بعد فظائع عاشوها بسبب الحرب

شباب أفغانستان يحاولون رسم مستقبل لسلام دائم في بلادهم

صورة

في مطبخها الهادئ في شيكاغو، تروي (صفية) الأفغانية، التي بلغت 18 عاماً في سبتمبر، كيف أنها شاهدت مسلحاً يقطع رأس رجل لا حول له ولا قوة. وتقول: «كانت تلك أبشع لحظة في حياتي حينما شاهدت شخصاً يُقتل أمامي ولا يمكنني مساعدته»، وتضيف «وأصعب من ذلك أن تقرأ في عينيه أنه فقد الأمل في النجاة بحياته». حدث ذلك أمامها الصيف الماضي في أفغانستان. وعلى الرغم من أنه لايزال حدثاً جديداً في ذهنها، إلا أنها تتذكره بما يشبه الخوف الذي يعتري الأطفال حينما يتعرضون للعنف الروتيني أو فقدان الأهل.

كان الرجل مسافراً معها في مجموعة من الحافلات الصغيرة المتجهة إلى باميان. وعندما اقتربت الحافلات من أحد المنعطفات، شاهدت نقطة تفتيش تابعة لـ«طالبان»، وتوقفت الحافلات للتفتيش. قال أحد الركاب إن «طالبان» تبحث عن رجل كان يعمل في الجيش الأفغاني، وتلقت معلومات بأنه يستقل إحدى الحافلات، فضلاً عن تفاصيل حول مظهره وملابسه.

وبينما كانت (صفية) تنتظر داخل حافلتها الصغيرة، استطاعت أن ترى رجلاً يتم سحبه من سيارة أخرى من قبل أحد أعضاء «طالبان»، والذي أمره بالوقوف على جانب الطريق، ثم قطع رأسه على مرأى من الملأ. وتقول: «لن أستطيع أبداً نسيان ما رأيته»، وتضيف «الآن أصبحت أخشى من المسلحين أكثر من خوفي من الموت».

استطاعت (صفية) أن تحصل في ما بعد على منحة دراسية في أكاديمية وودلاندز في شيكاغو، ووصلت الآن إلى المرحلة النهائية لبرنامج منح فولبرايت.

إحباط من بطء مفاوضات السلام

يشكل الأطفال والشباب أكثر من ثلثي سكان أفغانستان، ويتأثرون بشكل غير متناسب بالعنف. وتأتي أفغانستان في المرتبة الثانية بعد القارة الإفريقية من حيث ارتفاع عدد الفئات العمرية الأصغر سناً في العالم، حيث تقل أعمار 48% من الأفغان عن 15 عاماً، ونحو 75% من السكان دون سن الـ29 عاماً.

وتقدّر البيانات التي جمعتها الحكومة الأفغانية أن أكثر من 12 ألفاً و500 طفل (من 18 عاماً أو أقل) قتلوا أو أصيبوا في أعمال العنف بين عامي 2015 و2018، بينما تم تجنيد 274 طفلاً لأدوار قتالية أو «دعم قتالي». وكشفت أبحاث أخرى أن ثلث الأطفال في أفغانستان عانوا ضغوطاً نفسية مرتبطة بفقدان أحد أفراد الأسرة بسبب المخاطر أو الإصابة جراء الهجمات الإرهابية في المدارس.

ويشعر الشباب في أفغانستان بالإحباط بسبب العنف والتقدم البطيء لمحادثات السلام بين الحكومة و«طالبان»، لذا بدأوا يأخذون شؤون السلام بأيديهم.

«إجماع الشباب الوطني»

يعتبر «إجماع الشباب الوطني من أجل السلام»، الذي أطلقه يحيى قاني (26 عاماً)، في يونيو، إحدى الحركات المتنامية التي تروج للسلام في جميع أنحاء أفغانستان. وتضم المنظمة 244 مجموعة، وأكثر من 2000 شاب من 34 مقاطعة في جميع أنحاء البلاد، يعملون لتأمين حصة لهم في محادثات السلام، وإنهاء الصراع.

بدأ يحيى مشواره في بناء السلام في عام 2014، حيث عمل أولاً متطوعاً مع حركة تعمل من أجل تمكين الشباب والنساء. ومضى في تأسيس نموذج الجمعية العامة للأمم المتحدة في كابول، ثم أصبح رئيساً لاتحاد الأمم المتحدة في أفغانستان، قبل أن ينشئ «إجماع الشباب الوطني من أجل السلام»، وهي، كما يقول، حركة مساواة حقيقية، لأنه ليس لها زعيم واحد.

علاوة على ذلك، فإن أعضاء هذه المنظمة جميعهم متطوعون، يدفعون من مالهم الخاص لبناء السلام. ويقول يحيى إن الشباب عنصر أساسي في عملية السلام في أفغانستان لأنهم سيرثون أي اتفاق سلام يتم التوصل إليه. وعلى هذا النحو، يعتقد أن أصواتهم جزء أساسي من عملية السلام، والتي ينبغي سماعها.

