«سونينالي» يعرف محلياً باسم «شارع العرب»

«سورية مصغرة» صنعها اللاجئون السوريون في ألمانيا

صورة

استطاع اللاجئون السوريون تغيير التركيبة الثقافية للعاصمة الألمانية بطريقة لم تشهدها البلاد منذ الستينات، عندما تدفق العمال الأتراك داخل ألمانيا، فقد تسبب قرار المستشارة الألمانية المنتهية ولايتها أنغيلا ميركل بفتح حدود ألمانيا أمام مليون لاجئ في عام 2015 في حدوث صدع في أوروبا، وأثار الأحزاب المناهضة للهجرة. وأصبحت برلين ملاذاً لهؤلاء المهاجرين، لكن الحنين إلى الوطن لايزال يسكن قلوبهم.

في منطقة تورمستراس، على بعد ما يزيد قليلاً على 10 كيلومترات شمال غرب شارع سونينالي، يتذكر العديد من السوريين المركز الاجتماعي، حيث كان عليهم التسجيل عند وصولهم للمرة الأولى إلى البلاد. وتنتشر في هذه المنطقة الآن العديد من المطاعم ومحال الحلاقة والمحال التجارية السورية والعربية.

شارع العرب

أصبح شارع سونينالي المعروف محلياً باسم «شارع العرب»، أقرب شيء إلى موطن العديد من السوريين، حيث يستطيعون شراء اللحوم الحلال والفستق الطازج والحلويات المحشوة بالقشدة والجوز من بائعين من بني جلدتهم. ويمكن للسيدات أن يحصلن على الملابس للمحجبات، ويذهبن لصالونات تصفيف الشعر المخصصة للسيدات فقط. ويمكن للرجال الصلاة في المساجد والاجتماع في المقاهي التي تعيد لهم الإحساس بالوطن.

رمز سياسي

كما يعتبر شارع سونينالي أيضاً رمزاً سياسياً لسكان برلين الذين يودعون هذه الأيام مستشارتهم ميركل، فهذا الشارع ظل أحد أبرز رموز إرثها ويمثل التحديات المستمرة لدمج اللاجئين في المجتمع الألماني.

في هذا الشارع تعرض واجهات المتاجر لافتات باللغتين الألمانية والعربية ويرتفع دخان الشيشة، وتمتزج في فضائه اللغة العربية باللغتين الألمانية والإنجليزية. مجموعة كبيرة من المطاعم والمخابز والمقاهي تتخذ لها موقعاً في هذا الشارع، وتقدم مأكولات من سورية وتركيا ولبنان.

رائحة الوطن

وأصبح الشارع يمثل منارة للتعددية الثقافية، وقطباً جاذباً للطلاب والفنانين والمبدعين وحتى للألمان ذوي الدخل المنخفض، وساعد نتيجة لذلك في خلق البيئة المناسبة للاندماج. وهذا منطقي عند مقارنة هذه المنطقة بالعديد من المدن الأوروبية الأخرى، مثل باريس، حيث يتم دفع أحياء المهاجرين إلى الضواحي. وتظل النتيجة هي ظهور مشهد ديموغرافي متنوع، وفسيفساء متعددة الثقافات، وبذرة للتغيير الاجتماعي والثقافي.

وفي حين أن منطقة سونينالي كانت دائماً موطناً للأقليات العرقية، خصوصاً اللبنانيين والأتراك، إلا أنها تبدو الآن مثل «سورية مصغرة»، حيث استطاع العديد من المهاجرين أن يجدوا عملاً لهم في المطاعم والمتاجر ووكالات السفر التي تصطف في الشارع المورق الذي كان يقسمه ذات يوم جدار برلين. وبالنسبة لمن يفتقدون سورية، فإن الزيارة السريعة لهذه المنطقة تقربهم كثيراً من أذواق ورائحة الوطن.

يقول يمان عظيمة، (فلسطيني يبلغ من العمر 21 عاماً، انتقل إلى برلين من مخيم اليرموك للاجئين في دمشق عندما كان طفلاً): «عندما تطأ قدماك الشارع تنسى أنك في ألمانيا». ويقول الحلاق حمد (27 عاماً)، الذي ولد ونشأ في مخيم للاجئين بدمشق: «إنه مثل الوطن تماماً». ويضيف: «نحن نعرف كيفية تقليم اللحى وحلاقتها بشكل أفضل مما يعرفه الألمان».

