راح ضحيتها الآلاف من الجنود الأميركيين والمدنيين والعسكريين الأفغان دون مبرر

الغش والخداع بشأن حرب أفغانــستان يتكشف أمــــام الرأي العـــام الأميركي

صورة

أعرب مشرعون ومحاربون قدامى وخبراء أميركيون عن صدمتهم واندهاشهم، بعد أن كشف تقرير لصحيفة «واشنطن بوست»، الإثنين الماضي، عن 18 عاماً من التشويه والكذب والخداع من قبل المسؤولين الأميركيين بشأن مجريات الحرب في أفغانستان. وكشفت وثائق، تضمنت 2000 صفحة، الكثير من الإخفاقات، والفشل الذريع بشأن الحرب، أجريت مع أكثر من 400 شخص، بدءاً من السفراء، ونزولاً إلى القوات على الأرض. وعلى الرغم من ذلك، ظلت ثلاث إدارات رئاسية متعاقبة تصر على أن الحرب تسير في الاتجاه الصحيح.

ويقول عضو لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، السيناتور ريتشارد بلومنتال، رداً على ذلك: «يجب أن نضع حداً للحلقة المفرغة القاتلة من المعلومات الخاطئة، والاستراتيجيات غير المحددة وغير المدعمة»، داعياً إلى عقد جلسات علنية مع وزير الدفاع، مارك إسبر، ومسؤولين آخرين. ويقول عضو اللجنة، السيناتور غوش هاولي: «يجب أن تعقد لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ جلسات استماع حول حالة الصراع في أفغانستان، والتفاصيل المثيرة للغضب، والأكاذيب المزعومة التي وردت إلينا اليوم».

وتجيء تصريحات المشرعين هذه بعد أن بدأ المحاربون القدامى ينظرون إلى حربهم من خلال عدسة جديدة، ويقول أحد المحاربين القدامى بفيلق مشاة البحرية (المارينز)، واسمه داستن كيلي، إن التقرير أيقظ فينا من جديد شعوراً مؤلماً بأننا كنا نجهل بالضبط المسعى الذي ضحى من أجله الرفاق. ويضيف كيلي، الذي عمل في مقاطعة هلمند في عام 2010 لاستعادة معقل «طالبان»: «لم يكن من المفترض أن نعاني مثل هذه الصدمة الأكثر إيلاماً في حياتنا، ولا ينبغي أن يموت أصدقاؤنا على الجانب الآخر من هذا الكوكب».

لا نية للتضليل

وتنفي وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أنها كانت تسعى إلى تضليل المشرعين والجمهور، وتقول إن «هذا الإدراك المتأخر» المستنبط من الدروس المستفادة، ومن السجلات السرية التي جمعها مكتب المفتش العام لإعادة إعمار أفغانستان، ساعد على مراجعة واستنباط استراتيجية الوزارة. ويقول المتحدث باسم وزارة الدفاع، الفريق توماس كامبل، في بيان: «لم تكن هناك نية من وزارة الدفاع لتضليل (الكونغرس) أو الجمهور»، ويضيف «لقد ظل مسؤولو وزارة الدفاع يوضحون باستمرار التقدم والتحديات المرتبطة بجهودنا في أفغانستان، وتقدم وزارة الدفاع تقارير دورية إلى (الكونغرس)، تبرز هذه التحديات، كما يتم تقديم المعلومات الواردة في المقابلات إلى مكتب المفتش العام لإعادة إعمار أفغانستان لإدراجها في التقارير العامة لهذا المكتب». ويؤكد كامبل: «سنظل في أفغانستان لحماية مصالحنا الوطنية، وضمان عدم استخدام أفغانستان مرة أخرى كملاذ آمن للإرهابيين الذين يهددون الولايات المتحدة». ودافع الجنرال المتقاعد بالجيش، ديفيد بترايوس، عن التقارير التي قدمها من أفغانستان خلال فترة وجوده هناك قائداً للقوات الأميركية في عامي 2010 و2011.

