المرصد.. «نهاية صحيفة ورقية»

لم يعد خبر إغلاق صحيفة ورقية يؤرق أحداً، فإغلاق «متجر بن» في زماننا أصبح أكثر إثارة للتساؤل من إغلاق صحيفة، لكن خبر تحول ثلاث صحف مسائية في مصر، استوقف القاصي والداني، لأن من بينهن صحيفة «المساء» القاهرية ذات السمعة والتأثير الاستثنائي في الصحافة المصرية والعربية.

فقد ولدت صحيفة «المساء» عام 1956 في قلب الأحداث، بوصفها التعبير الصحافي عن الجناح الأكثر راديكالية في ثورة 23 يوليو في مصر، وترأس تحريرها «الصاغ الأحمر» خالد محي الدين، الذي حولها لرأس حربة للدفاع عن معارك حامية، بدأت بالجلاء وتأميم قناة السويس، وبناء السد العالي، ثم اتسعت هذه المعارك لتصبح ذات أفق قومي وعالمي.

ضمت «المساء» كتيبة من الصحافيين المعروفين بمواقفهم ومواهبهم، صنعوا في المساء تاريخهم وتاريخها.

كذلك امتلكت الصحيفة تاريخاً ثقافياً نوعياً، حيث كان أبرز شاعرين وطنيين بيرم التونسي وفؤاد حداد من أبنائها، وتطور الأمر حين أنشأت أشهر ملحق ثقافي في الصحافة العربية، والذي أسسه الرائد عبدالفتاح الجمل، والذي ولد على صفحاته نجوم من المبدعين ظلت أسماؤهم لامعة حتى اليوم مثل، عبدالرحمن الأبنودي، وبهاء طاهر، ويحيى الطاهر عبدالله، وجمال الغيطاني، وصلاح عيسى، وإبراهيم أصلان، وسعيد الكفراوي، ويوسف القعيد.

كانت «المساء»، وطبقاً لشهادة نقيب الصحافيين المصريين السابق يحيى قلاش، والذي هو واحد من أبنائها، مسرحاً لمعارك كبرى لرموز لا تنسى في مصر، مثل محمد عودة، ويوسف إدريس، ويحيى حقي، وكانت تنافس بأعداد توزيعها، والشهادة لاتزال لقلاش، صحفاً يومية كبرى، وكانت قادرة دوماً على إيجاد جمهورها الخاص وسط المنافسات الكبرى.

كانت فكرة إغلاق «المساء»، خصوصاً عند الجيل القديم، مؤشراً لهزيمة مركبة، ومتعددة الأبعاد، إذ يكفي تصورهم أن فكرة «الإصدار المسائي» التي كانت لحظة ظهورها تمثل أعلى درجات الحداثة والتطور الصحافي، لم تعد تساوي شيئاً في زمن حول فيه الديجيتال قرار النشر إلى فعل يتم في أي ثانية بيسر لا يستحق أي طنين.

وإحقاقاً للحق، فإن قرار إغلاق «المساء» لم يتم بيسر، إذ شهدت الهيئة الوطنية ونقابة الصحافيين المصريين والمؤسسات المختلفة نقاشات موسعة، حول إمكانية تلاشي الضربة، لكن معظم النقاشات انتهت إلى أن «التطور التكنولوجي، وارتفاع أسعار الورق ومواد الطباعة، والأزمات الاقتصادية، والخسارة الفادحة التي تتلقاها مؤسسة التحرير التي تصدرها، يجعل من صدور القرار أمراً محتماً»، وأن «الرؤية الواقعية والتوقف عن حالة الإنكار هو المخرج الوحيد».

كان السؤال الوحيد الذي ردده الصحافيون، كما العائدون من تشييع عزيز في وباء، لكن هل هذا هو المصير الوحيد الذي سيتكرر بعناد لدى كل المؤسسات التاريخية التي بنوها، والتي تحمل تاريخاً لمهنتهم وبلادهم على طريقة «المساء»؟ هل أصبح الأمر كله مجرد وقت؟ وهل كل الذكاء والإبداع الانساني توقف عن أن يجد مخرجاً لصيغة مختلفة، حتى ولو من باب أن هذه الصحف كانت ولاتزال جزءاً من تاريخ هذه الأوطان. مجرد أسئلة!؟

تويتر