وصف سياسات إسرائيل تجاههم بأنها فصل عنصري

تقرير «هيومن رايتس ووتش» يوفر مساراً جديداً للفلسطينيين للتمتع بحياة طبيعية

صورة

التقرير الجديد، الذي أصدرته منظمة «هيومن رايتس ووتش»، أخيراً، بعنوان «تجاوزوا الحد: السلطات الإسرائيلية وجريمتا الفصل العنصري والاضطهاد»، الذي وصف سياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين بأنها فصل عنصري، جاء في نقطة تحول مهمة، فقد حدث تجاوز لعتبة استدامة في الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وبالنسبة للفلسطينيين يتطلب ذلك تغييراً في استراتيجيتهم في سعيهم لضمان حقوقهم الأساسية.

دعامة أساسية للفلسطينيين

يقول الكاتب والباحث، حسين إبيش، في تقرير نشرته وكالة «بلومبرغ» للأنباء، إن هذا التوصيف الذي تضمنه التقرير دعامة أساسية في ما يصدر عن الفلسطينيين من تصريحات. وخلال العقدين الماضيين، أصبح هذا التوصيف يستخدم بطريقة أكثر شيوعاً من جانب اليسار الغربي والإسرائيلي. وألمح الرئيس الأميركي السابق، جيمي كارتر، في عنوان كتابه، الذي صدر عام 2006، إلى خيار إسرائيلي بين «السلام» و«الفصل العنصري».

وقد حذر العديد من رؤساء الوزراء الإسرائيليين، ابتداء من ديفيد بن غوريون وحتى إسحاق رابين، وإيهود أولمرت، وإيهود باراك، من أنه إذا لم تنهِ إسرائيل احتلالها للأراضي الفلسطينية، فإنها تخاطر بالتحول إلى دولة فصل عنصري.

لكن كل هذه الشخصيات اتفقت على أن إسرائيل لم تصل إلى هذا الحد تماماً بعد، فقد اعتبروا الاحتلال وضعاً مؤقتاً، سيتم حسمه في محادثات السلام، ونظراً إلى أنه ليس مقصوداً أن يكون دائماً، فقد ظنوا أنه لا يفي بمعيار تصنيفه «فصلاً عنصرياً» وفق القانون الدولي.

لكن الآن، وبعد أن أصبحت الحكومة الإسرائيلية ملتزمة رسمياً بالضم النهائي لجزء كبير من الضفة الغربية، تاركة ما وصفه رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بـ«دولة ناقصة» للفلسطينيين، من الصعب مواصلة اعتبار احتلال بدأ في عام 1967 أمراً مؤقتاً، وخلال السنوات الأخيرة عاملت إسرائيل الضفة الغربية كأنها مِلْك لها، باستثناء ما يتعلق بأحوال الفلسطينيين، كما رأينا بالنسبة لحملة التطعيم ضد فيروس «كورونا».

الاعتراف بالحقيقة

قال إبيش إنه تم الاعتراف بهذه الحقيقة في تقريرين مروعين للغاية، لمنظمتين إسرائيليتين من منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية، «بيتسليم» و«ييش - دين»، ذكرا أن إسرائيل تمارس نظام الفصل العنصري على أساس «التفوق اليهودي»، ليس فقط في الأراضي المحتلة لكن أيضاً في أراضيها.

ويعتمد تقرير منظمة «هيومن رايتس ووتش» الجديد على التعريفات القانونية الدولية للفصل العنصري، وليس على تشبيهات لوضع جنوب إفريقيا ما قبل الاستقلال، ويقيم صلة مباشرة بين السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين في الضفة الغربية، وداخل إسرائيل، لكن هذه المنظمات ربما أغفلت مرحلة بوصفها الاحتلال بأنه فصل عنصري، بينما تؤكد في الوقت نفسه وجود نظام هيمنة عرقية واحد.

ومن السهل إقامة الصلة، لكن أيضاً من السهل دحضها، حيث إن المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، الذين يطلق عليهم أيضاً «عرب إسرائيل»، يتمتعون بالكثير من الحقوق المدنية والسياسية التي لا يتمتع بها من يعيشون تحت الاحتلال.

كما أن التقارير تعتمد على مواقف متغيرة تجاه حل الدولتين، وذلك الهدف يبدو خيالياً الآن، في ضوء سياسات إسرائيل وترسيخ الاحتلال.

ويتمثل التصحيح المنطقي للاحتلال في إقامة دولة فلسطينية، حسب ما نصّت عليه اتفاقات أوسلو، لكن إسرائيل تتجاهل منذ وقت طويل مثل هذه الفكرة، وكذلك واشنطن في عهد الرئيس دونالد ترامب، وربما تحاول إدارة بايدن استعادة دعم واشنطن اللفظي لوجود دولتين، لكن من الواضح أنها غير مهتمة بالقيام بجهد كبير لتحقيق هذا الهدف، ما يعتبر ضمنياً اعترافاً بأنه لم يعد من الممكن تحقيقه.

وهذا يعني أنه يتعين تطوير الاستراتيجية الفلسطينية لتتجاوز مجرد السعي المباشر للحصول على دولة منفصلة، وتوضح تقارير حقوق الإنسان المحلية والدولية أن موقف إسرائيل يتعذر تبريره، وأن موقف واشنطن غير متسق، وفي ظل ذلك يمكن للفلسطينيين توجيه سؤال مختلف، هو: إذا كان ليس من الممكن أن تكون لنا دولة، أليس من الممكن أن تكون لنا على الأقل حياة طبيعية؟.

الشكل أقل أهمية من النتيجة

حتى الآن يربط الفلسطينيون آمالهم للتمتع بحياة طبيعية بإقامة دولة منفصلة، لكن هدف التمتع بحياة طبيعية يمكن أيضاً أن يتحقق في دولة مدمجة أو متساوية أو ضمن كونفدرالية متكافئة، فالشكل أقل أهمية من النتيجة، ومطلب الحياة الطبيعية من جانب الفلسطينيين سيحظى بسرعة بالتبني العالمي واسع النطاق له، كما أنه سيكون مقابلاً فعالاً بصفة خاصة لخطط الإسرائيليين لضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، من دون أن يوفروا للفلسطينيين الاستقلال أو المواطنة.

وربما يحظى مطلب الحياة الطبيعية أيضاً بدعم أميركي مهم، وعلى سبيل المثال سيكون أمام الجهود الوليدة في الكونغرس، لجعل المساعدات لإسرائيل مشروطة بتوفير معاملة أفضل للفلسطينيين، فرصة أفضل كثيراً للنجاح.

ويؤكد إبيش أن تقارير حقوق الإنسان بإظهارها أن الفلسطينيين يعيشون في ظل ظروف فصل عنصري، تجذب اهتماماً جديداً بمأساتهم وإعطائهم فرصة لإعادة تقييم استراتيجيتهم ورؤيتهم الجماعية، ويتعين عليهم عدم إضاعة الوقت بالنسبة لانتهازها.

• تقارير حقوق الإنسان، بإظهارها أن الفلسطينيين يعيشون في ظل ظروف فصل عنصري، تجذب اهتماماً جديداً بمأساتهم وتعطيهم فرصة لإعادة تقييم استراتيجيتهم، ويتعين عليهم عدم إضاعة الوقت وانتهازها.

تويتر