يتبنى أسلوباً حذراً في التعامل مع الأزمات

بايدن يواجه تحديات ومخاطر جديدة في الشرق الأوسط

صورة

مع وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة «حماس»، بعد موجة العنف الأخيرة، انقسم مسؤولو البيت الأبيض، الذين ساعدوا في التوسط في الاتفاق حول الخطوة التالية الحاسمة: هل ينبغي للرئيس جو بايدن أن يصدر إعلاناً عاماً؟ وكان الجانب السلبي أن التوقف المخطط للقتال، المقرر أن يدخل حيز التنفيذ في الساعة السابعة مساء بتوقيت واشنطن، قد ينهار، ما يؤدي إلى إحراج الرئيس، وكان الاتجاه السائد: تقديم الرئيس على أنه صانع سلام، ما يجعل من غير المرجح أن يقوم أي من طرفَي النزاع، بتحطيم الخطة بضربة في اللحظة الأخيرة. ومضى بايدن قدماً، وأدلى بملاحظات موجزة قبل ساعة من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، ردّ فيها ضمنياً على النقاد الذين اتهموه بعدم القيام بالقليل من أجل إنهاء القتال بشكل أسرع، من خلال التباهي بالعمل «المكثف لإدارته»، والجهود الدبلوماسية «وراء الكواليس».

ثمار المغامرة

وأتت المغامرة بثمارها، إذ تم عقد الاتفاقية، ودخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في تلك الليلة.

لكن الآن، بعد أن أصبح أحدث رئيس أميركي يسير على خط الوساطة في الصراع الطويل الأمد بين إسرائيل والفلسطينيين، يواجه بايدن المزيد من التحديات والمخاطر في المستقبل. ويناقش مسؤولو البيت الأبيض كيفية إعادة ضبط نهجهم، على أمل تجنب أزمة أخرى من شأنها تحويل انتباه الرئيس عن أولويات سياسته الخارجية: الصين وروسيا، واستعادة الاتفاق النووي الإيراني.

وفي تذكير بأجندة بايدن الأكثر توسعية، التقى الأخير في البيت الأبيض، أخيراً، مع رئيس كوريا الجنوبية، مون جاي إن، لمناقشة مسائل، بما في ذلك قوة بكين المتنامية، والبرنامج النووي لكوريا الشمالية. وعلى المدى القصير يتخذ بايدن خطوات لزيادة المشاركة الأميركية، وستقوم وزارة الخارجية بإيفاد دبلوماسي مخضرم، وهو مايكل راتني، لقيادة سفارة الولايات المتحدة في القدس، حتى يقرر الرئيس من سيختار لمنصب السفير هناك.

ومن غير الواضح متى قد يختار بايدن سفيره، وهي مهمة وصفها العديد من الخبراء الإقليميين بأنها عاجلة، وقال شخصان على اتصال بالبيت الأبيض بشأن الشؤون الإسرائيلية، إنهما يتوقعان أن يختار توماس نيدس، الذي شغل منصب نائب وزير الخارجية في إدارة أوباما، لكن عملية ترشيح شخص ما وتأكيده للمنصب قد تستغرق أشهراً.

نقطة اتصال

يخطط مسؤولو الإدارة، أيضاً، لإعادة فتح قنصلية أميركا في القدس، التي كانت نقطة الاتصال الرئيسة لواشنطن مع الفلسطينيين، حتى تم دمجها في السفارة الأميركية، التي تم نقلها إلى القدس في عهد الرئيس، دونالد ترامب، ما دفع المسؤولين الفلسطينيين إلى رفض ذلك.

وفي ذلك، يقول المسؤول السابق في إدارة أوباما المدير الحالي لبرنامج أمن الشرق الأوسط في مركز إدارة شؤون الإعلام، إيلان غولدنبرغ: «القنصلية كانت أعيننا على الأرض مع الفلسطينيين في لحظة الأزمة»، متابعاً: «إن إدارة ترامب أعمت الحكومة الأميركية بالقضاء عليها، وأضرّت بردّ الولايات المتحدة في الفترة التي سبقت هذه الأزمة».

