خبراء، في وقت سابق العام الجاري، إلى أن زاغاري-راتكليف تعرضت للتعذيب، والتهديد بالانفصال للأبد عن ابنتها، بهدف ممارسة ضغوط على الحكومة البريطانية، حيث إنها تشكل وآخرون من مزدوجي الجنسية، ورقة مساومة لديون لم تسددها بريطانيا لإيران.

وفي الوقت الذي تدفع حكومات أوروبية أخرى ملايين الدولارات، فدى للجماعات الإرهابية والنظم المارقة التي تختطف مواطنيها، ترفض أميركا وبريطانيا التفاوض. وحتى إسرائيل التي تلاحق بقوة وعناد من يقتل أحد مواطنيها، تريد أن تطلق سراح مئات السجناء لديها مقابل حياة رجل واحد، أو امرأة واحدة، وجرى أخيراً استئناف المفاوضات بشأن أربعة إسرائيليين اختطفتهم، أو أسرتهم، حركة «حماس» الفلسطينية.

ولا تتسم الإدارة الأميركية دائماً بالتشدد في ممارستها، حيث تتم الوساطة في صفقات غير مباشرة من أجل إطلاق سراح الرهائن، مع تجنب أي ارتباط علني بدفع فدى.

ورغم ذلك، فإن الخارجية البريطانية شديدة التمسك بالمبدأ، لدرجة عدم الاكتراث بالمعاناة الإنسانية. وعلى نحو أكثر إنصافاً، يمكن القول إنه بدلاً من موقف دفع فدية، أرجأت الحكومة البريطانية ومسؤولوها، في مسألة زاغاري-راتكليف، تسوية مواجهة محتدمة.

ويعود الكاتب الصحافي إيفنز إلى عام 1971، حيث وافق شاه إيران على شراء 1500 دبابة «تشيفتي» من الحكومة البريطانية، لكن المملكة المتحدة رفضت تسليم الدبابات لحكومة آية الله الخميني الثورية، التي أطاحت بالشاه عام 1979، كما رفضت إعادة 400 مليون جنيه إسترليني دفعتها طهران عربوناً للصفقة، وطالبت إيران بإعادة أموالها، ووصلت المسألة في نهاية المطاف إلى التحكيم أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي، التي جاء قرارها في مصلحة إيران.

ويقول إيفنز إن بريطانيا لم تسدد هذه الأموال حتى الآن، ولم تقدم تفسيراً رسمياً لاحتجازها، وقد تعني إعادة الأموال الآن، أنها فدية لإنقاذ زاغاري-راتكليف، ومزدوجي الجنسية الآخرين الذين تحتجزهم طهران ظلماً.

قرار سيادي

وقال وزير الخارجية الأميركية، أنتوني بلينكن، إن تسوية مسألة الدَّين البريطاني لإيران «قرار سيادي للمملكة المتحدة».

ويرى إيفنز إنه ليس هناك ما يمنع ذلك، حيث كان لأميركا السبق في هذا المضمار، ففي عام 2016 قام الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، بنقل كميات من اليورو والفرنك السويسري وعملات أخرى، بما يعادل 400 مليون دولار، على متن طائرة إلى إيران سراً، ليتم في اليوم نفسه إطلاق سراح أربعة سجناء أميركيين لديها.

ويشير إلى أن التشدد البريطاني-الأميركي في مسألة دفع الفدى قد لا يؤتي ثماره، ففي عام 2015 احتجز تنظيم «داعش» الإرهابي 23 أسيراً في سورية، حيث تم قتل ستة أو سبعة أميركيين أو بريطانيين، وإطلاق سراح 15 من الـ16 الباقين بعد دفع فدى.

وتشير دراسة تناولت 1000 حالة اختطاف في الفترة من عام 2011 إلى عام 2013، إلى أن عدد المختطفين الأميركيين والبريطانيين كان ثابتاً خلال هذه الفترة، في حين أن الآخرين من الدول التي تستجيب لطلبات دفع فدى ارتفع بنسبة 30%، لكن ربما يتم إخفاء الأعداد الحقيقية للمختطفين، حيث قد تصف الحكومتان البريطانية والأميركية الخاطفين بأنهم مجرمون عاديون وليسوا إرهابيين.

وعندما اختطف قراصنة صوماليون المواطنة البريطانية، جوديث تيبوت، عام 2011، لم تنظر «الخارجية» البريطانية بدقة في التفاصيل حيث إن شركة «كنترول ريسكس» البريطانية، العالمية، المتخصصة في مجال الأمن، ضمنت إطلاق سراحها.

ولا تأخذ هذه الحسابات في الاعتبار احتجاز مزدوجي الجنسية من قبل دول معادية. وبعض النظم السلطوية مثل إيران لا تعترف بازدواج الجنسية، وبالتالي فإن امرأة مثل زاغاري-راتكليف ينتهي بها المطاف أن تصبح ورقة مساومة.

ويوم الأربعاء الماضي، قال رئيس وزراء بريطانيا، بوريس جونسون، أمام إحدى لجان مجلس العموم، إن سداد الدَّين المستحق على بريطانيا لإيران «أمر جدير بأن ينظر فيه»، من أجل إطلاق سراح زاغاري-راتكليف، لكنه أشار إلى «تعقيدات».

وربما يكون الأمر أكثر تعقيداً بالنسبة لجونسون، الذي أهدى طهران انتصاراً دعائياً عندما كان يشغل منصب وزير الخارجية، حيث أعلن، عام 2017، أن زاغاري-راتكليف كانت «تقوم بتدريس الصحافة للناس» قبل إلقاء القبض عليها. وقد منح هذا صدقية زائفة لاتهامها بالتورط في دعاية مناوئة للنظام.

ويختتم إيفنز تحليله بالتعبير عن الأسف، حيث إن رئيس الوزراء جونسون لا يستطيع أن يعد ريتشارد راتكليف بعودة زوجته قبل عيد الميلاد (الكريسماس)، لكن إذا ما كانت المملكة المتحدة قررت أن الصواب من حيث المبدأ أن تعيد الـ400 مليون جنيه أسترليني لإيران، فلماذا يكون ذلك عاجلاً غير آجل؟ فخير البر عاجله.

• التشدد البريطاني - الأميركي في مسألة دفع الفدى قد لا يؤتي ثماره، ففي عام 2015 احتجز تنظيم «داعش» الإرهابي 23 أسيراً في سورية، حيث تم قتل ستة أو سبعة أميركيين أو بريطانيين، وإطلاق سراح 15 من الـ 16 الباقين بعد دفع فدى.

• تشير دراسة تناولت 1000 حالة اختطاف، من عام 2011 إلى عام 2013، إلى أن عدد المختطفين الأميركيين والبريطانيين كان ثابتاً خلال هذه الفترة، في حين أن الآخرين من الدول التي تستجيب لطلبات دفع فدى ارتفع بنسبة 30%.

تويتر