يحتاج الأمر إلى الكثير من العمل

الفساد والمحسوبية والولاءات الطائفية تحول دون بناء دولة العراق الحديثة

صورة

ظهر التاسع من هذا الشهر، القيادي بالحشد الشعبي، قاسم مصلح، في ضريح الإمام الحسين في كربلاء. تم الإفراج عنه بعد أن اعتقلته السلطات قبل أسبوعين من ذلك، للاشتباه في ارتكابه جريمة قتل، وتحلق حوله الناس لتهنئته. سأله مراسل «الإيكونوميست» عن سبب الإفراج المفاجئ، وردّ عليه «لم يكن لديهم أي دليل ضدي».

يعتبر الكثير من العراقيين أن إطلاق سراحه يعد مؤشراً الى مدى ضعف دولتهم. كان الادعاء قد اتهمه باغتيال أحد نشطاء مكافحة الفساد والنفوذ الإيراني. وعندما تم اعتقاله، احتل أنصاره المدججون بالسلاح على الفور أجزاء من المنطقة الخضراء، حيث يوجد مقر الحكومة المركزية. وبدلاً من المجازفة بمواجهة دموية معهم، أطلقت الدولة سراحه.

اتجاه لمقاطعة الانتخابات

يستعد العراق لانتخابات في أكتوبر المقبل. وتمت دعوة الأمم المتحدة للإشراف على الانتخابات. ويتنافس 13 فصيلاً رئيساً على السلطة. سبعة منهم شيعة، وأربعة من السنة، واثنان كرديان. ومن المحتمل أن ينبثق من هذا الخليط تحالفان عريضان من الشيعة والأكراد والسنة: أحدهما يميل نحو إيران، والآخر تجاه أميركا ودول الخليج. وقد يحصل رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، (الذي يشغل منصباً أقوى من منصب رئيس البلاد)، على فترة ولاية ثانية إذا اقتنعت الفصائل بمرونته.

ومع ذلك، يتساءل العراقيون عن مدى قوة السلطة التي ستتمتع بها الحكومة التي سينتخبونها بالفعل. ويخشى كثيرون من أنه بغض النظر عمّن سيفوز، فإن الميليشيات، والقبائل، والفصائل الفاسدة، والقوى الأجنبية، هي التي ستسيطر على المشهد في النهاية. ويخطط كثير من العراقيين لمقاطعة الاقتراع. خمسة شبان في مطعم بالبصرة جنوبي البلاد يلخصون الحالة المزاجية السائدة، ويقولون إن جميعهم شارك في الاحتجاجات الضخمة التي هزت البلاد في عام 2019. الكثير من الندوب على أجسادهم تظهر تعرّضهم للضرب من قبل رجال الميليشيات. ويقول الموظف الحكومي (نبيل)، الذي أصيب جراء ضربه بهراوة «أريد بلداً حراً». ومثله مثل العديد من العراقيين، يشعر بالقلق من أن وطنه يتعرض للتجاذب والخراب من قبل قوى خارجة عن سيطرة الحكومة.

النفوذ الإيراني

كان قائد فيلق القدس قاسم سليماني، أحد كبار الجنرالات الإيرانيين، الذين يزورون البلاد بانتظام للمساعدة في تنظيم الميليشيات الشيعية في العراق. قتلته طائرة بدون طيار العام الماضي أثناء مغادرته مطار بغداد. حطام سيارته المتفحم مثبت الآن على قاعدة بالقرب من المكان الذي مات فيه. إنه واحد من أول المناظر التي يراها الزوار، إلى جانب عدد لا يحصى من اللوحات الإعلانية لوجه سليماني، ولوحة لنائب رئيس الحشد الشعبي أبومهدي المهندس، الذي قتل معه في الهجوم نفسه.

العديد من ميليشيات الحشد الشعبي، التي يتكون معظمها من الشيعة، ساعدت في هزيمة تنظيم «داعش»، الذي سيطر ذات مرة على ثلث الأراضي العراقية. لكن ميليشيات الحشد الشعبي لم يتم تسريحها بعد هزيمة «داعش» في 2017. وعلى العكس من ذلك فقد حصلت العام الماضي على تمويل عام يساوي 2٪ من الناتج المحلي. ويقول معظم العراقيين إن الحكومة تموّل هذه القوات العسكرية الخاصة، المشكوك في ولائها، ببذخ تحسده عليها العديد من الجيوش الرسمية، (الجيش العراقي يحصل على 4٪ من الناتج المحلي).

