تعاني البطالة والفساد وهجرة الأدمغة

مولدوفا.. أفقر دولة في أوروبا لم تبدأ تلقيح سكانها ضد «الفيروس التاجي» بعد

صورة

كتب أليسو ماترجونا، في منشور له على «فيس بوك» يقول: «يسعدني أن أعمل على خط المواجهة، وأن أرى النظام الطبي الكندي يعمل بشكل جيد، لكني حزين لأنني تلقيت التطعيم قبل والدتي التي تعمل بالمنظومة الطبية في مولدوفا»، وماترجونا أخصائي تصوير بالموجات فوق الصوتية، ويعيش في مونتريال، ووالدته تبلغ من العمر 61 عاماً، وهي طبيبة أطفال تعمل منذ أكثر من 30 عاماً، ومع ذلك تقول الطبيبة إنها ليست لديها أي فكرة عن موعد توافر لقاح «كوفيد-19» لها، ولأكثر من 53 ألفاً و300 موظف رعاية صحية آخر في مولدوفا، التي تُصنف أفقر دولة في أوروبا.

وتقول الكاتبة المولدوفية المقيمة في لندن، باولا إريزانو: «كان هناك رد فعل مماثل حول عائلتي في مولدوفا، عندما رأيت لافتة في صيدلية بالعاصمة البريطانية، أوائل ديسمبر، تعلن أن اللقاح قادم»، متابعة: «في ذلك الوقت كانت جدتي قد تعافت للتو، وكان والدي لايزال يكافح آثار الفيروس».

وقامت معظم حكومات أوروبا الغربية بتطعيم عمال الخطوط الأمامية، وهي تنتقل، الآن، إلى المرحلة الثانية من العملية، حتى لو كانت مشكلات الإنتاج تقوّض الإمدادات الآن، ولم تتمكن مولدوفا من توفير حقنة واحدة حتى الآن، لأنها لا تستطيع شراء اللقاح، ولا تتوقع حكومة هذا البلد الفقير تلقي الدفعة الأولى من اللقاح قبل نهاية فبراير، وحتى هذا الجدول الزمني غير مؤكد، ومهدد بالتأخير والبيروقراطية، وفي غضون ذلك، تواجه أوكرانيا وجورجيا وأرمينيا مأزقاً مماثلاً.

فشل أخلاقي

هذا ما يبدو «فشلاً أخلاقياً كارثياً» بتوزيع اللقاح في أوروبا، على حد تعبير رئيس منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس. وتعتمد البلدان الأكثر حرماناً اقتصادياً في أوروبا على «كوفاكس»، وهو هيئة استجابة للوباء بقيادة منظمة الصحة العالمية، تستهدف الدول ذات الدخل المنخفض، وستضمن المنظمة كميات مجانية لـ20% من سكان هذه البلدان، أما بالنسبة لبقية الجرعات التي يحتاجون إليها، فإن هذه الدول ستطلب المساعدة من جيرانها الأغنى، وهذا ليس السبيل لحل جائحة عالمية، وفي عالم مترابط لا يوجد بلد آمن حتى تصبح كل الدول آمنة، وفي عاصمة مولدوفا، كيشيناو، أصبحت أخبار الوفيات المرتبطة بـ«كوفيد-19» ترد بشكل يومي، منذ ديسمبر الماضي، وطال ذلك الناس العاديين والمسؤولين.

بالفعل، ارتفع معدل الوفيات الإجمالي في مولدوفا بنسبة 21% بين مايو وديسمبر 2020، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2019، ونظام الرعاية الصحية منهك للغاية، واضطر رجل في الستينات من عمره، أصيب بالفيروس، إلى انتظار سرير مجاني لمدة ثلاث ساعات، في فناء المستشفى، رغم البرد القارس، وفي الربيع الماضي أظهرت مقاطع فيديو لمرضى في مستشفيات إقليمية أصغر، ظروفاً مروعة، مثل عدم وجود تدفئة أو مياه نظيفة، وفي أحد المستشفيات، توفي رجل في المرحاض، ولم يقترب منه الأطباء والممرضات، الذين يفتقرون إلى معدات الحماية، من الرجل طوال ساعات، وفي النهاية طلبوا من مرضى «كوفيد-19»، إخراج الجثة وتغطيتها ببطانية.

ويبلغ عدد سكان مولدوفا 2.6 مليون نسمة، ولديها نحو 157 ألف حالة إصابة رسمية بالفيروس التاجي، وأكثر من 3300 حالة وفاة، ومع ذلك من المرجح أن تكون الأرقام الحقيقية للعدوى أعلى بكثير، حيث إن الحكومة كانت تختبر بين 1000 و3000 شخص فقط يومياً، ووصلت الإصابات إلى معدل مُقلق بلغ 58% من الاختبارات الإيجابية، في ديسمبر. وغالباً ما يرفض الأشخاص المصابون بأعراض خفيفة إجراء الاختبارات، وفي المقابل أطباء الخط الأمامي العاملون في الأقسام المخصصة لمرضى «كوفيد-19»، هم المسعفون الوحيدون الذين يتم اختبارهم، وعلاوة على ذلك، بينما كان بعض المرضى يعانون العديد من أعراض الفيروس النموذجية، جاءت اختباراتهم سلبية، وتم اختبارهم مرة واحدة فقط.

