وسط الأوضاع الناجمة عن سيطرة «طالبان» عليها

سوق العملات في أفغانستان هي الأمل الأخير لاقتصاد البلاد

صورة

بعد سيطرة حركة «طالبان» على كابول في 15 أغسطس الماضي، عملت على تأمين السوق المركزية لتصريف العملات في الدولة. وتعتبر هذه السوق هي المركز المالي للدولة، حيث يتم تداول مئات الملايين من الدولارات بين أيدي التجار يومياً. وهي تشبه سوق الأسهم المالية من حيث صخبها وحركتها، بينما يسعى العاملون فيها إلى التوصل إلى أفضل الأسعار لتصريف عملاتهم.

وبالطبع فإن «طالبان» مهتمة بأموال الدولة، إذ عمدت إلى تشديد قبضتها على النظام المالي، بينما قامت الولايات المتحدة بتجميد 9.5 مليارات دولار هي أصول بنك «دا أفغانستان» المخزنة في المصرف الفيدرالي الأميركي في نيويورك. وأوقف صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، صرف مئات الملايين من الدولارات كقروض ومساعدات مقدمة لأفغانستان، التي باتت على حافة الإفلاس. وبالنظر إلى أن هذه التمويلات الأجنبية تعمل على دعم نحو 75% من الإنفاق العام في أفغانستان، ستواجه حركة «طالبان» والدولة برمتها أزمة مالية كبيرة.

خط الدفاع الأخير

وتعتبر سوق تصريف العملات في أفغانستان خط الدفاع الأخير ضد الكارثة المالية المحدقة. وقام المتعاملون في سوق العملات بدعم الاقتصاد خلال القرنين الماضيين، حتى في أوقات الأزمات. وإذا منحهم بنك «دا أفغانستان» والمجتمع الدولي الدعم الذي يريدونه فسيواصلون لعب دور حاسم لضمان استمرار التجارة والأعمال وانتشار العملة في أنحاء الدولة كافة.

زخم محدود

واكتسب القطاع المصرفي زخماً محدوداً نتيجة التنافس مع صرافي العملات والفقر المدقع الذي يعانيه الشعب الأفغاني. وتم إنشاء أول بنك في أفغانستان وهو «بنكم ميلي» في عام 1933، الذي قدم خدمات بنكية بدائية مثل حفظ حسابات بنكية للنخبة العاملة في الحكومة. وتم إنشاء بنك «دا أفغانستان» في عام 1939. وبحلول سبعينات القرن الماضي تم إنشاء ستة بنوك جديدة تعمل في الدولة، ولكن النمو ظل محدوداً نتيجة النظام الشيوعي في الفترة ما بين 1978-1992، عندما كانت التجارة الخارجية تتم عن طريق الدولة فقط، الأمر الذي قلل الطلب على التمويل البنكي من أجل تجار القطاع الخاص. وساءت الأوضاع نتيجة الحرب الأهلية في تسعينات القرن الماضي. وبحلول عام 2002 وصف البنك الدولي القطاع البنكي في أفغانستان بأنه «مدمر عملياً، وعفى عليه الزمن من ناحية التقنيات».

وإثر ازدهار البنوك عانت صرافة العملات كثيراً واضطرت إلى التكيف مع الظروف الاقتصادية والتحولات السياسية. وبعد سقوط حركة «طالبان» في عام 2001، أصبح تطوير القطاع البنكي مهمة أساسية لجهود بناء الدولة. وساعد صندوق النقد الدولي على ذلك. وبحلول عام 2010 كان هناك 17 بنكاً تعمل في أفغانستان. وتزايدت أصول البنوك من 261 مليون دولار عام 2004 إلى 4.26 مليارات في منتصف عام 2010.

وتغيرت سوق تصريف العملات أيضاً بعد عام 2001. وعندما سقطت حركة «طالبان»، كان تجار العملات يوفرون خدمتهم لشبكة مالية فاعلة. وبدأ المجتمع الدولي مشروعات التطوير في شتى أنحاء أفغانستان، ولم يكن أمامه أية خيارات سوى الاعتماد على تجار العملة لنقل التمويلات إلى المناطق النائية. وتم ضخ الكثير من العملات في سوق تصريف العملات المركزية، التي تضخمت من 200 متجر إلى 400.

وإثر عودة سيطرة حركة «طالبان»، والتوتر المرعب الذي سببته للاقتصاد، أثر ذلك في تجار العملة بطريقتين متعاكستين. فمن ناحية سيؤدي تدهور الوضع الأمني إلى دفع البعض إلى مغادرة السوق، حيث قام كثيرون بإرسال عائلاتهم إلى خارج أفغانستان، كما أن تدهور الوضع الأمني أدى إلى تناقص الاستثمارات الأمر الذي يضر بالقطاع الخاص، بما فيه تجار العملة. وأما من الناحية الأخرى، فسيؤدي الصراع إلى تشكل الفرص. ورغم محاولة الكثير من الأفغان الذين تجمهروا في مطار كابول للهروب من الدولة إلا أن كثيرين فشلوا في ذلك. ولذلك سيواصل الذين بقوا في الدولة طلب البضائع المستوردة. وعادت عمليات شحن البضائع من باكستان من خلال معبر «تورخام»، وبالطبع فإن التجار الذين سيقومون بهذه الشحنات سيحتاجون إلى تصريف العملات بهدف تمويل هذه التجارة. وقد أبلغني أحد التجار العاملين في المعبر، قائلاً «تجار العملة سيواصلون عملهم في كل الأحوال. إذ إنهم ينتظرون تحسن الوضع».

لا غنى عنهم

وبناء عليه، فإن تجار العملات سيظلون الجهة التي لا يمكن الاستغناء عنها، خصوصاً أن عقود القطاع المالي وبعض البنوك مغلقة الآن. وستضمن شبكتهم المالية الدولية بقاء أفغانستان متصلة بالعالم عبر حدودها. وعن طريق القيام بمخاطرات محسوبة في ظل ظروف أمنية ومالية غير مستقرة فسيكونون قادرين على توفير الخدمات المصرفية الأساسية لملايين الأفغان، ويلعبون دوراً مهماً لتخفيف وقع الأزمة الاقتصادية.

ولكن تجار العملات لا يمكنهم التعويض عن الأصول الحكومية المجمدة، وتقلص المساعدات الأجنبية. وإذا أرادت واشنطن تقديم المساعدة للشعب الأفغاني فعليها الانخراط في مفاوضات مع «طالبان» حول الإفراج عن الأموال المجمدة في الاقتصاد. وستكون الدولارات الأجنبية من الولايات المتحدة والمنظمات الدولية حيوية لدفع سوق تصريف العملة نحو استئناف نشاطاتها.

نافاي شوندري ■ باحث في جامعة كامبردج

تجار العملات سيظلون الجهة التي لا يمكن الاستغناء عنها، خصوصاً أن عقود القطاع المالي وبعض البنوك مغلقة الآن. وستضمن شبكتهم المالية الدولية بقاء أفغانستان متصلة بالعالم عبر حدودها. وعن طريق القيام بمخاطرات محسوبة في ظل ظروف أمنية ومالية غير مستقرة.

تعتبر سوق العملات في أفغانستان خط الدفاع الأخير ضد الكارثة المالية المحدقة. وقام المتعاملون في سوق العملات بدعم الاقتصاد خلال القرنين الماضيين، حتى في أوقات الأزمات.

تويتر