دفع حياته ثمناً لعدم قبول عرض «طالبان»

حاكم صيداباد يرفض مبلغاً مالياً مغرياً نظير تسليم المنطقة دون مقاومة

صورة

قتلت حركة «طالبان» حاكم منطقة صيداباد، عامر محمد ملك زاي، بعد أن رفض أن يسلمهم منطقته دون مقاومة نظير 500 ألف دولار، استدرجوه وأطلقوا النار على رأسه على مرأى اثنين من أبنائه.

واستخدمت ابنته البالغة من العمر 18 عاماً الحجارة البيضاء لتكتب عبارة «الله أكبر» على قبره، بينما ارتدت زياً باللون الأسود وظلت تقرأ آيات من القرآن الكريم على القبر. هذه العبارات نفسها ظلت تستخدمها «طالبان» لسنوات أثناء قتالهم المتواصل ضد القوات الأميركية وحكومة كابول المدعومة من الغرب، لكن في الأسبوع الماضي تحولت العبارات إلى صرخة مدوية من قبل الأفغان ضد حركة «طالبان» التي تجتاح البلاد مع انسحاب القوات الأجنبية.

ملك زاي، زعيم محلي يحظى باحترام كبير وشعبية طاغية بين أفراد منطقته، يقول أفراد عائلته إنه رفض عروض «طالبان» المتكررة عندما أغروه بمبلغ 500 ألف دولار في الأشهر الأخيرة لكي يسلم لهم منطقة صيداباد في مقاطعة وردك، جنوب غرب كابول، ولما رفض ظل يتلقى تهديدات يومية بالقتل.

تهديدات

اشتدت هذه التهديدات لدرجة أن هذا الحاكم علّم الشهر الماضي زوجته واثنتين من بناته كيفية استخدام الأسلحة النارية، مع تعليمات لهن بالقتال «حتى آخر قطرة» من دمائهن، إذا هجم عليهن «طالبان».

من ناحية يعتبر مقتل ملك زاي مثالاً على تكتيكات «طالبان» القاسية التي تتمخض عن تصميم غاضب من الأهالي للانتقام من الحركة، ما يشير إلى أن استيلاء «طالبان» على أفغانستان لن يكون موضع ترحيب من السكان الملطخين بالدماء. ومع تحقيق «طالبان» المزيد من المكاسب على الخريطة الأفغانية، فإن وفاة هذا الرجل تمثل حالة للتحدي والوقوف على المبدأ.

يقول الابن الأكبر لملك زاي، خريج كلية الهندسة، والذي طلب عدم الكشف عن اسمه لسلامته: «علمني والدي دروساً في الشجاعة والبطولة والوطنية، وأريد أن أسير في طريقه حتى أتمكن من تحقيق جميع تطلعاته». ويضيف: «إنه شهيد الوطن، مات في سبيل الله، وأنا فخور باستشهاده».

حيلة وكمين

كان الابن الثاني لملك زاي، وآخر أصغر منه سناً، مع والدهما في طريقهم لحضور حفل زفاف في كابول، اتصل رجل ادعى أنه من سكان صيداباد قائلاً إنه في حاجة ماسة إلى توقيع وثائق، وأقنعهم بالذهاب إلى عنوان ثم عنوان آخر، ولدى وصولهم إلى الموقع المحدد نزل ملك زاي من السيارة ليدهمه ثلاثة مسلحين ملثمين من متجر خضار قديم وأطلقوا النار على رأسه. ويصرخ الابن الثاني، بعينين محمرتين من شدة البكاء: «لن أستسيغ الحياة حتى أنتقم لوالدي».

في مقابلة له مع صحيفة «المونيتور» في فبراير 2020، ذكر ملك زاي أن «طالبان أخبرت مناصريها بعد توقيع اتفاق مع الولايات المتحدة، أنها ستنشئ حكومتها الخاصة، وتقتل وتقضي على أولئك الذين عملوا في السابق مع الحكومات المدعومة من الولايات المتحدة».

