كما حدث في دول عربية

أميركا تنجرف إلى التفكك القومي مع فقدان الهوية الوطنية

صورة

خلال حيث التقيت، من بين مجموعة متنوعة من الأشخاص المثيرين للاهتمام، مجموعة من طلاب الجامعات الأكراد. وفي مرحلة ما من حديثنا، سألت الطلاب: «ما مجموعة الأفكار والمبادئ والتاريخ والرواية الوطنية، التي تشاركونها مع طلاب الجامعات في بغداد أو البصرة؟». وكانت إجابتهم الجماعية: «لا شيء!».

إذا لم يتمكن العراقيون من الاتفاق على مجموعة مشتركة من الأفكار، حول ما يعنيه أن تكون عراقياً، فقد بدا أن البلد مصيره الانهيار النهائي. وهذا ليس تشبيهاً بين الولايات المتحدة والعراق، ومثل العديد من البلدان الأخرى، في الشرق الأوسط وأماكن أخرى، لكن يجب على الولايات المتحدة أن تواجه الحالة المرضية لهويتها.

الهوية الوطنية

وعلى وجه التحديد، أنا أشير إلى الهوية الوطنية، من خلال الطرق التي يعرّف بها الأميركيون أنفسهم، وعلاقتهم بالدولة، وعلاقاتهم ببعضهم بعضاً. وبالطبع، لدينا جميعاً ما يسميه علماء الاجتماع «مكونات الهوية»، التي نؤكد على أجزاء منها في أوقات مختلفة بناءً على الظروف.

وللتوضيح أضرب مثالاً: صديق قديم عرّف نفسه على «تويتر»، باسم «أبو إل جايم كوك»، والذي يعكس أنه أميركي من أصل مصري، نشأ في ساوث كارولينا، وهو من أشد المعجبين بشركة «جايم كوك»، التابعة لجامعة كارولينا الجنوبية. وكما أوضح لي، منذ سنوات عدة، فهو أميركي عندما يكون بين المصريين، وعربي بين الأميركيين، ومصري بين العرب.

وغالباً يستخدم القادة السياسيون الهوية، لتعزيز مصالحهم الخاصة أو مصالح بلدانهم.

ما علاقة كل هذا بالولايات المتحدة؟

عندما كنت في السليمانية أتحدث مع طلاب الجامعة الأكراد، أتذكر أنني كنت أفكر في مدى اختلاف النظرة بين الأكراد العراقيين والعرب العراقيين، عن الأميركيين. وقد كان من البديهي بالنسبة لي أنه على الرغم من أنني جئت من منطقة متميزة في الولايات المتحدة، ولديَّ تاريخ عائلي مميز، فإنني مازلت أشارك الأفكار الأساسية حول معنى أن تكون أميركياً، مع أشخاص في جميع أنحاء بلادي. وبالطبع، لقد أدركت أن هذا كان ساذجاً بعض الشيء، وأنه في حد ذاته نتاج خبراتي الخاصة وتعليمي، بالنظر إلى كيفية استمرار الأشخاص الملونين، والنساء، والمهاجرين وغيرهم في معاناة الظلم. ومع ذلك، لا أعتقد أنني كنت ساذجاً للغاية، بحيث لا أصدق أن أعداداً كبيرة من الأميركيين، يمكن أن يتفقوا على الروح التأسيسية للدولة والشعور بأننا أردنا، مع ذلك، أن نسعى جاهدين لتحقيقها.

وتم إثبات ذلك، من خلال الصداقات التي كانت بيني وبين أشخاص لا أشترك معهم إلا في القليل، والذين لا أتفق معهم في جميع القضايا السياسية تقريباً. خذ على سبيل المثال، زميل لي من منطقة الغرب الأوسط العليا. في البداية كانت وسيلتنا الوحيدة للاتصال هي المحاور الثقافية، عندما كنا مراهقين، في الثمانينات من القرن الماضي، وهي جزء من مرجع هويتنا. ومع ذلك، مع مرور الوقت، اكتشفنا أننا نؤمن بالعديد من المبادئ والأفكار الأساسية نفسها، التي تدعم هويتنا كأميركيين، بما في ذلك الحرية، وسيادة القانون، وتكافؤ الفرص، على سبيل المثال لا الحصر، على الرغم من أننا نصوت في اتجاهات مختلفة.