يقول الزعيم الروحي للواء العاشر في الحشد الشعبي، الشيخ عبدالزهرة الغانم: «نحن نتبع أوامر رئيس الوزراء دائماً». لكن الصور الموجودة على جدار مكتب الغانم هي لسليماني وعلي خامنئي (المرشد الأعلى لإيران). أما أبوفاطمة البصري، الذي يدير مركز الشهداء، حيث يعمل الغانم، فيقول: «في الأمور الدينية، نتبع آية الله خامنئي، أما في الأمور الدنيوية، نحن نتبع رئيس الوزراء». ولكن السؤال هو ماذا لو كانت تعليماتهم تتعارض؟ يقول: «إيماننا به يتجاوز رئيس الوزراء».

ويضيف البصري أنه يريد أن يرى الحشد الشعبي مثل الحرس الثوري الإيراني. ولكن هذا احتمال مرعب بالنسبة للعديد من العراقيين، حيث تستجيب هذه النخبة من القوات الإيرانية للمرشد الأعلى، وليس للرئيس، وتدير إمبراطورية تجارية واسعة وفاسدة.

فساد وابتزاز وتهريب

يسيطر الحشد الشعبي بالفعل على بعض الوزارات، ويحصل على مبالغ يتم تحصيلها من خلال الابتزاز والتهريب. وينتشر الاستياء بين العراقيين من إيران ووكلائها، حيث أضرم محتجون منهم النار في قنصلية إيران في كربلاء الشهر الماضي. وأحرق آخرون مكتباً للحشد في الناصرية العام الماضي. ولايزال السخام يكسو جدران المكتب. ويدعّي رجال رئيس الوزراء أنهم يكبحون تدريجياً قوة الميليشيات. الشهر الماضي، أصدر الكاظمي تقريراً يزعم أن الحكومة صادرت 1700 صاروخ العام الماضي من هذه الميليشيات، لكنها لم تحدد من أيٍّ من هذه الميليشيات تمت المصادرة. وهناك مقترح لدمج الحشد مع الجيش. وجراء ذلك فقد الكثير من العراقيين الثقة برئيس الوزراء، فعندما زار الناصرية في 12 يونيو، رشق متظاهرون موكبه بالأحذية.

استنزاف الموارد

من المفترض أن تخدم الدولة مواطنيها، لكن الدولة العراقية تخدم موظفيها فقط. في الأعوام العادية، تستحوذ رواتب ومعاشات العاملين في القطاع العام على ثلثي الميزانية. ولكن في العام الماضي، عندما انخفضت أسعار النفط بسبب وباء «كوفيد-19»، ابتلعت الرواتب ما يقدر بـ122٪ من عائدات النفط، الذي هو مصدر الدخل الكبير الوحيد للدولة. ولا يتم فرض ضرائب على مكافآت ومزايا الخدمة المدنية، وتحصل الشرطة على مزيد من المكافآت نظير الحراسة الدائمة في المناطق الخطرة، وتدفع الحكومة أجوراً أعلى مما تدفعه الشركات الخاصة لموظفيها نظير أعمال بسيطة. لهذا السبب «الكل يريد العمل في الحكومة»، كما يقول وزير المالية، علي علاوي.

وعندما يترأس رجال الأحزاب الوزارات يفضلون توظيف مناصريهم وأبناء عمومتهم. الجدارة ليس لها مكان هنا. ويقول مهندس نفط شاب في البصرة يخطط للهجرة: «عندما أقول إنني لا أنتمي إلى حزب، فلن يسمحوا لي بالتقدم لأي وظيفة». ويقول علاوي عندما بقي جزء كبير من العاملين في القطاع العام في منازلهم أثناء الوباء، «لم يكن هناك أي تأثير على الإنتاج». وهذا ليس لأنهم كانوا يعملون بهمة ونشاط عن بُعد، ولكن لأن نحو 10٪ منهم موظفون وهميون.

وهناك مقاومة شرسة للجهود المبذولة لخفض كشوف المرتبات العامة، لكي تتوافر أموال لدعم المدارس والطرق والمستشفيات، وما إلى ذلك. 4.5 ملايين موظف حكومي في العراق، و2.5 مليون متقاعد يشكلون مجموعة مصالح عملاقة يخشى السياسيون تحدّيها.

الاستنزاف الكبير الآخر للخزينة العامة يتمثل في الإعانات المالية لأشياء مثل الطعام والكهرباء. ويصل دعم الكهرباء إلى 17 مليار دولار في السنة، أو 10٪ من الناتج المحلي الإجمالي، ما يجعل الكهرباء رخيصة. ومع ذلك، فإن قلة من العراقيين يدفعون فواتيرهم. ويأخذ المسؤولون رشاوى للتغاضي عن الفواتير، أما السياسيون فيخشون من إثارة غضب أي من المجموعتين. ويقول علاوي، لأن الكهرباء في الواقع مجانية، فإن إمدادها «لا يمكن السيطرة عليه». ويضيف «إذا ذهبت إلى أي مساكن غير مرخصة، ستجد كل شخص لديه مكيف هواء».

