الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ تدق ناقوس الخطر

متوسط درجات الحرارة عالمياً يرتفـع 1.1 درجة منذ الثورة الصناعية

صورة

موجات الحرارة التي تسبّب درجات حرارة عالية تمتد لأيام، أصبحت أكثر تواتراً، وفي بعض المناطق، خصوصاً المناطق المعرضة للخطر، مثل القطب الشمالي، يزداد الاحترار بشكل أسرع من أي بقعة أخرى في العالم. درجات الحرارة المرتفعة هذه لها مجموعة من التأثيرات المتواصلة: تيار نفاث متغير، وجفاف أكثر حدة، بل وحتى زيادة في هطول الأمطار، على سبيل المثال لا الحصر.

الغرب الأميركي الموحش
ليس هناك مكان تتجلى فيه أزمة المناخ الوليدة أكثر من الغرب الأميركي، حيث أدى الجفاف والحرارة الشديدان إلى ظروف باتت تهدد الحياة، في الولايات المتحدة ارتفع متوسط درجات الحرارة العالمية بنحو 1.1 درجة مئوية منذ الثورة الصناعية، وفقاً للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، لكن هذا الرقم الصغير على ما يبدو يحجب الارتفاع الهائل والفوري في درجات الحرارة بأماكن معينة.
ويستند تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، إلى بحوث أجراها 234 مؤلفاً، أسهموا بأكثر من 14 ألف دراسة ومرجع، ويغطي جميع التحولات التي تحدث في البيئة، من طريقة استخدام المياه إلى مستوى الرطوبة في التربة، حيث ظلت الحرارة أساس كل هذه التغييرات.
وقد يؤدي أي من هذه التأثيرات المتتالية إلى حدوث مشكلات خطيرة إذا ما حدثت من تلقاء نفسها، وعندما تحدث تأثيرات عدة في وقت واحد، تتفاقم النتيجة، وهذا ما يحدث الآن في غرب الولايات المتحدة، حيث يواجه السكان ما أطلقت عليه الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ «حدثاً مركباً شديد الخطورة»، في غرب الولايات المتحدة هذا العام، أدت الحرارة إلى تبخير إمدادات مياه المزارعين ومربِّي الماشية، ناهيك عن المجتمعات المحلية. وأبلغت الولايات عن مئات الوفيات، حيث ينهار الأشخاص الذين لا يملكون تكييف الهواء في درجات حرارة لا يمكن السيطرة عليها، وأدت الحرارة إلى جفاف الغابات ما سبّب اشتعال الحرائق فيها.

أسوأ موسم حرائق على الإطلاق
تقول المؤلفة المشاركة في دراسات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ الأستاذة المشاركة بمدرسة البيئة بجامعة أنتيوكيا في كولومبيا، باولا أندرياس أرياس غوميز: «إنها مزيج من موجات الحرارة وظروف الجفاف، وأيضاً ظروف الرياح التي تسمح بانتشار الحرائق».
وقد أدى ذلك إلى أرقام قياسية للحرائق، وفيما شهدت كاليفورنيا، العام الماضي، أسوأ موسم حرائق على الإطلاق، شهدت الولاية هذا العام، ما يقرب من ثلاثة أضعاف المساحات المحترقة مقارنة بالوقت نفسه عام 2020.
الغرب الأميركي ليس وحده الذي يعيش ضائقة مناخية قاسية، للمرة الأولى قدمت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ هذا العام تحليلاً شاملاً لتغير المناخ على المستوى الإقليمي، ووفقاً للتقرير تعرضت كل منطقة على الكوكب بالفعل لضربة من الاحترار بشكل أو بآخر.
في الأماكن التي يواجه الناس بالفعل وضعاً مناخياً صعباً، بدأ حجم الواقع المناخي المتغير ظاهراً بشكل ملحوظ. في مركز مؤتمرات أوريغون المكيف ببورتلاند، أخبر دينيس هنري (71 عاماً) مجلة «التايم» بأنه سيفكر في الانتقال إلى ولاية أخرى إذا أصبحت موجات الحر منتظمة بالوتيرة نفسها. كان هنري قد لجأ إلى قاعة الاجتماعات للعيش فيها مؤقتاً، يقول: «إذا أصبح الوضع متطرفاً بدلاً من شبه طبيعي، لا لن أكون هنا»، لكنه يقول في الوقت نفسه، «لا يمكنني التخطيط إلى أين أنتقل، لأني لا أدري كيف سيكون ذلك المكان».
يستعد صانعو السياسات من جميع أنحاء العالم حالياً لإجراء محادثات حول ظروف المناخ العالمي، تهدف إلى وضع العالم على المسار الصحيح، لكي لا ترتفع درجات الحرارة لأكثر من 1.5 درجة مئوية بحلول نهاية القرن، ويقول رئيس مركز حلول المناخ والطاقة، نات كوهان، إن تقرير اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ: «يشكل نقطة انطلاق، لأولئك الذين يعتقدون أن هذه أزمة بالفعل»، لكن يجب الارتكاز أيضاً على قصص أولئك الموجودين على الأرض، الذين فقدوا بالفعل منازلهم وسبل عيشهم وأحباءهم.

