رغم تعهد «طالبان» بمنعه من استخدام مناطقها

خطر «القاعدة» ماثل.. والجنود الأميركيون يستعدون للانسحاب من أفغانستان

صورة

في ركن خفي من مطار حامد كرزاي الدولي، جلس نحو ستة ضباط عسكريين على مقاعدهم وهم يحدقون بإمعان في شاشات مراقبة تعرض صور فيديو عالية الدقة، إضافة إلى صور مراقبة قدمتها طائرات بلا طيار، وطائرات حربية، إضافة إلى مروحيات، مأخوذة من شتى أنحاء الدولة. ويأتي هذا الاهتمام بصور المراقبة بعد التحول الحادث أخيراً، الذي أدى إلى وضع تنظيم «القاعدة»، وليس «طالبان»، في مرمى نيران الجيش الأميركي وقوات حلف الناتو، وهو الأمر الذي أجبر القوات الأفغانية على تطوير أسلوب عملياتها.

وبعد سنوات من التركيز على القتال مع «طالبان» في ميدان المعارك، يجب على الجيش الأفغاني حمل المسؤولية كاملة عن توفير الدعم الجوي لقواته، والتي كان يعتمد فيها على القوات الجوية الأميركية، التي تقدم وتدمج المراقبة والقوى الجوية في مركز عمليات الاستخبارات.

وقال رئيس أركان الجيش الافغاني ووزير الدفاع بالوكالة حالياً الجنرال ياسين ضياء: «لقد شكلنا هذه القوة لحماية جنودنا وقواعدنا والتحرك من مكان إلى آخر، وجمعنا كل العناصر وكل اللاعبين معاً من أجل تحقيق مفهوم (الكشف عن العدو، وضربه، وإنهائه)»، وكان ضياء يستخدم المصطلحات الأميركية في هذا المجال، وهو يتحدث عن العثور على مجموعات الميليشيات وأفراد تنظيم القاعدة في صحارى أفغانستان الشاسعة، وسلاسلها الجبلية الممتدة. ويبدو أن مستقبل مكافحة الدولة للإرهاب سيكون واسعاً.

لا جنود ولا متعاقدون

للمرة الأولى خلال عقدين من الزمن، تقول الولايات المتحدة إنه لن يكون لها أي جنود أو متعاقدين على الأراضي الأفغانية. ولم تعد فرق المخابرات المركزية «سي آي إيه» والقوات الخاصة الأميركية، التي كانت تقود عمليات البحث عن أفراد «القاعدة»، تعمل في قواعد واقعة شرق أفغانستان.

وخلال الأيام الأخيرة بدأت البنتاغون «تجميع» قواتها في أفغانستان تمهيداً لسحبها، والتي تتضمن نحو 2500 جندي، وبضع مئات من القوات الخاصة ونحو 18 ألف متعاقد. ويقوم حلف شمال الأطلسي أيضاً بتنفيذ عملية الانسحاب لقواته. وستكتمل عملية الانسحاب بحلول شهر يوليو تقريباً. وقال الرئيس الأميركي جو بايدن إن موعد 11 سبتمبر سيكون موعد بدء الانسحاب.

ويقول مسؤولو إدارة بايدن إن تهديدات تنظيم «القاعدة» انخفضت بصورة كبيرة منذ أن قادت الولايات المتحدة غزو أفغانستان عام 2001، وإنه من الممكن مراقبة وجود هذه المجموعة في أفغانستان من الخارج. وحتى قبل مقتل زعيم التنظيم أسامة بن لادن في باكستان عام 2011، تعرض التنظيم لخسائر فادحة، حيث تم قتل وأسر العديد من قادته. وقال مسؤولو إدارة بايدن إنه إذا تم الكشف عن تهديدات بالهجوم على مصالح الولايات المتحدة، فإن البنتاغون، أو «سي آي إيه» يمكن أن يوجها ضربات جوية للتنظيم داخل أفغانستان من قواعد بعيدة جداً عنها، أو إدخال فرق القوات الخاصة الأميركية إلى أفغانستان في مهمة أطلقوا عليها اسم «اعتقال وقتل».

ويمكن أن تطير الطائرات الحربية من على حاملات الطائرات، أو حتى القاذفات العملاقة من قواعد بعيدة في المحيط الهندي، أو حتى من الولايات المتحدة نفسها، لضرب هؤلاء الذين يهددون الولايات المتحدة، والذين سيتم تحديد مكانهم من خلال طائرات الدرون، واعتراض الاتصالات وشبكات المخبرين.