من جهته، قال راتني، الذي شغل منصب نائب مساعد وزيرة الخارجية السابق للشؤون الإسرائيلية والفلسطينية، ومنصب القنصل العام في القدس خلال إدارة أوباما: «كانت إدارة بايدن تعمل على إعادة فتحها، وأتوقع الآن أن تتسارع هذه الجهود، وأن تكون لها أولوية أعلى بكثير»، متابعاً: «يمكن أن تكون بمثابة قناة واشنطن للتواصل مع الفلسطينيين في هذه الأثناء».

ويدرس مسؤولو البيت الأبيض، على نطاق أوسع، الأساليب التي يجب اتباعها لتهدئة الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين، وقد توصلوا إلى إجماع مبكر على قيادة جهد إنساني دولي لغزة، وهو ما قال بايدن إن السلطة الفلسطينية ستقوده، وليس مقاتلو «حماس»، الذين يحكمون حالياً القطاع الفلسطيني المكتظ.

وفي مؤتمر صحافي عقده مع مون، أضاف بايدن أن ذلك سيتم «من دون إتاحة الفرصة لـ(حماس) لإعادة بناء أنظمة أسلحتها»، ويأمل مسؤولو الإدارة في تمكين السلطة الفلسطينية الأكثر اعتدالاً، التي يعتبرونها الشريك الوحيد المعقول للسلام مع الإسرائيليين، وتعتبر الولايات المتحدة «حماس» منظمة إرهابية.

ويستعد البيت الأبيض أيضاً لاختبار جديد للعلاقة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي (السابق)، بنيامين نتنياهو، أو من يخلفه، عندما يتعلق الأمر بجهوده لاستعادة الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، الذي يعارضه نتنياهو والعديد من القادة الإسرائيليين الآخرين بشدة، باعتباره تهديداً لأمن إسرائيل.

وقال رئيس مجلس العلاقات الخارجية، ريتشارد هاس: «سيكون لدى إسرائيل والولايات المتحدة أشياء كبيرة للعمل على حلها، ولا سيما إيران»، متابعاً: «احتاج كلا الرجلين (بايدن ونتنياهو) إلى الحفاظ على علاقة عمل، حتى إذا انتقل الوضع الإيراني إلى الواجهة الأمامية، فسيكونان قادرين على العمل معاً».

دور الوساطة

عزز البيت الأبيض دور الإدارة في التوسط لوقف إطلاق النار الأخير، في ظل حذر من نتنياهو.وطوال الجهود الدبلوماسية، أقر بايدن بحق إسرائيل في الرد على هجمات «حماس» الصاروخية، بعد الاشتباكات الأخيرة بين اليهود والفلسطينيين، داخل إسرائيل.

ولم يزد الرئيس الضغط إلا بعد أكثر من أسبوع من القتال، وقال محللون إنه بحلول ذلك الوقت، كان الجيش الإسرائيلي على وشك استكمال أهدافه العسكرية، وأوضح هاس: «وقف إطلاق النار بين (حماس) وحكومة إسرائيل جاء لأن كلا الطرفين قررا أن إطالة أمد الصراع لا يخدم مصالحهما»، متابعاً: «كان هذا وقف إطلاق النار الذي كان في الأساس جاهزاً للحدوث»، وحسب بعض الروايات، كان الرئيس الأميركي أكثر نفوذاً، وعلى الأقل تجنب الإجراءات السياسية التي كان من الممكن أن تزيد الأمور سوءاً، وكان تكتيكه هو تجنب الإدانة العلنية للقصف الإسرائيلي لغزة، أو حتى الدعوة العلنية لوقف إطلاق النار، من أجل بناء رصيد مع نتنياهو، ثم ممارسة الضغط على انفراد في الوقت المناسب، وفقاً لشخصين على دراية بالمناقشات الداخلية للإدارة.

