عليها التخلي عن إلقاء الدروس والعظات.. والمكافحة لفهم الحقائق ومعالجتها

الإدارة الأميركية المقبلة مُطالبة بدور فاعل في إفريقيا

صورة

ازدرى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الشعب الإفريقي في تصريحات فظة في إحدى المناسبات، إلا أن إفريقيا تضررت أكثر من سياساته، مثل هجومه الكارثي على منظمة الصحة العالمية وخروج بلاده منها، ورفضه اتفاقات باريس المتعلقة بالمناخ، وفرض قيود قاسية على الهجرة واللجوء بشكل شرعي، والقضاء على برامج المساواة بين الجنسين.

وكان آخر سلوكيات ترامب ضد إفريقيا، هو موقفه بشأن النزاع حول سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا على نهر النيل، وفشله في حل الأزمة، والآن يمكن أن يكون لفشل إدارة ترامب في الدعوة إلى تخفيف التصعيد وإجراء الحوار في منطقة تيغراي، عواقب كارثية في تأجيج الصراع في إثيوبيا.

ومع ذلك، ينبغي على الرئيس المنتخب، جو بايدن، أن يعود إلى الواضع الراهن الذي كان سائداً قبل إدارة ترامب. وكما أوضح السياسي الأميركي، جون كامبل، الذي يعمل في «كاونسل أون فورين ريلاشن»، فإن إدارة ترامب قامت بتغييرات أقل مما هو متوقع في ما يتعلق بسياستها في إفريقيا، ودعا كامبل إلى ما وصفه بـ«إعادة رسم السياسة»، وإن ثمة تساؤلات أساسية يجب طرحها بشأن السياسة الأميركية في إفريقيا.

ولطالما كان سجلات الإدارات الجمهورية والديمقراطية مبهمة خلال ستة عقود تقريباً، وتراوح بين التدخلات المدمرة والإهمال، وفي حالات قليلة جداً كان هناك تعاون مثمر مع الدول الإفريقية من أجل الأهداف المشتركة، وإذا تم تطبيق شعار بايدن، المتمثل في «إعادة البناء بصورة أفضل»، على إفريقيا، فإننا بحاجة إلى التفكير بشأن أطر جديدة لقيادة السياسات بدلاً من إعادة صياغة شعارات الماضي.

ويتوجب على الإدارة المقبلة التخلي عن إلقاء الدروس والعظات على إفريقيا، وبدلاً من ذلك يتعين على الولايات المتحدة أن تكافح من أجل فهم الحقائق الإفريقية ومعالجتها بروح التعاون والتعلم المشترك، ويتطلب هذا إعادة بناء القدرة على الدبلوماسية والأخذ في الحسبان كيف أن العديد من المنظمات والمؤسسات الأميركية الأخرى خارج ميدان السياسة الخارجية، يمكنها أن تؤثر مباشرة في مستقبل إفريقيا. وفي ما يلي إرشادات عدة تعد ضرورية لتجنب تكرار العديد من أخطاء الماضي:

الابتعاد عن التدخلات الكارثية

تجنب التدخلات العسكرية التي تنطوي على نتائج سلبية، وهي نقطة كررها العديد من المراقبين منذ زمن بعيد، وسواء كان ذلك في نيجيريا أو الصومال، فقد أدت جهود مكافحة المتطرفين، وكذلك أعمال القمع الحكومية، إلى تأجيج التطرف وليس القضاء عليه. ويُجمع المحللون على أن التدخل الأجنبي لمواجهة حالات التمرد المتصاعدة في موزمبيق، ينطوي على كارثة.

وبالطبع ليست هناك أي أجوبة سهلة عن مثل هذه الصراعات، لكن ينبغي أن تكون أولوية الولايات المتحدة دعم المبادرات التعددية الرامية إلى حل الصراع وحفظ السلام، إضافة إلى الإغاثة الإنسانية، وبدلاً من افتراض أن واشنطن هي أفضل من يعرف، يجب على الإدارة المقبلة أن تأخذ النصيحة من مصادر مطلعة، مثل الرسالة الأخيرة التي صاغها أكثر من 80 باحثاً إفريقياً، والتي انتقدت قسوة الشرطة في نيجيريا.