ويقول بترايوس في بيان أرسل عبر البريد الإلكتروني لصحيفة «ديلي بيست»: «إنني أقف إلى جانب التقييمات التي قدمتها كقائد في أفغانستان»، مؤكداً أن «التقدم الذي أحرزناه، رغم ما بذلنا فيه من جهد، ورغم هشاشته، لا غنى لنا عنه». ويضيف أنه «كان هناك تقدم لا يمكن إنكاره على الجبهة الأمنية، ولاأزال متمسكاً بما أبلغت عنه (الكونغرس) وفريق الأمن القومي خلال ذلك الوقت». ويقول جندي سابق في مشاة الجيش، واسمه روب ويليام، وكان قد شارك في عمليتي انتشار في أفغانستان، إن «المهمة لم تكن واضحة تماماً، حتى إن وزير الدفاع، دونالد رامسفيلد، لم يكن نفسه يستطيع تحديد هوية العدو بعد سنوات عدة من ذلك». ويضيف «لم نكن نعرف من هو العدو الذي نقاتله»، مشيراً إلى عمليات الانتشار في الفترة بين 2007 و2011.

الحقيقة

ويتساءل ويليام وغيره من قدامى المحاربين عما إذا كانت الحقيقة في التقرير يتم إيضاحها تماماً للمحاربين القدماء طوال الوقت. ويرى كيلي أن القتال العنيف يدل على مدى استماتة المسلحين، بعد أن فهمت وحدته أن مهمتها في أفغانستان هي أن تصبح في الأساس أحد تروس الحرب التي انتقلت من سيئ إلى أسوأ. ويقول «لا يمكن لأحد أن ينظر إلى الوراء، ويهتف: نعم، لقد فزنا».

لقد قلل مسؤولو الدفاع والقادة والعاملون الحكوميون منذ البداية من تعقيدات القتال، كما كشفت الوثائق، حيث خرجت الحرب عن نطاق السيطرة، عندما تحول هدف المهمة المتمثل في طرد مقاتلي «القاعدة» و«طالبان» إلى هدف آخر. وأصبحت المهمة هي «بناء أمة على هيكل فوقي من حكومة لصوص تعيث فساداً مذهلاً، يسري حتى مستوى دوريات الشرطة، والنتيجة مقتل 43 ألفاً و74 مدنياً أفغانياً، و2200 جندي أميركي، و64 ألفاً و124 جندياً وشرطياً أفغانياً في حرب لم يكن لها مثيل في الشدة في أي وقت مضى.

عبثية الحرب

غالباً ما يرفض القادة الميدانيون مبدأً أساسياً لاستراتيجية «البنتاغون» يتمثل في بناء قدرات القوات الأفغانية، حيث كان هؤلاء القادة أكثر ميلاً للقتال منه إلى تدريب القوات الأفغانية. ويقول ضابط الاستخبارات السابق بالجيش الأميركي، تشارلز دنكان، الذي خدم في أفغانستان عام 2013، إن ذلك ربما يكون «قد قضى على مجمل الجهد منذ البداية». ويضيف: «كنت أعتقد أن عبثية الحرب كانت مرئية فقط للذين هم أدنى منا رتبة، لكنني الآن أعلم أن هذه الرؤية المتشائمة يشاركهم فيها المسؤولون على طول التسلسل القيادي، ومع ذلك تصرفنا جميعاً وكأننا كسبنا الحرب». استخدم المشرعون هذا التقرير للدعوة إلى إنهاء الحرب في أفغانستان، وإلغاء سلطة الرئيس الواسعة، التي يستخدمها لضرب الجماعات الإرهابية، التي يقول منتقدون إنها أبقت الحرب على الإرهاب تمضي في مسار لا نهاية له. ويقول السيناتور الجمهوري، تود سي يونغ، إن القصة تشير إلى أن «الوقت قد حان لإجراء رقابة جادة، والعمل بمسؤولية على إعادة قواتنا إلى الوطن من أفغانستان». ويقول النائب الديمقراطي بلجنة القوات المسلحة بمجلس النواب، روبن غاليغو، وهو من قدامى المحاربين، إنه لم يصب بصدمة من التقرير، ولكنه يعزو الإخفاقات إلى القادة، الذين أصدروا تصريحات وردية، وللمشرعين، الذين دافعوا عنهم. وصرح لصحيفة «ذا بوست»: «كل جنرال وصانع سياسة حرص على ألا يكون هو الشخص الذي ينهي الحرب، ليوصمه الناس في ما بعد بأنه الشخص الذي تسبب في خسارة أميركا لأفغانستان، بدلاً من أن يكون الشخص الذي ينهي هذا المستنقع».

