جنون العظمة واضطراب الشخصية المعادية للمجتمع والنرجسية

ترامب يلبي كل معايير الاضطراب النفسي

صورة

إن مسألة ما إذا كان (الرئيس الأميركي) دونالد ترامب غير لائق عقلياً كي يصبح رئيساً، أو بصراحة أكثر، ما إذا كان يعاني اضطراباً عقلياً خطيراً، ليست مسألة يمكن الاستخفاف بها، ومع ذلك يبدو أحياناً أنه تشوبها بعض الكوميديا. في عام 2017، عندما بلغت التكهنات حول الحالة العقلية لترامب درجة الغليان، نشر الطبيب النفسي، ألين فرانسيس، الذي كتب المعايير التي تحدد اضطراب الشخصية النرجسية، رسالة لصحيفة نيويورك تايمز، يصر فيها على أن تلك المتلازمة لا تنطبق على ترامب. لكنني بحثت عن تلك المعايير في العديد من المواقع الطبية البارزة، وخمنوا ماذا وجدت؟ ترامب يلبي كل معيار من تلك المعايير. لا تأخذوا كلامي على عواهنه، ابحثوا عنها بأنفسكم. تلك الرسالة المرسلة لرئيس تحرير «نيويورك تايمز» تبدو كأنما انبعث الطبيب النفسي الشهير، سيغموند فرويد، من موته ليدعي أن الشخصية التي أداها الممثل وودلي آلان، في أحد أفلام السبعينات لا تتعلق بالجنون بالفعل.

ترامب هو من النوع المتهور، الذي ألهم الكثيرين منا لعب دور طبيب نفساني يجلس على كرسي هزاز بذراعين. كنا نضعه ممدداً على الأريكة طوال فترة رئاسته. لذا فإن معظم، إن لم يكن كل، الأفكار التي يقدمها الفيلم الوثائقي القادم «غير مناسب: سيكولوجية دونالد ترامب»، والذي سيتم إطلاقه في 28 أغسطس، ستكون مألوفة لأي طالب في علم النفس، والتي يمكن أن نسميها «متلازمة ترامب».

ترامب، كما يشرح مخرج الفيلم، دان بارتلاند، هو شخص نرجسي خبيث، ويستعرض الفيلم تفاصيل الصفات الأربع في ترامب التي تحدد هذه المتلازمة: جنون العظمة لديه (الشعور بأن أي صحافي يسأله سؤالاً صعباً، أو أي موظف لا ينحني له، لابد أن ينال منه)، اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع (الكذب المستمر، عدم إبداء الندم على أكثر الأشياء المدمرة التي يفعلها)؛ السادية (آلاف الهجمات الشرسة والشتائم في تغريداته)؛ والنرجسية (ولا أحتاج إلى تفصيل ذلك؟).

بالإضافة إلى ذلك، يحلل الفيلم ميله إلى خلق واقعه الخاص به والعيش فيه، ويستكشف غياب تعاطفه - والذي، بالطبع، هو السمة المميزة للمعتل اجتماعياً. (إنهم ليسوا مجانين؛ إنهم لا يهتمون بك - أو بأي شخص آخر)، ويجعله ذلك في صف واحد مع الزعيم النازي، إدولف هتلر، والزعيم الفاشي بينيتو موسوليني، والزعماء المستبدين في عصرنا.