ويؤكد أنه «لا توجد استراتيجية من حكومتنا أو المجتمع الدولي لحماية الشباب، وتحديداً بناة السلام من الشباب وقادة المجتمع»، مضيفاً: «يتأثر نحو 10 آلاف شخص بهجمات المسلحين كل عام، ومن هؤلاء 8000 شاب، بمن فيهم شباب (طالبان)، الذين أصيبوا أو قتلوا بنيران (طالبان) وقوات الأمن الافغانية».

ويرى يحيى تقاعساً في مشاركة الشباب الذين تراوح أعمارهم بين 18 و35 عاماً داخل البلاد، والذين يشكلون على حد قوله نحو 90% من قوات الأمن الأفغانية، وأيضاً تراخياً في استعداد الحكومة للنظر في رؤيتهم لأفغانستان يسودها السلام والازدهار. ويقول: «إذا كان الشباب يحاربون من أجل السلام، فلماذا لا يوجد مكان لنا للحديث وتبادل الآراء عن السلام؟».

وبسبب عدم رضاه عن مقترحات الحكومة من أجل السلام، أنشأ برنامج «إجماع الشباب الوطني من أجل السلام»، الذي أطلقه في العاصمة كابول في 12 أغسطس بالتزامن مع يوم الأمم المتحدة العالمي للشباب.

وتعكس وثيقة البرنامج سلبيات عملية السلام الحالية - التي يزعم أنها ليست محايدة - ويقدم توصيات من أجل سلام دائم في أفغانستان. كما تحث وثيقة البرنامج الحكومة على الاعتراف بأن مشاركة الشباب في عملية السلام، على جميع المستويات، هي حق أساسي وأصيل يجب منحه للشباب.

وبالإضافة إلى الطلبات الموجهة للحكومة الحالية، تدعو وثيقة البرنامج «طالبان» الى الالتزام بالفصل الثاني من دستور أفغانستان، والذي يتضمن قائمة الحقوق والحريات التي يحق للمواطنين الأفغان التمتع بها. وتشمل هذه الحقوق التحرر من التمييز والاضطهاد، وحرية التعبير، والمساواة بين الجنسين، وحق الشعوب في انتخاب حكومتها.

وثيقة البرنامج متفائلة ومبتكرة، لكنها حذرة، وصاغتها مجموعة على دراية بالطبيعة الهشة للسلام في أفغانستان. وطالبت الوثيقة دول العالم بالعمل ضامنة لمحادثات السلام، ومواصلة تقديم الدعم والحماية للشعب الأفغاني بعد التوصل إلى اتفاق.

حيادية مفقودة

على الرغم من اتفاقها في الرأي مع (يحيى) و(صفية)، تشعر بريشنا بأن أفغانستان في حاجة لتأمين مستقبل سلمي. وتعتقد أن المفاوضات بين «طالبان» والحكومة تدور حول السيطرة السياسية أكثر من تحقيق سلام دائم. وتقول: «لقد بدأت (طالبان) الحرب باسم الدين، ولكن هذه حرب سياسية ولا علاقة لها بالإسلام»، وتضيف «لن يتحقق السلام أبداً إذا استمر القتال».

وبعيداً عن المخاوف بشأن صراع على السلطة بين الحكومة و«طالبان»، فقد جعل برنامج «إجماع الشباب الوطني من أجل السلام» الشباب يشعرون بأن الحكومة قد لا تكون مهتمة بإجراء حوار حقيقي مع الشباب الأفغاني. وتقول بريشنا: «هدفنا في الإجماع الوطني هو أن يكون هناك شخص مستقل عن الحكومة وعن (طالبان) في محادثات السلام، لكنني لا أعتقد أن الحكومة مهتمة بهذا الهدف، فمن خلال الاجتماعات التي أجريناها مع المسؤولين الحكوميين، لم نشعر بأي دعم في هذا الاتجاه».

لكن موقف الحكومة من إشراك الشباب، ومحادثات السلام، يتناقض مع الانتقادات التي يوجهها أعضاء برنامج «إجماع الشباب الوطني من أجل السلام»، فقد تحدث الرئيس الأفغاني أشرف غني عن دور الشباب في محادثات السلام، وأكد ضرورة إشراك الشباب لأن الاتفاق على السلام سيكون له تأثير بعيد المدى على مستقبلهم. وتماشياً مع هذه السياسة، اختارت حكومة غني شابين لتمثيل الشباب، خالد نور وباتور دوستم، وهما الآن جزء من فريق التفاوض في الدوحة.

إلا أن أعضاء البرنامج يعبرون عن قلقهم بشأن اختيار خالد وباتور لأنهما، حسب اعتقادهم، من أبناء أمراء الحرب البارزين الذين يشغلون مناصب رفيعة. ويقول يحيى إن ممثلَي الشباب في فريق التفاوض في الدوحة ليسا ممثلَين للشباب بالفعل، بل يمثلان الأحزاب السياسية لأنهما من أبناء أمراء الحرب، ولم يعيشا في أفغانستان من قبل، ولا يعرفان ما يحدث على الأرض ولا يعرفان ما الذي سيناقشانه في هذه الاجتماعات، لأنهما ليسا على اتصال بشباب أفغانستان.