وتقول المرشحة الرئاسية الديمقراطية، إليزابيث وارين: «لا توجد استراتيجية عمل، ولا شفافية، حيث تعتبر الحرب في أفغانستان أطول نزاع مسلح في تاريخ الولايات المتحدة، وحصدت أرواح الآلاف من أفراد الخدمة الأميركيين والمدنيين الأفغان. لقد حان الوقت لإعادة قواتنا إلى الوطن».

ويقول المسؤول السابق بوزارة الدفاع خلال إدارة الرئيس باراك أوباما، والمحارب القديم في أفغانستان، أندرو إكسوم، إن ردود الفعل الشرسة من المشرعين كانت «مخادعة» بالنظر إلى واجباتهم الإشرافية، واطلاعهم على تقارير مكتب المفتش العام لإعادة إعمار أفغانستان لسنوات.

ويقول جو كنت، الخبير السابق في القوات الخاصة بالجيش الأميركي، الذي خدم في اليمن وأجزاء من إفريقيا، إن تحول اهتمام الشعب الأميركي بعيداً عن الحرب في أفغانستان سمح لثلاثة رؤساء بالتلويح بالحرب دون أي ضغوط من الناخبين.

في عام 2009، استمع كينت للرئيس أوباما وهو يناقش إنهاء الحرب في أفغانستان، وبعد 10 سنوات قُتلت زوجته خبيرة التشفير البحري، شانون كنت، في تفجير انتحاري في سورية هذا العام. ودعا جو كينت الولايات المتحدة إلى الانسحاب من سورية وأفغانستان ومناطق الحرب الأخرى، حيث كانت الولايات المتحدة غارقة في الوحول، ويعتقد أن المسؤولين يواصلون شراء الوقت للدخول في مغالطة، والتي من شأنها أن تبرر المزيد من التضحيات في نهاية المطاف.

صفقات

نموذج بناء الدولة، الذي يضع المساءلة دون تمثيل على أكتاف الأفغان، كان مصيره الفشل. عندما تعاملت الولايات المتحدة مع الأفغان، ظلت تتخذ باستمرار خيارات سيئة، فقد عقد الأميركيون وحلفاؤهم صفقات مع أمراء الحرب، الذين لم يكن سجلهم في مجال حقوق الإنسان أفضل من سجل «طالبان» نفسها. وعندما بدأ نفوذ الولايات المتحدة يتسع في البلاد، تجاهلت الولايات المتحدة مراراً وتكراراً النداءات الأفغانية للتفاوض من أجل السلام. وصنفت «البنتاغون» الرجال الأفغان، صغاراً وكباراً، كمتمردين، وكثيراً ما تعرض المدنيون الأفغان للمضايقة، والقتل، والسجن، دون أي دليل يذكر على أن لديهم أي علاقة بـ«التمرد». وفي بعض الحالات، كان ارتداء ساعة يد ماركة «كاسيو» دليلاً كافياً لاحتجاز أي أفغاني بتهمة الإرهاب. الأفغان، الذين تم تجنيدهم في قوات الأمن لحماية إخوانهم من المواطنين، تعرضوا للخطر والتهميش، وفقد نحو 65 ألفاً منهم حياته.