وضع أقل تفاؤلاً يشهده العالم
قبل ثلاث سنوات، أصدرت هيئة علوم المناخ التابعة للأمم المتحدة، تقريراً تاريخياً يحذر من أن الكوكب في طريقه ليتجاوز الجهود السابقة للحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، وهي العتبة التي حذرت الأمم المتحدة من أنها ستُحدث آثاراً كارثية لتغير المناخ لا يمكن تلافيها، لكن أكدت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في التقرير نفسه، أن العديد من المسارات لاتزال مفتوحة أمامنا للحد من هذا الضرر، إذا تصرفنا على الفور.
في التاسع من أغسطس هذا العام، نشرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ وثيقة جديدة بإطار أقل تفاؤلاً بكثير، وفي ذلك تقول المجموعة إن المسار للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية، قد ضاق، ولم تحدد سوى سيناريو واحد معقول لتحقيق هذا الهدف، وهو السيناريو الذي يتطلب مستوى غير عادي من العمل، وحتى ذلك الحين لم تقدم المجموعة أي ضمان.
ويقول نائب رئيس الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، كو باريت: «لايزال من الممكن تفادي العديد من التأثيرات الأكثر خطورة»، ويستدرك: «لكنه يتطلب حقاً تغييراً تحولياً غير مسبوق، وخفضاً سريعاً وفورياً لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري».

تقارير محبطة
قد تكون تقارير مثل هذه محبطة للغاية في الواقع، لكن ربما يجب أن تكون كذلك. التقرير هو الأول من نوعه في سلسلة تخطط الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إصدارها، في الأشهر المقبلة، كجزء من تقرير التقييم السادس، وتغطي هذه السلسلة أحدث العلوم حول الآثار الفيزيائية لتغير المناخ، وتمرّ عبر قائمة طويلة من المجالات، حيث أثبت العلم بشكل قاطع أن البشر يعيثون فساداً بالكوكب، بدءاً من الطريقة التي يدور بها الماء عبر الكوكب إلى ذوبان الجليد الدائم.
لكن التقرير يقدم أيضاً تذكيراً - على حد تعبير رئيس الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أستاذ اقتصادات تغير المناخ والطاقة والتنمية المستدامة في جامعة كوريا، هوسونغ لي - بأن «كل جزء من الاحترار مهم»، وبغض النظر عن مدى سوء الأمور، يمكن لواضعي السياسات والشركات والأفراد تجنب زيادة الوضع سوءاً من خلال اتخاذ إجراءات عاجلة.
قائمة التغييرات التي تشكل هذا الواقع الأوسع طويلة، على سبيل المثال لا الحصر، كشف التقرير أن الاحترار الذي يسببه الإنسان قد يتسبب بالفعل في ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار قدم واحدة بحلول عام 2050، كما يُظهر أيضاً أن كل منطقة على الأرض تشهد بالفعل نوعاً من الطقس والمناخ المتطرف، وتعاني بعض المناطق موجات حرارة أكثر شدة، بينما يتعرض البعض الآخر لعواصف غير مألوفة ومستويات هطول أمطار غير مسبوقة.