أخبار قديمة

قد تبدو معظم هذه الأفكار كأنها أخبار قديمة. ومع ذلك، يكشف الفيلم عن فروق داخلها. يعلق الكاتب الرياضي المخضرم، ريك رايلي، مؤلف كتاب (القائد الغشاش: كيف يفضح الغولف ترامب)، حيث يعتبر ترامب (من بين أفضل رؤساء رياضة الغولف لدينا)، لذا فإن رايلي يطرح سؤالاً: لماذا يحتاج ترامب للغش في لعبة الغولف؟ وفقاً لرايلي، يقوم ترامب بتجهيز عربة الغولف الخاصة به ليكون في الملعب قبل الآخرين، حتى يتمكن من اختيار نقطة الانطلاق، وليكون أكثر قدرة على التلاعب بالنتائج. سيضع قاعدة الكرة في المكان الخطأ، أو ينفي أنه سدد كرة لتقع داخل البحيرة. وعندما يخسر يدعي أنه فاز بالبطولة، أو أنه اللاعب الوحيد. لقد حاول خداع لاعب الغولف الشهير، تايغر وودز. ويشير الفيلم إلى أنه إذا كان ترامب يغش في لعبة الغولف، فسيغش في أي شيء.

منذ البداية، كان التحليل النفسي لترامب محفوفاً بالجدال، وكثير من الأطباء النفسانيين يتبعون تعليمات «قاعدة غولد ووتر»، الخاصة بالرابطة الأميركية للطب النفسي، التي صدرت في 1964، والتي تحظر عليهم إجراء تشخيص فردي لشخصية عامة. في عام 1964، نشرت مجلة «فاكت» مسحاً شمل 1189 طبيباً نفسياً، قالوا إن المرشح الرئاسي، باري غولدووتر، غير لائق ليصبح رئيساً. ورفع غولد ووتر دعوى قضائية عليهم وفاز بها، ووفقاً لعالم النفس، جون غارتنر، أنه كان محقاً في الفوز. واستعرض المقال الأصلي، الذي نشرته المجلة، حكايات تشخيصية عن غولدووتر، مثل: «لم يغفر لوالده أبداً، لكونه يهودياً»، و«إنه قاتل جماعي». وبعبارة أخرى، كان ذلك محض تخمين شائن. وكان المبدأ التوجيهي الذي انبثق عن هذا، هو أن الأطباء النفسيين يجب ألا يقدموا تشخيصات لشخصيات عامة، لم يحللوها هم شخصياً.

طريقة توجيه

لكن غارتنر، في الفيلم الوثائقي، يدعي أن قاعدة غولد ووتر لم يكن القصد منها أن تكون عقبة في طريق النشر، بل كانت طريقة لتوجيه المؤسسة النفسية، بعيداً عن التكهنات التي لا أساس لها من الصحة. وهناك قاعدة أقل شهرة، تُعرف باسم قاعدة تاراسوف، تقضي أنه من واجب الأطباء النفسيين تحذير الأشخاص ذوي العلاقة عندما يكون المريض معرضاً لخطر الأذى. وظهرت تعليمات تاراسوف عام 1969، عندما أخبر مريض طبيباً نفسياً بأنه سيقتل صديقته. ولم يحذر الطبيب الفتاة، وعاد المريض إلى المنزل، وارتكب هذه الجريمة. وأصبح، الآن، قانوناً في جميع الولايات الخمسين، أنه إذا كان الطبيب النفسي مدركاً لخطر محتمل تسقط السرية في هذه الحالة.

ويدعي غارتنر أن هذا ينطبق، تماماً، في حالة ترامب. يقول غارتنر: «إذا لم نتحدث، فإن ذلك يعتبر عملاً غير أخلاقي». ويمضي في انتقاد رائع لقاعدة غولد ووتر – لاسيما أن قواعد الرابطة الأميركية للطب النفسي ترتكز إلى السلوك الذي يمكن ملاحظته، والذي أبداه ترامب بوفرة. وقد يكون الرئيس ذو السلوك الأكثر ملاحظة في التاريخ. لكن إذا كان الطبيب النفسي يجري مقابلة شخصية مع، على سبيل المثال، معتل اجتماعياً، فمن طبيعته أن يكذب عليه.

ويشير الفيلم، أيضاً، إلى أن بعض الأمراض العقلية يجب ألا تؤدي إلى استبعاد أي شخص من الرئاسة، فقد عانى أبراهام لينكولن الاكتئاب، وربما ساعده المرض بالفعل على الانتصار في الحرب الأهلية. ويقول غارتنر: «لقد كان هذا الأمر مستوحى من هويته، لهذا استطاع أن يتحمل العبء الهائل للحرب الأهلية».