لكن في الآونة الأخيرة، بدأت أتساءل عما إذا كان هذا صحيحاً بالمعنى العام. وهل يشترك عدد كافٍ من الأميركيين في الشعور بالانتماء القومي بحيث لايزال بإمكاننا الإشارة إلى هوية وطنية مشتركة؟ وعلى مدى السنوات الأربع الماضية، كشف الرئيس دونالد ترامب جوانب من المجتمع الأميركي تزرع الشك في ذهني.

أوجه شبه

قرأت، أخيراً، كتاباً عن الولايات المتحدة حتى الحرب الأهلية وخلالها؛ وأوجه الشبه بين وضعنا الحالي وفترة ما قبل الحرب الأهلية صارخة ومقلقة. لكنني اعتقدت، منذ فترة طويلة، أن الإنجازات والانتصارات اللاحقة للبلاد - إعادة الإعمار، والحرب العالمية الأولى، والكساد العظيم، والحرب العالمية الثانية، وحركة الحقوق المدنية، والحرب الباردة، والعولمة، وثورة التكنولوجيا - تربط البلاد معاً، من خلال تشكيل هوية مشتركة. وأنتج هذا التاريخ أساطير حول المشروع القومي لأميركا، يمكن للجميع المشاركة فيها. بطبيعة الحال، لم تكن القصة القومية لأميركا، دائماً، هي المادة التي تغمرها الشمس، مثل «صباح أميركا» للرئيس رونالد ريغان. وفشل إعادة الإعمار، ومازلنا نعيش مع إرث «جيم كرو» - الفصل العنصري. وسياسات الهجرة الأميركية الحالية وصمة عار على البلاد. وعلى الرغم من النجاح الملهم الذي حققته نائبة الرئيس المُنتخبة كامالا هاريس، فلاتزال النساء يتقاضين أجوراً منخفضة، ولا يتم تقدير جهودهن بشكل متناسب، وغالباً تساء معاملتهن في كثير من مجالات الحياة بأميركا.

لكن السرد المشبع بالأساطير، والذي أصبح مركزياً للهوية الأميركية، خدم غرضاً موحداً مهماً. ومن بين أفضل المظاهر المادية لتلك الهوية - كما أراد من بناها أن تكون - جسر «أرلينغتون» التذكاري، الذي يربط واشنطن العاصمة بولاية فيرجينيا، مع نصب لنكولن التذكاري، على أحد طرفيه، ومقبرة أرلينغتون الوطنية، ومنزل روبرت إدوارد لي، في الطرف الآخر. ومرة أخرى، بينما يتم تجاهل العديد من الأميركيين بسبب الرمزية المقصودة للجسر، فإن شكل هذه البادرة نحو الوحدة والهوية المشتركة، هو الشيء المهم الذي يجب الحفاظ عليه. ويخضع الجسر لأعمال البناء، خلال السنوات الماضية، لكن يبدو أنه فقد رمزيته. ونظراً لعدم قدرتنا على إجراء حوار، فإنه سؤال مفتوح عما إذا كان الأميركيون يريدون تشكيل هوية مشتركة. وهناك أوجه تشابه مقلقة مع طريقة تفكير من تحدثت إليهم في السليمانية بشأن بلدهم. وقد عانوا هم ومواطنوهم في أماكن أخرى من البلاد، عواقب وخيمة نتيجة عدم قدرتهم على الاتفاق في ما يعنيه أن تكون عراقياً، لدرجة رفض الفكرة نفسها في حالة العديد من الأكراد. وتجلت الهوية المتنازع عليها في الشرق الأوسط، في عدم الاستقرار السياسي، والعنف، والصراع الأهلي. والأميركيون، على الرغم مما نقوله لأنفسنا عن استثنائيتنا، ليسوا بمنأى عن مصير مماثل.

ستيفن كوك خبير بمجلس العلاقات الخارجية.. من مؤلفاته كتاب: «الفجر الكاذب: الاحتجاج والديمقراطية والعنف في الشرق الأوسط الجديد».


لدى الأميركيين جميعاً ما يسميه علماء الاجتماع «مكونات الهوية»، والتي نؤكد على أجزاء منها في أوقات مختلفة، بناءً على الظروف.

على الرغم من النجاح الملهم، الذي حققته نائبة الرئيس المُنتخبة كامالا هاريس، فلاتزال النساء يتقاضين أجوراً منخفضة، ولا يتم تقدير جهودهن بشكل متناسب، وغالباً تُساء معاملتهن في كثير من مجالات الحياة بأميركا.

*

تويتر