ويجب ألا تخضع سياسة واشنطن نحو إفريقيا إلى حرب باردة جديدة مع الصين، ولعقود عدة كانت سياسة الولايات المتحدة خاضعة للحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي، وأدى ذلك إلى تدخلات كارثية في الكونغو، والتحالف مع نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وفي الواقع فإن تنافس الولايات المتحدة مع الصين اقتصادي وليس عسكرياً، لكن الرؤية الضيقة التي تتجاهل المصالح الإفريقية تمثل هزيمة للذات.

ويتعين على صانعي السياسة الأميركيين الاعتراف بأنه على الرغم من التباين الكبير في الحجم والقوة، إلا أن الدول الإفريقية مثل الولايات المتحدة، يجب أن تتلمس طريقها في عالم متعدد الأقطاب، ويتطلب ذلك حسن استخدام الفرص من أجل التعاون، إضافة إلى مواجهة التهديدات الآتية من مجموعة واسعة من القوى الخارجية.

كما يجب عدم فرض صيغ جاهزة تتعلق بالتقشف والخصخصة على الدول الإفريقية. وفي الدول المتطورة، كما في الدول النامية على السواء، فشل الاعتماد الشديد على السوق، وإنكار الدور الأساسي للحكومة في تشجيع التطور. وبدأ صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الاعتراف بهذا الفشل، لكن هذه الصيغ القديمة لاتزال تطبق على الدول الضعيفة التي لا تستطيع تحديد سياساتها وتقرير مصيرها. وتواجه الولايات المتحدة، والدول الإفريقية العديد من القضايا الدولية المتشابهة، التي تجب معالجتها على مستويات متعددة، وغالباً ما يكون التنسيق معقداً وغير كامل، لكن التعاون ضروري، بين الدول الإفريقية والمنظمات المتعددة الأطراف واللاعبين الخارجين الآخرين.

وقد تكون إسهامات الولايات المتحدة مهمة في ثلاثة مجالات:

الصحة العالمية

على الرغم من قلة الموارد إلا أن أداء الدول الإفريقية كان أفضل من أداء الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية، في التعامل مع جائحة «كورونا»، وعلى الرغم من أنها لا ترقى إلى النجاح الذي حققته دول منطقة المحيط الهادي، إلا أن الأفارقة استفادوا من التحركات المبكرة التي تم اتخاذها لمحاربة الفيروس، واستفادوا من التنسيق مع المكاتب الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية، ومراكز مراقبة المرض والسيطرة عليه في إفريقيا.

وينبغي على الولايات المتحدة، التي تأخرت وراء العالم كله، الاعتراف بحق الأسرة الدولية في العناية الصحية، وعليها أن تنظم بيتها أولاً، لكنها تتحمل مسؤولية دفع حصتها العادلة من أجل دعم الصحة العامة في الدول الإفريقية والدول النامية الأخرى. كما كُشفت جائحة «كورونا» فإن الحكمة والأخلاق يحتمان عليها القيام به.

تغيّر المناخ

تعد إفريقيا أكثر قارات العالم هشاشة أمام ظاهرة تغير المناخ، على الرغم من أنها تسهم بأقل كمية من الانبعاثات التي تؤدي إلى تغير المناخ، ويعتمد العديد من الدول الإفريقية على تصدير الوقود الأحفوري، ويعتمد كثير من سكان المناطق الريفية على الفحم من أجل الطبخ، الأمر الذي يسهم في انحسار الغطاء الأخضر من القارة، وتعد عودة الولايات المتحدة إلى اتفاقية باريس المناخية مجرد خطوة أولى على طريق طويل. وتتزايد الطاقة المتجددة بصورة متسارعة في إفريقيا، وتوجد إمكانية كبيرة للقيام بتوسع إضافي، الأمر الذي يجذب استثمارات خاصة وعامة من الدول المسؤولة عن مشكلة تغيّر المناخ، وثمة متسع للولايات المتحدة والصين، إذا كانتا مستعدتين للعمل مع الشركاء الأفارقة.