ولتوليد المزيد من الطاقة، يستورد العراق الغاز الطبيعي الإيراني. وبسبب العقوبات الأميركية على إيران، فإن دفع مستحقات الغاز لإيران أصبح أمراً معقداً، إذ يجب وضع الدينار العراقي في حساب ضمان، لكي يمكن استخدامه بعد ذلك لشراء الغذاء والدواء. ولكن تفضل إيران الحصول على المال نقداً، وهذا لن ينجح ما لم تسفر المحادثات الدولية حول برنامجها النووي عن اتفاق. وكثيراً ما أخفق العراق في سداد مستحقاته، ما دفع إيران إلى قطع الإمدادات.

غياب حقوق الإنسان

لايزال احترام حقوق الإنسان غائباً في البلاد، ويتم التعامل مع المعارضين كإرهابيين، ويتم إسكاتهم إلى حد كبير. ووعد رئيس الوزراء باعتقال البلطجية الذين قتلوا أكثر من 560 متظاهراً العام الماضي، لكن عاماً من التحقيقات لم يسفر بعد عن محاكمة واحدة، كما تقول الأمم المتحدة.

ويقول صالح: «لقد شهد هذا البلد دماراً لم يشهده أي بلد آخر»: الدكتاتورية والإبادة الجماعية والغزو و«الخلافة» الملطخة بالدماء. ويقول إن بناء دولة قادرة على حكم العراق «يحتاج إلى الكثير من العمل». ولاتزال هناك بوادر على التقدم.

أسباب تدعو إلى التفاؤل

السبب الرئيس للتفاؤل هو أن مستويات العنف، على الرغم من انتشاره، أقل من أي وقت مضى منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003. آخر سيارة مفخخة انفجرت في عام 2017. ولاتزال الخلافات القبلية شائعة، ولكن أصوات إطلاق النار في المدن بدأ يتلاشى.

العراق ينفتح أيضاً على العالم، التأشيرات التي كانت تستغرق شهوراً هي متاحة الآن للزوار عند الوصول. وتتدفق حركة المرور عبر نقاط التفتيش بسهولة أكبر من ذي قبل. الاقتصاد ينتعش من «كوفيد-19». فبعد أن انخفض بنسبة 10٪ العام الماضي، فإنه سينمو بنسبة 2٪ هذا العام، و8.4٪ في عام 2022، حسب توقعات البنك الدولي. وتفترض الميزانية أن سعر برميل النفط يبلغ 45 دولاراً، وسيبلغ نحو 70 دولاراً، لذا سيتقلص العجز المالي من 5.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021 إلى 0.6٪ في عام 2023.

نعم، الدولة فاسدة أكثر من أي وقت مضى، لكن المتفائلين يشيرون إلى أن الكثير من الأموال المسروقة يتم استثمارها الآن محلياً، بدلاً من استثمارها في الخارج. الرافعات الخاملة لفترة طويلة تدور مرة أخرى. وتتم إعادة بناء مدينة الموصل القديمة، التي تعرضت للقصف خلال الحرب، بمساعدة من الأمم المتحدة. ومن أصل ستة ملايين عراقي نزحوا بسبب تلك الحرب، عاد ما يقرب من 80٪ إلى مناطقهم الأصلية.

• يفترض أن تخدم الدولة مواطنيها. لكن الدولة العراقية تخدم فقط موظفيها. في الأعوام العادية، تستحوذ رواتب ومعاشات العاملين في القطاع العام على ثلثي الميزانية. ولكن في العام الماضي، عندما انخفضت أسعار النفط بسبب وباء «كوفيد-19»، ابتلعت الرواتب ما يقدر بـ 122٪ من عائدات النفط، مصدر الدخل الكبير الوحيد للدولة.

• العراق ينفتح أيضاً على العالم، التأشيرات التي كانت تستغرق شهوراً هي متاحة الآن للزوار عند الوصول. وتتدفق حركة المرور عبر نقاط التفتيش بسهولة أكبر من ذي قبل. الاقتصاد ينتعش من «كوفيد -19». فبعد أن انخفض بنسبة 10٪ العام الماضي، فإنه سينمو بنسبة 2٪ هذا العام، و8.4٪ في عام 2022، حسب توقعات البنك الدولي.

• البعض يعمل على جعل الحشد الشعبي مثل الحرس الثوري الإيراني، ولكن هذا احتمال مرعب بالنسبة للعديد من العراقيين، حيث تستجيب هذه النخبة من القوات الإيرانية للمرشد الأعلى، وليس للرئيس، وتدير إمبراطورية تجارية واسعة وفاسدة.

تويتر