اختلاف في وجهات النظر

وتوضح آراء كل من إبراهيم محمد (49 عاماً)، ومحمد مندو (55 عاماً)، الانقسام الثقافي، فبينما كانا يتجاذبان أطراف الحديث خارج متجر يبيع البقلاوة والحلويات السورية الأخرى، قال الرجلان إنهما أتيا إلى ألمانيا في عام 2015. تعلم محمد اللغة الألمانية بينما لم يتعلمها مندو. ويقول محمد إنه يأمل في أن يصبح سائق قطار، ويرى أن إتقانه للغة يسمح له بمتابعة السياسة الألمانية ولديه آراء حول الأحزاب التي تخوض الانتخابات.

ويعتقد أن الحزب الاشتراكي الديمقراطي جيد لأنه يريد رفع الحد الأدنى للأجور، كما أنه يعتبر وعد حزب الخضر بفرض حدود للسرعة على الطرق السريعة أمراً جيداً أيضاً. أما بالنسبة لحزب ميركل، حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، فيقول «إنه ليس سيئاً كما يعتقد البعض، فبعد كل شيء سمح لنا بالمجيء الى هنا».

قلق

ويقول مندو، وهو نجار عاطل عن العمل بسبب مشكلات في الكلى، إنه قلق للغاية بشأن زوجته وأطفاله الأربعة الموجودين في الأردن، ولهذا فإنه لا يجد وقتاً لتعلم اللغة أو الاندماج. وكلما شعر بالوحدة ذهب إلى سونينالي «لرؤية الناس فقط»، والأصدقاء من أجزاء مختلفة من سورية، الذين ارتبط بعلاقات معهم على مدى السنوات القليلة الماضية. ويقول: «هذا الشارع يذكرني بالأيام الخوالي في سورية».

في الوقت نفسه، مثله مثل العديد من السوريين، أصبح يقدر الأشياء العديدة التي تقدمها ألمانيا، مثل علاج غسيل الكلى الذي يحصل عليه مجاناً وحرية التعبير، على الرغم من أن الأمر استغرق معه ثلاث سنوات ليفهم أخيراً معنى حرية التعبير، وذلك بسبب نشأته في ظل نظام ديكتاتوري. إنها قصة مماثلة بالنسبة للسوريين الآخرين في برلين، فبرلين هي ملاذ، لكن جاذبية الوطن ليست بعيدة على الإطلاق.

شعور بالضياع

يتذكر مصطفى نعيم، (28 عاماً)، الذي يعمل في شركة أمنية، كيف شعر بالضياع عندما وصل للمرة الأولى إلى هنا. ويقول إن تلك الفترة كانت مظلمة، لكنه يقول إنه لا ينوي العودة إلى سورية، وهو ممتن لما قدمته له ألمانيا، لكنه لا يرى مستقبلاً في برلين لنفسه أو لعائلته المستقبلية، ويحلم بالحصول على الجنسية الألمانية والعيش في القاهرة. ويقول: «هناك فرق بين الأطفال الذين ينشأون على صوت الأذان وأولئك الذين ينشأون هنا».

أومأ عبدالكريم العبسي، (26 عاماً) بالموافقة، فعلى الرغم من أنه يعتز بتجربته في ألمانيا، بما في ذلك التقدير المكتسب حديثاً للثقافات الأخرى وحقوق المرأة، لكنه يرسم خطاً أحمر في تربية أسرته في بلد غير مسلم. ويقول العبسي: «لقد وجدنا هنا ثقافة جديدة، ولغة جديدة ونظاماً جديداً، لكنني لا أريد أن تواعد بناتي الشبان أو أن يشرب أطفالي الكحول».

دعوة للاندماج

هيمنت سياسة ميركل بشأن اللاجئين على الحملة الانتخابية الأخيرة في عام 2017. وبينما فازت في النهاية، تراجع التأييد لكتلتها المحافظة الحاكمة، وساعد ذلك حزب البديل من أجل ألمانيا المناهض للهجرة في الحصول على 13٪ من الأصوات.

وعادت الهجرة لفترة وجيزة كموضوع جدلي في ألمانيا بعد أن سيطر الرحيل الفوضوي لأميركا والناتو من أفغانستان على الأخبار الشهرين الماضيين، إلا أن موضوع اللاجئين اختفى بسبب عودة الجدل إلى الموضوعات الأساسية مثل تغير المناخ وتعافي البلاد من الوباء.

ومع ذلك يمكن أن يمثل موضوع المهاجرين تحدياً للإدارة المقبلة.

ويقول أستاذ الصحافة بجامعة العلوم التطبيقية في برلين، ماركوس زينر، إنه لاتزال هناك مخاوف بشأن ما يجري في سونينالي ومستوى المشاركة بين سكانها الجدد. ويضيف: «سيكون من الأفضل أن يكون اللاجئون أكثر اندماجاً، فإذا كانوا يتحدثون اللغة الألمانية، يستطيعون أن يكونوا جزءاً من ثقافتنا الألمانية».

تويتر