العدل الضريبي

التهرب الضريبي، والتدفقات المالية غير المشروعة، أديا إلى تآكل القدرة المالية للحكومات الإفريقية، ودعت الحكومات، إضافة إلى المجتمع المدني، إلى التحرك الدولي، لكن النجاح يعتمد على التحرك في الولايات المتحدة والمراكز المالية الرئيسة في العالم، حيث تقوم المصارف العالمية، وشركات المحاسبة، والشركات القانونية بتقديم المساعدة للشركات والأشخاص للتستر على الأصول المالية.

وتعمد الشركات العملاقة المتعددة الجنسيات على التهرب الضريبي عن طريق نقل أصولها إلى مناطق لا يوجد بها لوائح ضريبية أو ضرائب بمعدلات قليلة جداً. ومارست شركات ضخمة، مثل «فيس بوك» و«مايكروسوفت»، التهرب الضريبي لتفادي ضرائب بقيمة نحو 2.8 مليار دولار في نحو 20 دولة نامية.

وتعد الإجراءات القضائية في الولايات المتحدة أساسية من أجل الحصول على مزيد من الشفافية، وهو الأمر الذي يطالب به «ائتلاف محاسبة الشركات والشفافية المالية»، لكن الإجراءات التنفيذية القوية يمكن أن تلعب دوراً مهماً أيضاً، ويمكن أن يكون لوقف تدفق الأموال غير الشرعية تأثير في القدرة المالية للدول الإفريقية، من خلال تلبية حاجاتها من المساعدات والتجارة.

ومن المرجح أن سياسة إدارة بايدن إزاء إفريقيا ستعكس استمرارية ما اتبعته الإدارات السابقة، لكن إفريقيا والولايات المتحدة تجمعهما مصالح مشتركة تظهر للعيان بصورة متزايدة، الأمر الذي يغذي الأمل بأنه من خلال الدبلوماسية الخلاقة، ومزيد من التواضع، والاهتمام بكل ما يسبب القلق لإفريقيا، يمكن لصانعي السياسة الاقتراب أكثر نحو مشاركة ذات منفعة متبادلة.. وخلاصة القول إن السياسة الأميركية في إفريقيا ستكون مثمرة إلى أقصى حد، إذا كان صانعو السياسة الأميركيون مستعدين للتعلم والتعاون أكثر من مجرد الوعظ والإملاء.


ثانديكا مكاناوير

يتعين على صانعي السياسة الأميركية استقاء معلوماتهم المتعلقة بإفريقيا من المفكرين الأفارقة، أمثال الخبير الاقتصادي ثانديكا مكانداوير، ومن الخبراء الاقتصاديين العاملين في المفوضية الاقتصادية الإفريقية، التي مقرها العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، وهم يشاطرون الإجماع العالمي المتنامي، الذي مفاده أن استثمار الدولة في المنافع العامة، والقيادة الاستراتيجية للدولة من أجل التنمية الاستراتيجية، يعد من المتطلبات الأساسية من أجل التنمية المستدامة والعادلة، وهذا النوع من التفكير موجود في كتاب جديد يحمل عنوان «التنمية الاقتصادية الإفريقية: أدلة ونظرية وسياسة».

ثانديكا مكانداوير.  أرشيفية


• «لا تفرضوا تعليمات كاذبة من التقشف أو الخصخصة على الدول الإفريقية».

• على الرغم من قلة الموارد، فإن أداء الدول الإفريقية كان أفضل من أداء الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية في التعامل مع جائحة «كورونا».

إيماني كونتس - باحثة اقتصادية أميركية مهتمة بإفريقيا

ويليام منتر - باحث أميركي مهتم بالوضع الصحي في إفريقيا

تويتر