شكوك

لكن لايزال هناك العديد من الشكوك إزاء هذه الاستراتيجية، والتي تتضمن ما إذا كانت الدول المجاورة لأفغانستان يمكن أن تسمح للقوات الأميركية وطائرات الدرون بالمرور من فوقها. وإذا لم تسمح هذه الدول فيجب على الولايات المتحدة أن تعتمد على قوات عاملة من قواعد أميركية في المحيط الهندي، ويجب على البنتاغون الاعتماد على وسائل كانت معتمدة قبل غزو أفغانستان، حيث كانت تعتمد على شبكات محلية من المخبرين ومراقبة الأقمار الاصطناعية واعتراض شبكات الاتصالات لمراقبة تنظيم «القاعدة»، والميليشيات الأخرى في الدولة.

وفي تلك السنوات التي كانت قبل غزو أفغانستان، كان ثمة فريق صغير من العاملين في «سي آي ايه» يراقبون من مقر الوكالة في فرجينيا موقع بن لادن في أفغانستان، ولكنهم فشلوا في اكتشاف خططه لإعداد هجوم 11 سبتمبر، على الرغم من العديد من التحذيرات. وأعدت وكالة «سي آي إيه» العديد من محاولات قتل أو اعتقال لابن لادن قبل عام 2001 وفق تقرير صدر عام 2004 من لجنة 11 سبتمبر. لكن هذه المحاولات كان يتم إلغاؤها من قبل مسؤولي الوكالة، أو من قبل البيت الأبيض، خوفاً من وقوع الكثير من الضحايا المدنيين.

ولكن «القاعدة» عام 2021 أصبح منظمة أصغر بكثير مما كان عليه في السابق، حيث أصبح تعداده نحو 200 عضو معظمهم في أفغانستان كما قال الفريق في الجيش الاميركي سكوت بارير رئيس وكالة استخبارات الدفاع يوم الخميس الماضي.

تعهد «طالبان»

وبموجب اتفاقية الانسحاب التي أبرمتها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب تعهدت حركة «طالبان» بمنع استخدام الأراضي التي تسيطر عليها من قبل المجموعات الإرهابية، لشن هجمات ضد الولايات المتحدة أو حلفائها. ويؤكد المسؤولون الأميركيون أن الاتفاقية تقضي بقطع «طالبان» علاقتها مع «القاعدة»، ولكن المسؤولين في المخابرات الأميركية لا يتوقعون حدوث هذا الأمر. ومن غير الواضح ما الذي حدث لهذه الاتفاقية بعد مجيء بايدن.

وعلى الرغم من إبعاد «طالبان» نفسها عن تنظيم «القاعدة» في العلن، فإن «طالبان» تحتفظ بعلاقات وثيقة مع الميليشيات، عبر العلاقات العائلية إذ إنه بعد مرور سنوات عدة، أصبحت علاقات الزواج متشابكة للغاية بين الطرفين، الأمر الذي يقوي الروابط بينهما. وقال بيان تم نشره على موقع «طالبان» المعروف باسم «صوت الجهاد» في أكتوبر الماضي، إن الحركة ليس لها أي التزامات تقضي بقطع علاقاتها مع «القاعدة» بموجب اتفاق مع الولايات المتحدة، ولكن ممثلي «طالبان» يصرون على أنهم لن يقبلوا بوجود أي متطرف على الأراضي الأفغانية. وقال ممثل الحركة سهيل شاهين «(القاعدة) كان في أفغانستان قبل (طالبان). وجميع هذه الدول التي تشتكي من (القاعدة) كانت تقدم له الدعم أثناء الاحتلال السوفييتي لأفغانستان». وأضاف: «نحن ملتزمون بعدم السماح لأي شخص باستخدام الأراضي الأفغانية ضد الولايات المتحدة أو حلفائها».

فرصة طيبة

ويرى بعض المسؤولين الأفغان فرصة طيبة في اندماج حركة «طالبان» مع الدولة الأفغانية، ولكن ذلك يبقى وجهة نظر غير محتملة بالنظر إلى رفض «طالبان» لحكومة أفغانستان باعتبارها دمية بيد الأميركيين، حتى إن الحركة تنظر إلى قادة الحكومة الأفغانية باعتبارهم مجموعة من الخونة لبلادهم. وقال أحد المسؤولين السابقين في مديرية الأمن التابعة لحكومة كابول رفض الكشف عن اسمه: «إنه إذا عملت قوات الأمن الحكومية مع (طالبان) فلن يشكل تنظيما القاعدة وداعش أي تهديد يذكر».