وتستهدف حملة الاغتيالات الحالية التي تنظمها «طالبان»، والتي كان من ضحاياها ملك زاي، المسؤولين الحكوميين والصحافيين ونشطاء المجتمع المدني المتعاونين مع القوات الأجنبية، وقد بدأت بالفعل منذ شهور. وفي الأسبوع الماضي قبل الاستيلاء على العاصمة هاجم مسلحون من «طالبان» منزل وزير الدفاع وقتلوا السبت المتحدث السابق باسم الرئيس أشرف غني.

حصل ملك زاي على درجة الماجستير في العلوم السياسية بجامعة كابول، بعد نيله شهادة في الإعلام من باكستان. ويقول الأفغان الذين عملوا معه منذ عهد «طالبان» الأول في أواخر التسعينات: إن هذا الرجل يتميز بنكران الذات، ويقدم كل مساعدة ممكنة لمواطني وردك. عمل مع مؤسسة خيرية، ثم خدم لسنوات في مجلس المحافظة، وكان مسؤولاً عن مشاريع المياه والصرف الصحي، وتوسيع النظام المدرسي ليشمل تعليم الفتيات.

نفوذ «طالبان» ملحوظ في وردك، فقد حاصر المسلحون منطقة صيداباد في الربيع، ولكن تم صدهم بعد شهر من ذلك بمساعدة قوات الأمن الأفغانية الإضافية والغارات الجوية الأفغانية. وتُظهر إحدى الصور التي التقطت في ذلك الوقت ملك زاي وهو يرتدي ملابس مموهة وتتدلى بندقية هجومية من فوق كتفه، وهو يهبط من طائرة هليكوبتر عسكرية.

يقول شقيق ملك زاي، صواب خان وردك، إنه تلقى طلباً في أواخر مايو للقاء «طالبان»، قالوا له إنهم سيعطون ملك زاي 500 ألف دولار إذا سلم منطقته دون مقاومة، وهو تكتيك شائع وفعال تتبعه «طالبان» لشراء المسؤولين المحليين والجنود المحاصرين ذوي الرواتب المنخفضة.

رفض ملك زاي العرض، وتحدث معه مسؤولون آخرون من «طالبان» عبر الهاتف مباشرة بشأن هذا الموضوع لكنه رفض أيضاً. لم يتمكن ملك زاي من حشد المزيد من القوات الحكومية، وبعد حصار آخر استمر 10 أيام نفد الرصاص من جنوده وسيطرت «طالبان» على المنطقة في 27 يونيو.

لم يخن بلاده

يقول وردك: «لم يكن أخي خائنا»، ويسترسل: «رغم أنني كنت ضد عمله في الحكومة، إلا أنني فخور بأنه لم يخن بلاده وشعبه، لقد دافع عنهم بشجاعة منقطعة النظير». وعلى النقيض من ذلك، يلقي وردك باللوم على الحكومة الضعيفة والفساد في كابول لعدم القدرة على حماية شقيقه، حتى وهو في كابول، وعدم القدرة على إرسال تعزيزات، ما أدى إلى مثل هذا التقدم السريع للحركة. ويقول: «لو كانت هناك إرادة قوية وقادة حكومة يتمتعون بالأمانة، فإن (طالبان) لن تستطيع فعل شيء، لن تستطيع التقدم، لكن للأسف فقدنا الثقة في حكومتنا». بعد سقوط صيداباد، تحولت عروض حركة «طالبان» المالية إلى تهديدات يومية بالقتل ضد ملك زاي، وأخبر أصدقاءه أنه قد لا يعيش طويلاً. وتقول زوجته وهي تبكي: «كان رجلاً كريماً، ففي كل مرة يعود فيها إلى المنزل يأتي معه بعض الضيوف، كان يحاول دائماً مساعدة الناس». وتختتم بقولها: «لن أسامح حركة (طالبان) المتوحشة، وسأعلم أبنائي الانتقام لأبيهم من خلال التعليم، وليس العنف».

• بعد سقوط صيداباد، تحولت عروض حركة «طالبان» المالية إلى تهديدات يومية بالقتل ضد ملك زاي، وأخبر أصدقاءه أنه قد لا يعيش طويلاً.

• نفوذ «طالبان» ملحوظ في وردك، فقد حاصر المسلحون منطقة صيداباد في الربيع، لكن تم صدهم بعد شهر من ذلك بمساعدة قوات الأمن الأفغانية الإضافية والغارات الجوية الأفغانية.

تويتر