استنزاف العقول

وبلغ معدل الإصابة بين الطاقم الطبي 25%، في مايو، وهو أعلى معدل في أوروبا، مقارنة بـ12% فقط في رومانيا المجاورة، وقد ألقى الوباء الضوء على النقص الحاد في التمويل، وسوء الإدارة لخدمات الصحة العامة المنهكة في الجمهورية السوفييتية السابقة، وقد تكون الآثار طويلة المدى كارثية، وتسلط حالة أليسو ماترجونا الضوء على أحد أكثر الأمراض المزمنة بنظام الصحة في مولدوفا، المتمثل في استنزاف العقول الطبية، ويأتي ذلك في وقت تقول البيانات إن نحو ثلث العاملين في مجال الرعاية الصحية قد وصلوا إلى سن التقاعد، ويبلغ متوسط الراتب الشهري للطبيب العام، الآن، نحو 600 دولار، بعد زيادة بنسبة 30% عام 2020.

وبالإضافة إلى الأموال المحدودة، يعاني مَن بقوا في البلاد، الفساد وتسييس إدارة المستشفيات، ويسعى كثيرون إلى فرص أفضل وأنظمة أكثر عدلاً في الخارج، ومن دون ضخّ مبالغ ضخمة من التمويل وتحديث الرعاية الصحية، سيواصل الأطباء الشباب، في مولدوفا، المغادرة إلى البلدان الأكثر ثراءً، بينما سينتهي الأمر بسكان مولدوفا إلى مزيد من العناء، والرعاية دون المستوى المطلوب.


عدم التزام

تعد أقنعة الوجه إلزامية حتى في الشوارع، وكذلك قواعد التباعد الاجتماعي، بينما تقيس المتاجر درجة حرارة زبائنها، لكن لا يلتزم جميع الأشخاص بتوصيات الحكومة، كما أن الشكوك حول اللقاح مرتفعة بشكل لافت، حتى بين المهنيين الصحيين، وفي الدراسات الاستقصائية يقول الناس إنهم مهتمون أكثر بالأزمة الاقتصادية وليس بالأزمة الصحية، فالمرض لا يدخل حتى ضمن المخاوف الخمسة الرئيسة التي يواجهها سكان مولدوفا، التي تشمل مستقبل أطفالهم، وارتفاع الأسعار، والفقر، والبطالة، والفساد.

وطوال عام 2020، كانت مولدوفا واحدة من الدول الأوروبية القليلة التي قدمت بالكاد أي إعانات مالية للمواطنين، أو الشركات الصغيرة، وقد تبدأ العواقب في الظهور بقوة عام 2021، وتم تنصيب الرئيسة المنتخبة حديثاً، مايا ساندو، وهي اقتصادية سابقة في البنك الدولي، في ديسمبر، وحصلت على وعود من الشركاء الغربيين، بما فيها التبرع بـ200 ألف جرعة لقاح من رومانيا، ومنحة أزمة قدرها 15 مليون يورو من الاتحاد الأوروبي.

لكن السلطة التنفيذية في مولدوفا استقالت منذ ذلك الحين، وتفتقر الحكومة إلى أغلبية برلمانية شرعية، وتتصارع الطبقة السياسية حول كيفية تنظيم انتخابات برلمانية مبكرة، وتحديد كيفية تقديم برنامج تطعيم شامل، ما يجعل الوصول إلى نهاية النفق بعيداً.

نقص الفرص

الهجرة الجماعية ليست مجرد مشكلة للنظام الصحي في مولدوفا، بل إنها على الأرجح التحدي الأكبر في البلاد، وبسبب نقص فرص العمل أو البحث عن مستويات معيشية أفضل في الغرب أو روسيا أو إسرائيل، غادر أكثر من مليون شخص مولدوفا، وخلال العام الماضي عاد عشرات الآلاف منهم، ممن فقدوا وظائفهم في الخارج بسبب قيود الإغلاق، أو تمتعوا بامتيازات كافية تمكنهم من العمل عن بُعد، ومع ذلك قد تكون هذه الهجرة العكسية مؤقتة، ما لم تقدم الحكومة بعض الدعم الاقتصادي لمواطنيها.

تقديرات خاطئة

فاجأت الجائحة العالم، إذ هزت الأنظمة الصحية والاقتصادات العالمية والأجندات الاجتماعية لجميع الدول، وبالنسبة لجمهورية مولدوفا نتج عن هذا الوباء أزمة طبية واقتصادية غير مسبوقة، وتُظهر أحدث البيانات أنه بعد عام واحد من بداية الوباء، تم تسجيل أكثر من 15 ألف إصابة ضمن الكادر طبي، وحالياً تنتظر كيشيناو الدُفعات الأولى من اللقاح، على أمل أن يتحسن الوضع الوبائي مع التطعيم، ويقلّ الضغط على النظام الطبي.

ويقول رئيس قسم التخدير والعناية المركزة في معهد طب الطوارئ بالعاصمة، الدكتور أدريان بلاعي: «قبل عام، وصل الفيروس إلى مولدوفا، ما شكّل ضغطاً أكبر بشكل أساسي على النظام الصحي، الذي لايزال ضعيفاً»، متابعاً: «بالنسبة للنظام الطبي، كانت الجائحة تعني تحدياً كبيراً، وضرورة التكيف بسرعة مع الوضع، إذ تم إجراء تقديرات خاطئة حول مدة الجائحة، وكانت الانطباعات الأولى أن الأمر سيستغرق بضعة أشهر، وبعدها سينتهي كل شيء».

والتحدي الآخر أن موظفي الخطوط الأولى، الذين دخلوا المعركة ضد المرض، سرعان ما استنفُدت قدراتهم، لذلك كان من الضروري تدريب الأطباء المتخصصين الآخرين، بالإضافة إلى أخصائيي الأمراض المعدية، أو أولئك الموجودين في العناية المركزة.


• يبلغ عدد سكان مولدوفا 2.6 مليون نسمة، ولديها نحو 157 ألف حالة إصابة رسمية بالفيروس التاجي، وأكثر من 3300 حالة وفاة.

• 53300 موظف رعاية صحية في انتظار اللقاح.

تويتر