محنة ملالا الأفغانية

بريشنا موسازي (31 عاماً)، صارت تعرف باسم «ملالا أفغانستان»، على غرار الناشطة النسوية الباكستانية ملالا يوسفزاي، بعد أن أطلقت عليها «طالبان» النار ثلاث مرات عام 2016، لكنها ظلت على قيد الحياة، وتخرجت بمرتبة الشرف في الجامعة الأميركية في كابول، وهي عضو في برنامج «إجماع الشباب الوطني من أجل السلام».

كانت بريشنا في المسجد لصلاة العشاء مع صديقتها، عندما سمعتا طلقات نارية تبعها انفجار. لم تستطع بريشنا، المصابة بشلل الأطفال في ساقها اليمنى، الركض، وقررت المرور عبر مبنى قريب من طوابق عدة، معتقدة أنه سيكون أكثر أماناً من عبور الحديقة المكشوفة والمناطق الخارجية للمسجد.

وعندما اقتربت من مدخل المبنى، لاحظت وجود زجاج مكسور على الأرض. ولأن الهجوم لم يترك لها فسحة من الوقت لانتعال حذائها مرة أخرى بعد الصلاة، لم يكن أمامها خيار سوى المشي عبر الزجاج بقدميها الحافيتين. وعندما دخلت المبنى، وجدت فتيات عدة مختبئات بالداخل، وكنّ جميعاً ممن أدّين الصلاة في المسجد.

كانت إحدى الفتيات تحاول مساعدة أخرى في الدخول إلى غرفة من خلال نافذة مرتفعة مكسورة جزئياً. وخلال المحاولة انخلع إطار النافذة فجأة، وسقطت الفتاة لتصيب الأخرى الموجودة في الأسفل بجروح في أنفها ووجنتها. ولمساعدتها أخذت بريشنا منديلاً من حقيبتها لتقدمه للفتاة عندما سمعت صوت شخص خلفها، واستدارت لترى رجلاً يحمل مسدساً ويرتدي زي حارس الأمن. تنفست الصعداء لكن الرجل أطلق عليها النار، فقد ارتدى مقاتلو «طالبان» زي حراس الأمن في ذلك المساء، لكيلا تكتشفهم سلطات إنفاذ القانون المحلية. أصابت الرصاصة ساقها اليسرى. لكنها تظاهرت، عندما سقطت على الأرض، بأنها ميتة، إلا أن المسلح أطلق عليها النار مرة أخرى، وأصابت الطلقة الثانية قدمها اليسرى.

ركضت الفتيات خارج الغرفة، بينما استلقت بريشنا على الأرض بلا حراك، ولم تجرؤ على الصراخ أو الحركة خوفاً من أن يطلق عليها المسلح النار في رأسها لينهي حياتها، لكنه ترك المكان مسرعاً. ومع حلول الليل، رأت هاتفها يومض، فقد كان أفراد عائلتها يتصلون بها، وكانت قد حولت هاتفها إلى الوضع الصامت في المسجد، لكنها نسيت إعادة تشغيل الصوت عندما خرجت من المسجد، وهو ما أنقذها في ما بعد عندما فكرت في النجاة بحياتها. ثم سمعت همساً في الممر، ودوت الطلقات فوق رأسها، وتطايرت في جنبات الغرفة عندما تبادلت «طالبان» والشرطة الأفغانية النار. وظنت في تلك اللحظة أن نهايتها قد دنت.

أصابت رصاصة ثالثة ساقها اليسرى، إلا ان وابل الرصاص انحسر ثم توقف في النهاية. والتقطت هاتفها وأرسلت رسالة نصية إلى والديها، وأخبراها أن الشرطة ستصل الى المكان لتأخذها، وعندما اقتربت من سيارة الإسعاف التي كانت تنتظرها في الخارج، سقطت خائرة القوى على كتف شرطي، وشعرت بالألم عندما اصطدمت ساقها المكسورة بظهره، لكنه طلب منها الهدوء لأن «طالبان» يترصدونهما. واستمرت محنة بريشنا ست ساعات، وألحقت بها خسائر ليس فقط بجسدها، ولكن أيضاً بصحتها العقلية، وظل ينتابها الخوف لأشهر عدة بعد الهجوم.

«إجماع الشباب الوطني من أجل السلام»، إحدى الحركات المتنامية التي بدأت تروّج للسلام في جميع أنحاء أفغانستان، لتأمين حصتها في محادثات السلام، وإنهاء الصراع.

وثيقة برنامج «إجماع الشباب الوطني من أجل السلام» متفائلة ومبتكرة، لكنها حذرة، وصاغتها مجموعة على دراية بالطبيعة الهشة للسلام في أفغانستان. وطالبت الوثيقة، في مخاطبتها المجتمع الدولي، دول العالم بالعمل ضامنة لمحادثات السلام، ومواصلة تقديم الدعم والحماية للشعب الأفغاني بعد التوصل إلى اتفاق.

بريشنا موسازي كادت أن تفقد حياتها بعد أن تعرضت لإطلاق النار مرات عدة على قدميها.  من المصدر

تويتر