من أجل التفرغ لمهام أخرى في العالم

أميركا تسحب العديد من القوات والطائرات والأسلحة من الشرق الأوسط

صورة

قال مسؤولون أميركيون إن إدارة الرئيس جو بايدن، تعمل على خفض عديد الأنظمة الأميركية المضادة للصواريخ في الشرق الأوسط بشكل كبير، في عملية لإعادة تنظيم كبيرة لوجودها العسكري هناك، حيث ظلت هذه الأنظمة هناك لمواجهة التحديات التي تفرضها كل من الصين وروسيا.

وتسحب وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) الآن ما يقرب من ثماني بطاريات باتريوت مضادة للصواريخ، من دول من بينها العراق والكويت والأردن والمملكة العربية السعودية، وفقاً لمسؤولين، وقال هؤلاء المسؤولون إن نظاماً آخر مضاداً للصواريخ يُعرف باسم نظام دفاع منطقة الارتفاعات العالية الطرفية، أو «نظام ثاد»، يجري سحبه من المملكة العربية السعودية أيضاً، كما يتم تقليص أسراب الطائرات المقاتلة المخصصة للمنطقة.

وتعكس عمليات الانسحاب المتسارعة العديد من التغييرات الأخيرة على الأرض في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى الضرورات الاستراتيجية لواشنطن في ظل إدارة بايدن، فمع انتهاء الحرب في أفغانستان، وإنهاء عقدين من مكافحة المتشددين، اللذين ظلا عاملين رئيسين محركين لنشر القوات والأسلحة الأميركية، تريد إدارة بايدن حشد القوات الموجهة لمواجهة الصين، منافستها الرئيسة في مشهد الأمن القومي الذي يحدد الآن المنافسة بين القوى الكبرى.

نسخة منقحة

وبشكل منفصل، تركز سياسة إدارة بايدن تجاه إيران - الخصم الرئيس للولايات المتحدة في الشرق الأوسط - على المفاوضات حول إعادة الدخول في نسخة منقحة من الاتفاقية النووية لعام 2015، وبسبب ذلك يرى مسؤولو «البنتاغون» أن خطر الحرب يتضاءل بعد أن استخدمت إدارة الرئيس السابق، دونالد ترامب، حملة ضغط قصوى لما يعرف بسياسة حافة الهاوية العسكرية، أو الضغط العسكري الأقصى الذي يقترب من الانفجار.

كما عزز حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، مثل المملكة العربية السعودية، دفاعاتهم في مواجهة هجمات ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران، التي تخوض السعودية معها حرباً طويلة الأمد في اليمن. وتسعى إدارة بايدن إلى نقل العلاقات مع روسيا إلى نقطة أكثر قابلية للإدارة، ما يخفض قلقها بشأن الهجمات الإلكترونية الروسية وزيادة القوات، وهو هدف رئيس لقمة الرئيس بايدن مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، التي عقدت في جنيف.

وتعمل الولايات المتحدة أيضاً على تقليص وجودها في العراق، حيث خفضت وضع قواتها، العام الماضي، بمقدار النصف (أو 2500 جندي)، لأن المسؤولين يعتقدون أن القوات العراقية يمكن أن تؤمّن البلاد.

ويقول مسؤولون أميركيون إن التخفيضات الأخيرة، التي لم يتم الإبلاغ عنها من قبل، بدأت في وقت سابق من هذا الشهر، بعد مكالمة في الثاني من يونيو، أبلغ فيها وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، بالتغييرات. ويقول مسؤولون أيضاً إن معظم المعدات العسكرية التي يتم ترحيلها موجودة بالفعل في المملكة العربية السعودية.

وكانت الولايات المتحدة قد أرسلت أنظمة باتريوت مضادة للصواريخ إلى العراق بعد أن أطلقت إيران، في يناير 2020، صواريخ على قاعدة عين الأسد، غرب العراق، حيث تتمركز القوات الأميركية، وجاء الهجوم الإيراني رداً على هجوم بطائرة مسيّرة أميركية، أسفر عن مقتل القائد العسكري الإيراني، قاسم سليماني. وبدأت «البنتاغون» إرسال بطاريات باتريوت المضادة للصواريخ و«نظام ثاد» إلى المملكة العربية السعودية بعد أن تعرضت منشأة نفطية سعودية لهجوم بطائرات مسيرة إيرانية، في سبتمبر 2019.

تهديد

ولاتزال الميليشيات المدعومة من إيران والمجهزة بطائرات بدون طيار تشكل تهديداً للولايات المتحدة وقوات التحالف في العراق، حيث أشارت أصابع الاتهام إلى إيران بشأن سلسلة هجمات بطائرات مسيرة، في الأسابيع الأخيرة، ببغداد وشمال العراق. وفي حقيقة الأمر أن أنظمة مثل باتريوت لا تحمي من هجمات الطائرات بدون طيار، لكن يُنظر إليها على أنها تساعد في حماية القوات الأميركية من تهديد الصواريخ الباليستية الدائم، ونفت إيران مسؤوليتها عن الهجمات الأخيرة.

ويقول مسؤول دفاعي أميركي كبير إن عمليات سحب المعدات ترقى إلى مستوى العودة إلى وضع تقليدي أكثر للدفاع في المنطقة، وفي عهد ترامب نشرت الولايات المتحدة أنظمة دفاعية، بالإضافة إلى القوات وأسراب مقاتلات نفاثة وسفن حربية، لدعم حملة الضغط القصوى ضد إيران.

وقال مسؤولون أميركيون إن الأجهزة لم تردع إيران أو وكلاءها عن الأعمال المزعزعة للاستقرار، وقالوا إن المملكة العربية السعودية حسنت أيضاً من قدراتها الدفاعية، حيث اعترضت معظم الهجمات الصاروخية بنفسها من دون مساعدة جهات خارجية.