النرجسية

لكن النرجسية الخبيثة هي خبيثة بالفعل. ويفسر الفيلم هجمات ترامب على وسائل الإعلام - هجماته على الحقائق، وعلى الواقع نفسه كوسيلة لتشويه إحساس الجمهور عمداً بما هو حقيقي وما هو غير حقيقي. ويناقش الطبيب النفسي، لانس دودز، وهو إحدى شخصيات الفيلم أن افتقار ترامب للولاء – بسبب كل الأشخاص الذين طردهم - هو انعكاس مباشر لعدم وجود شخص يتعاطف معه، وأنه ليست لديه صلات بشرية. وتبدأ تلك الهجمات من «أنت أعظم شخص، أنت شخص مروع، أنت شخص لا قيمة له، سأهاجمك، وسأحطمك».

في منتصف الفيلم، الذي تبلغ مدته 84 دقيقة، يتخذ الفيلم خطوة إلى الوراء، ليعكس الضوء على حياة ترامب الداخلية، كما كانت عليه الحال، وينتقل إلى موضوعات، مثل: ما إذا كان عنصرياً أم لا - زوج مستشارة ترامب، كيليان كونواي، جورج كونواي (الذي رفض الوظيفة في الإدارة)، كان متاحاً ليشهد بأنه كان يشك في ترامب، لكنه قرر، في النهاية، أنه عنصري بالفعل، وأن إرادته السياسية، وخطابه، يتداخلان مع إرادة وخطاب موسوليني وهتلر. (اعتاد ترامب قراءة خطب هتلر قبل النوم، واستخلص منها خدعة تكرار العبارات ثلاث مرات). هذه القضايا، بالطبع، لاتزال تدور في لبّ محور النقاش بشأن ترامب.

السؤال المرعب

عندما يكتمل الفيلم، فإن الرؤية النفسية لترامب تعود لتتركز على السياسة، لاسيما في ما يتعلق بالأسلحة النووية. هل سيستخدمها ترامب؟ هذا هو السؤال الأكثر رعباً الذي يمكننا طرحه، وإذا كانت الإجابة متجذرة في حالته العقلية، وإذا كان سيطلق تلك الأسلحة، فسيؤكد ذلك أسوأ مخاوفنا بشأن شياطينه.

الفيلم لا يتطرق، أبداً، إلى ما كنت أعتقد، دائماً، أنه أكثر الجوانب غير السوية عقلياً في شخصية ترامب، وهي أننا جميعاً نعرف عدد الأكاذيب التي أطلقها في منصبه (ولسنوات عدة قبل ذلك)، نظراً لأنها موثقة توثيقاً جيداً. لكن بصرف النظر عن فظاعة احتياله اليومي، يجب علينا أن نتساءل: لماذا يطلق كل هذه الأكاذيب، لدرجة أنه قد يصدق بالفعل عدداً منها؟ ما الواقع الذي يعيش فيه دونالد ترامب؟ إذا عرفنا إجابة ذلك، فيمكننا أن نطلق اضطراباً جديداً على اسمه، وهو اضطراب ربما قد يفخر بإطلاق اسمه عليه.

أوين غليبارمان ناقد سينمائي


يفسر فيلم «غير مناسب: سيكولوجية دونالد ترامب» هجمات ترامب على وسائل الإعلام، وهجماته على الحقائق، وعلى الواقع نفسه كوسيلة لتشويه إحساس الجمهور عمداً بما هو حقيقي وما هو غير حقيقي. ويناقش الطبيب النفسي، لانس دودز، وهو إحدى شخصيات الفيلم أن افتقار ترامب للولاء، بسبب كل الأشخاص الذين طردهم، هو انعكاس مباشر لعدم وجود شخص يتعاطف معه، وأنه ليست لديه صلات بشرية.

تويتر