لحظة حاسمة

لا شك في أنه عندما وصلت الدبلوماسية إلى لحظة حاسمة، لعب فريق بايدن دوراً مهماً في التوسط لوقف إطلاق النار. وفي وقت ما، وفي مكاتب مجلس الأمن القومي، أجرى مستشار الأمن القومي لبايدن، جيك سوليفان، مكالمة هاتفية مع نظيره الإسرائيلي، مائير بن شبات، بينما كان كبير مسؤولي المجلس في الشرق الأوسط، بريت ماكغورك، يتحدث مع مسؤول كبير في الحكومة المصرية، التي عملت وسيطاً أميركياً مع «حماس».

وكان الإسرائيليون وقادة «حماس» يسعون للحصول على تأكيدات من الجانب الآخر، بأن أياً منهما لن يشنّ هجوماً في اللحظة الأخيرة، قبل وقف إطلاق النار، في محاولة للمطالبة بانتصار متأخر. وكان سوليفان وماكغورك على الخط، ومرّرا الرسائل بين القدس والقاهرة في الوقت الفعلي، وبينما ترسم مثل هذه الجهود صورة لانخراط الولايات المتحدة مجدداً في دبلوماسية صنع السلام متعددة الأطراف، إلا أنها كانت أيضاً بمثابة تحول عن أولويات بايدن العديدة الأخرى.

قضية مهمة

وفي تحليل لمعهد بروكينغز، نُشر قبل أسبوعين، حذرت الزميلة في المعهد، تامارا كوفمان، من أن مسؤولي الإدارة سيحتاجون إلى قضاء المزيد من الوقت في الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، وكتبت كوفمان أن البيت الأبيض يحتاج إلى إدراك أنه في حين أنه يفضّل أن تركز المحادثات الأميركية - الإسرائيلية رفيعة المستوى، على إيران والتعاون الأمني، فإن الرئيس ومستشار الأمن القومي ومسؤولي الأمن القومي الآخرين سيتعين عليهم أيضاً تكريس الوقت والاهتمام لهذه القضية، إذا كانوا يريدون تجنب الانزلاق المستمر، الذي يعرقل الأهداف الإقليمية الأخرى ذات الأولوية، موضحة: «لم يعطِ مسؤولو الإدارة أي مؤشر إلى أنهم سيغيرون مسارهم، ويعيّنون مبعوثاً مكلفاً باستئناف عملية السلام الإسرائيلية - الفلسطينية، سعياً وراء حل الدولتين، وهي نتيجة يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها بعيدة المنال بشكل ميؤوس منه تقريباً في الوقت الحالي».

لكن قبل أسبوعين، أكد الرئيس الأميركي أن ذلك هدف طويل المدى، قائلاً: «مازلنا بحاجة إلى حل الدولتين، وهذا هو الجواب الوحيد».

• يستعد البيت الأبيض لاختبار جديد للعلاقة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أو من يخلفه، عندما يتعلق الأمر بجهوده لاستعادة الاتفاق النووي الإيراني، لعام 2015، الذي يعارضه نتنياهو والعديد من القادة الإسرائيليين الآخرين بشدة، باعتباره تهديداً لأمن إسرائيل.

• قال شخصان على اتصال بالبيت الأبيض بشأن الشؤون الإسرائيلية، إنهما يتوقعان أن يختار بايدن السيد توماس نيدس، الذي شغل منصب نائب وزير الخارجية في إدارة أوباما، سفيراً لدى تل أبيب، لكن عملية ترشيح شخص ما وتأكيده للمنصب، قد تستغرق أشهراً.

مايكل كرولي - مراسل دبلوماسي في مكتب واشنطن

وآني كارني - مراسلة البيت الأبيض

تويتر