بالإضافة إلى ذلك، تم استخدام الأنظمة المضادة للصواريخ الأميركية بكثافة، في السنوات القليلة الماضية، وتحتاج إلى إعادتها إلى الولايات المتحدة للصيانة والتجديد، كما يقول المسؤولون.

ويقول مسؤول أميركي دفاعي كبير: «ما نراه هو إعادة تنظيم الموارد وترتيب الأولويات الاستراتيجية»، ما أكد أن الموارد الآتية من المنطقة ليست سوى جزء بسيط مما تنشره الولايات المتحدة هناك، وأضاف: «مازلنا نحتفظ بعشرات الآلاف من القوات في المنطقة، ولاتزال لدينا قوات في العراق وسورية، وتلك القوات لن تغادر، وقال مسؤول أميركي آخر: «لاتزال لدينا قواعدنا في دول شركائنا الخليجيين، ولم يتم إغلاقها، ولايزال هناك وجود كبير، وموقف قوي في المنطقة».

تغير الظروف

ويقول مسؤول في البيت الأبيض إن بعض الأفراد والمعدات من أفغانستان، يجري نقلهم إلى الشرق الأوسط للرد على بعض التهديدات في المنطقة، ورفضت القيادة المركزية الأميركية، التي تشرف على القوات الأميركية في الشرق الأوسط وأفغانستان، التعليق على هذه التغييرات، ولم يرد المسؤولون الذين يمثلون الدول المتضررة على الفور على طلبات التعليق.

وأكد مسؤولون سابقون، شاركوا في قرارات زيادة الدفاعات الأميركية بالمنطقة، بأن الظروف قد تغيرت منذ ذلك الحين، في الشرق الأوسط وخارجه.

وتقول القائمة بأعمال مساعد وزير الدفاع خلال إدارة ترامب، كاثرين ويلبارغر، التي ظلت تعمل على حل مشكلة التوترات مع إيران باستخدام الأدوات الدبلوماسية، إن «قرار سحب المعدات منطقي، بعد أن استطاعت المملكة العربية السعودية تحسين قدراتها الدفاعية، وفي الوقت الذي تسعى الولايات المتحدة إلى حل التوترات مع إيران باستخدام الأدوات الدبلوماسية»، ويلبارغر هي الآن زميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وتتساءل: «هل هناك بعض المخاطر المتزايدة؟»، وترد: «نعم، لكن الأمر يتعلق بإدارة المخاطر، وليس حلها».

ومن المقرر أن تراجع إدارة بايدن، الشهر المقبل، وضع قواتها العسكرية، وهو القرار الذي طال انتظاره، لكن «البنتاغون» تقوم بالفعل بتحريك قطع الشطرنج حول لوحة عالمية لتعزيز هدفها في مواجهة الصين وروسيا.

ومع ذلك، لا يتم بالضرورة نقل أنظمة باتريوت، التي كان الطلب عليها مرتفعاً منذ سنوات، إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بل إعادتها إلى الولايات المتحدة للصيانة، ما يسمح للجيش بزيادة تركيزه في أماكن أخرى.

هذه الخطوة هي المرة الثانية هذا العام التي تنقل فيها الولايات المتحدة بطاريات باتريوت المضادة للصواريخ من الشرق الأوسط، وفي ربيع هذا العام نقل الجيش الأميركي ما لا يقل عن ثلاثة بطاريات صواريخ باتريوت من المملكة العربية السعودية، وفكر أيضاً في نقل نظام «ثاد».

فرصة لزيادة الأهداف

ويقول مسؤولون أميركيون إن سحب هذه الموارد يمكن أن تنظر إليه روسيا والصين، اللتان توسعان نفوذهما العسكري والاقتصادي في الشرق الأوسط، على أنه فرصة لزيادة أهدافهما. لكنّ مسؤولي الدفاع يشيرون إلى مجموعة كبيرة من تعاملات الولايات المتحدة مع دول المنطقة، بما في ذلك المبيعات العسكرية الخارجية والتعاون الأمني والمناورات العسكرية المشتركة، والإبقاء على القوات البرية الأميركية.

ويقول مسؤول دفاعي أميركي: «نعم، ستحاول روسيا والصين الاستفادة من التعديلات في الموقف لإرسال رسالة مفادها أنه لا يمكن الاعتماد على الولايات المتحدة»، ويضيف: «الحقيقة أنه لن يحل أي منهما محل الولايات المتحدة في المنطقة، ولن يتم استبدال مواردهما بما نقدمه نحن من موارد دفاعية».

• لاتزال الميليشيات المدعومة من إيران، والمجهزة بطائرات بدون طيار، تشكل تهديداً للولايات المتحدة وقوات التحالف في العراق.

• تسعى إدارة بايدن إلى نقل العلاقات مع روسيا إلى نقطة أكثر قابلية للإدارة، ما يخفض قلقها بشأن الهجمات الإلكترونية الروسية وزيادة القوات، وهو هدف رئيس لقمة الرئيس بايدن مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، التي عقدت في جنيف.

• تعكس عمليات الانسحاب المتسارعة، العديد من التغييرات الأخيرة على الأرض في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى الضرورات الاستراتيجية لواشنطن في ظل إدارة بايدن، فمع انتهاء الحرب في أفغانستان، وإنهاء عقدين من مكافحة المتشددين، تريد إدارة بايدن حشد القوات لمواجهة الصين، منافستها في مشهد الأمن القومي الذي يحدد الآن المنافسة بين القوى الكبرى.

تويتر