الديمقراطية

في خضم هذه المصاعب، استمر جيل من الشباب الأفغاني في القتال من أجل تأمين الديمقراطية وإعادة بناء بلدهم. وكشفت دراسة أجرتها مؤسسة آسيا أخيراً بأن أفغانستان بلد يتسم بارتفاع مستويات التفاؤل، وتتصدر الديمقراطية وحقوق المرأة والدستور الجديد قائمة الأولويات التي يريد الأفغان حمايتها في أي مفاوضات سلام. وأحرزت الحكومة الأفغانية تقدماً كبيراً في بناء المؤسسات التي تحمي مواطنيها وتشركهم، بما في ذلك البرلمان، حيث 28% من المشرعين من النساء، كما أن ريادة الأعمال والإعلام والصناعات الترفيهية تنمو كل عام. هذا الخريف، نظم شباب في كابول مسيرة من أجل العدالة المناخية، تضامناً مع أقرانهم في نيويورك ولندن وبرلين. مثل هذا النشاط لا يقتصر على المناطق الحضرية، إذ تجمعت آلاف النساء الأفغانيات في جميع أنحاء البلاد أخيراً للدعوة إلى المشاركة في محادثات السلام، وازدهرت حركة اللاعنف على مستوى البلاد من شمال أفغانستان، وجمعت المسيرات عبر البلاد والاعتصامات والوقفات الاحتجاجية أجيالاً عديدة من الأفغان.


نهاية الصراع

من المؤكد أن الأفغان والأميركيين يريدون نهاية لهذا الصراع، فالجهود الحالية للتفاوض على السلام مع «طالبان» هي شهادة على ذلك. ويمثل نشر هذه الأوراق فرصة للتعلم من الأخطاء التي ارتكبت على مدار عقود من التدخل في أفغانستان، والتي أودت بحياة 1.5 مليون أفغاني (تختلف التقديرات، ويعتقد معظم الأفغان أن الخسائر في الأرواح أكثر من ذلك)، وأخيراً الآلاف من العسكريين الأميركيين، وتستحق تضحياتهم مقاربة جديدة ومدروسة للسياسة الخارجية، تحترم الحياة البشرية وتحميها.

ما يحتاجه الشعب الأفغاني الآن هو التزام قوي بعملية دبلوماسية طويلة الأجل، تضعه في قلب مفاوضات السلام، والالتزام بالتنمية وإعادة الإعمار، ودعم أولئك الذين يتعرضون لخطر جسيم إذا مضت الولايات المتحدة قدماً مع خطتها الحالية لجعل «طالبان» شريكهم في مكافحة الإرهاب في المنطقة. أي شيء خلاف ذلك سيكون تكراراً لتاريخ آخر من وصمة العار في جبين الشعب الأميركي.

تنفي وزارة الدفاع (البنتاغون) أنها كانت تسعى إلى تضليل المشرعين والجمهور، وتقول إن «هذا الإدراك المتأخر» المستنبط من الدروس المستفادة، ومن السجلات السرية التي جمعها مكتب المفتش العام لإعادة إعمار أفغانستان، ساعد على مراجعة واستنباط استراتيجية الوزارة.

يقول جندي سابق في مشاة الجيش، اسمه روب ويليام، وكان قد شارك في عمليتي انتشار في أفغانستان، إن المهمة لم تكن واضحة تماماً، حتى إن وزير الدفاع، دونالد رامسفيلد، لم يكن نفسه يستطيع تحديد هوية العدو بعد سنوات عدة من ذلك.

43074

مدنياً أفغانياً قتلوا، إضافة إلى 2200 جندي أميركي، و64 ألفاً و124 جندياً وشرطياً أفغانياً في حرب لم يكن لها مثيل في الشدة في أي وقت مضى.

تويتر