قصص واقعية عن التغير المناخي
عاشت عائلة بيا نيغرو بالقصر نفسه في بليسم غرب ألمانيا، لمدة 300 عام، وقضت الـ300 عاماً الماضية في ترميم القصر لاستعادة مجده السابق، لكن في نحو الساعة الرابعة من صباح يوم الخميس 15 يوليو هذا العام، اضطرت العائلة إلى مغادرته في غضون دقائق، صرخ رجال الإطفاء عليهم من الخارج طالبين منهم إخلاء القصر، حيث اندفعت مياه الفيضانات نحوه. يقول نيغرو(32 عاماً): «لم نتمكن من إنقاذ أي شيء، لا الأثاث التاريخي ولا حتى الصور المتوارثة، فقط هواتفنا».
مثل كثيرين في ألمانيا والبلدان المجاورة، لم تتوقع عائلة نيغرو مدى شدة الفيضانات، قضت الليل هي وسكان القصر، البالغ عددهم 40 شخصاً، بمن فيهم جميع أفرادها بالكامل، بالإضافة إلى المستأجرين، يوم الأربعاء في نقل الأثاث إلى الطوابق العليا، وذهبوا للنوم بمجرد توقف هطول الأمطار في المساء، لكن بينما كانوا نائمين استمرت المياه الموحلة في الارتفاع ببليسم ما هدد السد المجاور بالانهيار، بعد فترة وجيزة من إخلاء السكان، غمرت المياه الموحلة القصر والقرية المحيطة به بالكامل، ويقول نيغرو إن المبنى لايزال يتعذر الوصول إليه، وقد أطلقت العائلة حملة تمويل جماعي لمحاولة إنقاذه.
هذا الشعور بالصدمة يشترك فيه العديد من الأوروبيين الشماليين الغربيين، اعتادوا إدارة قوية ومناخاً معتدلاً نادراً ما يتأثر بظواهر الطقس المتطرفة التي يشاهدونها في الأخبار، وكان القليل منهم على استعداد للمشاهد التي رأوها ذلك الأسبوع، بعد أسوأ فيضانات ضربت المنطقة منذ قرون.
هطل أكثر من سبع بوصات من الأمطار على أجزاء من ولايات راينلاند بالاتينات ونورد راين فستفالن غرب ألمانيا، في يوليو، أي ما يقرب من ضعف معدل هطول الأمطار المعتاد المتوقع لشهر يوليو بأكمله، ما تسبب في خروج الأنهار الرئيسة من مجاريها واجتياحها بالكامل القرى والبلدات.
توفي ما لا يقل عن 160 شخصاً في ألمانيا و31 في بلجيكا، وتضرر نحو 370 ميلاً من خطوط السكك الحديدية، وقالت المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، للصحافيين أثناء فحص الأضرار التي لحقت بشولد، وهي بلدة على نهر آهر: «اللغة الألمانية لا تحتوي على كلمات، على ما أعتقد، للدمار».
في مدغشقر، على سبيل المثال، يدفع أسوأ جفاف منذ 40 عاماً حالياً 400 ألف شخص نحو المجاعة، وفي صيف 2021 يبدو أنه لا يوجد مكان آمن في عصر تغير المناخ، حيث أصبحت قرية معتدلة في العادة، غرب كندا، لفترة وجيزة واحدة من أكثر الأماكن سخونة على وجه الأرض، قبل أن تدمر حرائق الغابات 90% من مبانيها، كما حدث اضطراب مأساوي - وإن كان أقل تدميراً - مما حدث في نيويورك ولندن هذا الشهر، عندما سقطت بوصات عدة من الأمطار في غضون ساعات قليلة، وتدفقت في أنظمة مترو الأنفاق، وتركت الركاب المفزوعين يخوضون في المياه القذرة التي يصل عمقها إلى الخصر.
ويعاني الناجون من الفيضانات في ألمانيا فقدان الإحساس بالأمان النسبي في مواجهة تغير المناخ، يقول القسيس، ألبي روبيك، الذي عينته الحكومة بمدينة بون لتقديم المشورة لمئات من الناجين في شمال الراين - وستفاليا: «نحن نعيش في مجتمع يعتقد أنه قادر على التحكم في الطبيعة، والآن يشعر الناس بالعجز حيال ما يحدث، علينا أن نخاف الماء والنار، مثل أسلافنا قبل 40 ألف عام، ومن الصعب جداً على الناس فهم ذلك».
 

. ليس هناك مكان تتجلى فيه أزمة المناخ الوليدة أكثر من الغرب الأميركي، حيث أدى الجفاف والحرارة الشديدان إلى ظروف باتت تهدد الحياة.


. يستند تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، إلى بحوث أجراها 234 مؤلفاً، أسهموا بأكثر من 14 ألف دراسة ومرجع، ويغطي جميع التحولات التي تحدث في البيئة، من طريقة استخدام المياه إلى مستوى الرطوبة في التربة، حيث ظلت الحرارة أساس كل هذه التغييرات.


. في مدغشقر، على سبيل المثال، يدفع أسوأ جفاف منذ 40 عاماً حالياً 400 ألف شخص نحو المجاعة، وفي صيف 2021 يبدو أنه لا يوجد مكان آمن في عصر تغير المناخ، حيث أصبحت قرية معتدلة في العادة في غرب كندا لفترة وجيزة، واحدة من أكثر الأماكن سخونة على وجه الأرض، قبل أن تدمر حرائق الغابات 90% من مبانيها.

تويتر