ولكن المسؤولين الأميركيين يقولون إنه ما لم تتوصل الحكومة الأفغانية و«طالبان» إلى اتفاق لتقاسم السلطة، فإن تنظيم «القاعدة» يمكن أن يستعيد قدارته ويعمل على تهديد أهداف داخل الولايات المتحدة والدول الحليفة، في غضون سنتين أو ثلاث. ويقول المسؤولون الأميركيون إنه خلال هذه الفترة ستكون إدارة بايدن قد عززت قدراتها في المنطقة.

ويعد البيت الأبيض بمواصلة تقديم المساعدة للجيش الأفغاني، كما أن «البنتاغون» يضع خططاً لمواصلة تبادل المعلومات وتدريب القوات الأفغانية طالما بقيت الحكومة في كابول مستمرة.

وكان بايدن واضحاً في تصريحاته عندما قال إن الجنود والمتعاقدين سيغادرون أفغانستان، باستثناء كتيبة صغيرة لحماية السفارة الأميركية. وإذا تم انتهاك انسحاب القوات بين الولايات المتحدة و«طالبان» عندها ستعمد الولايات المتحدة إلى إرسال عملاء من «سي آي إيه» في حالة عودة ظهور تهديدات تنظيم «القاعدة».

ليست معركتي

يشعر المسؤولون في البنتاغون والاستخبارات بالقلق من احتمال أن تواجه قوات الحكومة الأفغانية انتكاسات سريعة دون مساعدة القوات الأميركية. وإذا تمكن الجيش الأفغاني من منع «طالبان» من الاستيلاء على الدولة فإنه يمكن أن يعمل على احتواء مخاطر تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، حيث يمتلك هذا الأخير وجوداً بسيطاً في أفغانستان. ويمكن أن يساعد القوات الخاصة الأفغانية أيضاً، التي تقدم الكثير من المعلومات الاستخباراتية عن تهديدات التنظيمات المتطرفة، على مواصلة عملها في تقديم التقارير للمحللين الأميركيين خارج الدولة. ويمكن أن يساعد الجيش أيضاً الحكومة الأفغانية على استئجار متعاقدين خاصين به من خلال استخدام المساعدات المالية الأميركية ليحلوا مكان الذين سيغادرون الدولة.

وفي العودة إلى مركز العمليات، قال الجنرال ضياء إن ابتعاد الأميركيين لن يكون له تأثير كبير على جمع المعلومات، وإن كان المسؤولون الأفغان قد اعترفوا بأن انسحاب الجيش الأميركي سيقلل من قدرتهم على التحليل الجنائي وفهم الإشارات. وقال ضياء «لدينا أفضل أفراد المخابرات لأننا أبناء هذه المنطقة، ونحن أبناء هذه الثقافة ولدينا لون البشرة نفسه، وليس لدينا أي مشكلة في جمع المعلومات».

ويواصل المسؤولون الأفغان التركيز على العلاقات بين مقاتلي «طالبان» وناشطي «القاعدة»، حيث يذكّرون المسؤولين الأميركيين بالعلاقة المتواصلة بين المجموعتين، والتأكيد على فائدة القوات الأفغانية.

ولكن الجنرال ضياء قال إن حرب الولايات المتحدة ضد «القاعدة» ليست هي الأولوية الأولى بالنسبة لدولته. وقال ضياء «هذه ليست معركتي، إنها حرب المجتمع الدولي».

نبيه بولس : رئيس مكتب «لوس أنجلوس تايمز» في الشرق الأوسط

ديفيد كلاود  : يغطي أخبار «البنتاغون» والجيش الأميركي من واشنطن العاصمة


- لم تعد فرق المخابرات المركزية «سي آي إيه» والقوات الخاصة الأميركية، التي كانت تقود عمليات البحث عن أفراد «القاعدة»، تعمل في قواعد واقعة في شرق أفغانستان.

- المسؤولون الأميركيون يقولون إنه ما لم تتوصل الحكومة الأفغانية و«طالبان» إلى اتفاق لتقاسم السلطة، فإن «القاعدة» يمكن أن يستعيد قدراته ويعمل على تهديد أهداف داخل الولايات المتحدة وحلفائها في غضون سنتين أو ثلاث.

تويتر