نتيجة بقائها في قائمة الدول الراعية للإرهاب

حكومة السودان الجديدة تواجه الكثير من العقبات

صورة

على الرغم من أن رئيس الوزراء السوداني الجديد، عبدالله حمدوك، زار واشنطن الأسبوع الماضي، واتفق مع الأميركيين على تبادل السفراء، للمرة الأولى خلال 23 عاماً، لايزال أمام السودان والولايات المتحدة طريقاً طويلاً يجب عليهما قطعه قبل تطبيع العلاقات بينهما. فقد وضعت الولايات المتحدة عام 1997 السودان وزعيمه السابق عمر البشير، المطلوب من قبل محكمة الجزاء الدولية، على قائمة الدول الراعية للإرهاب. فقد ظل البشير يؤوي الإرهابيين فعلاً في بلاده، بمن فيهم زعيم تنظيم «القاعدة» السابق، أسامة بن لادن. وتورط نظام البشير في العشرات من الأعمال الإرهابية، بما فيها تفجير السفارتين الأميركيتين في تنزانيا وكينيا عام 1998، والهجوم على المدمرة الأميركية «يو اس اس كول» عام 2000.

دولة هشة

وعلى الرغم من أن عهد البشير قد انقضى، لايزال السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب، ما يضع الكثير من العقبات أمام السودان الجديد، لأن الحكومة الجديدة لاتزال هشة، والقوى التي تعارضها قوية جداً، كما أن المرحلة الانتقالية نحو الديمقراطية ستكون صعبة، ولكنها ستكون أشد صعوبة إذا ظل السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب.

وخلال الشهر الماضي، جعلت وزارة الخارجية الأميركية الأمر أكثر صعوبة على السودان في سعيه للتغلب على هذه المعضلة، حيث أعلنت أن السودان يجب أن يحقق التقدم في ستة مجالات قبل أن تبدأ أميركا في مراجعة وضعه، وتتضمن هذه المجالات: مزيداً من التعاون مع الولايات المتحدة لمحاربة الإرهاب، وتحسين حماية حقوق الإنسان، بما فيها حرية الأديان والصحافة، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية، ووضع حد للحروب والصراعات مع المتمردين داخل البلاد، وإثبات أن السودان لم يعد يقدم الدعم للإرهاب، وقطع العلاقات مع كوريا الشمالية.

وعلى الرغم من إدراجه في قائمة الإرهاب، واصلت الولايات المتحدة الحصول على معلومات استخباراتية من نظام البشير مقابل منع المجتمع الدولي من توجيه انتقادات شديدة للخرطوم. وعلى الرغم من أن رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب كان من شأنه أن يحفز حكومة البشير على مزيد من التعاون مع الولايات المتحدة، إلا أن حكومة الولايات المتحدة تريد إبقاء السودان على هذه القائمة للحفاظ على تأثيرها عليه.

وعندما بدأت إدارة الرئيس باراك أوباما في تبني سياسة أكثر انفتاحاً نحو السودان عام 2015، وألغت العقوبات الاقتصادية التي استمرت فترة طويلة، تمهيداً لمناقشة رفع اسم البلاد من قائمة الدول الراعية للإرهاب، عارض كثير من السودانيين هذه السياسة، بدعوى أنها تعمل على تقوية نظام البشير فقط، الذي كان يعتبره الشعب السوداني مجرماً، ورئيساً غير شرعي، قتل وعذّب وشرّد الملايين من السودانيين، ولهذا فإنهم يعتبرون رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب في ذلك الوقت اتفاقية مع الشيطان.

عقوبة

إلا أن إبقاء اسم السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب من شأنه أن يقوض الحكومة الفتية، ويعاقبها على جرائم ارتكبها نظام البشير، في الوقت الذي يناضل فيه حمدوك للخروج من عبء الديون الضخمة التي يرزح تحتها السودان، ويجاهد لاستقطاب التجارة والاستثمارات. وفي الوقت الحالي، يبدو أن الوضع الاقتصادي في حالة من السقوط الحر، وأسعار المواد الأساسية والأدوية تواصل ارتفاعها بوتيرة مطردة. والحقيقة فإن رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب سيساعد الحكومة الجديدة على التخلص من عبء الديون، ويفتح الباب أمام الاستثمارات الدولية والإقليمية، وكذلك التجارة، وهو أمر حيوي لتحفيز الاقتصاد السوداني المتهالك، والخلاص من سنوات الفساد. وسيكون لدى السودان فرصة للانخراط في النظام المصرفي الدولي، ما يعزز قدرات الحكومة الجديدة على معالجة الفساد، وتفكيك آليات تمويل الإرهاب والشبكات الإجرامية، ولا ينبغي معاقبة المواطنين السودانيين على أخطاء ارتكبها النظام السابق، جعلتهم يعانون الكثير، ويضحون بالكثير من أجل التخلص منها.

وقام حمدوك بسلسلة من الخطوات المشجعة، التي تظهر استعداد حكومته لأن تكون عضواً مسؤولاً في المجتمع الدولي. فقد شجع المنظمات المحظورة من قبل النظام السابق بالعودة إلى السودان، ودعم انخراط الأمم المتحدة في المناطق المتأثرة بالصراعات. وضم حمدوك إلى حكومته النساء، وناشطي حقوق الإنسان، والمدافعين عن الإعلام وحرية الإعلام. وأعلن قيام لجنة لإصلاح القانون، وأبدى التزاماً كبيراً بمبادئ المساواة في المواطنة، بما فيها حرية الأديان، والمساواة بين الجنسين، في الوقت الذي يقوم فيه وزير العدل بمعالجة حالات التمييز وانعدام المساواة. ويبدو أن الأمر الأكثر أهمية هو أن الحكومة يسيطر عليها مسؤولون علمانيون مؤيدون للديمقراطية.

خطة لإعادة المشردين

ووضع حمدوك خطة لإعادة المشردين داخلياً إلى منازلهم وقراهم، ووقع اتفاقات مع الأمم المتحدة لإيصال المساعدات الإنسانية عبر الدولة. وفي وقت سابق من العام الجاري، أرسل برنامج الغذاء العالمي مساعدات غذائية إلى مناطق التمرد في جبال النوبة، للمرة الأولى منذ عام 2011. وفتحت هذه الحكومة الانتقالية جميع الطرق أمام المساعدات الإنسانية والتجارة، ما سمح للعديد من المناطق في جبال النوبة بالانخراط من جديد في أسواق مجتمعاتهم التقليدية بعد 10 سنوات من التوقف. وفي نهاية المطاف، أبدى حمدوك اهتمامه بوضع نهاية للصراعات في السودان، في مناطق مثل دارفور، وجنوب كردفان، وولاية النيل الأزرق.

وبدأت الحكومة الانتقالية في تفكيك الشبكات العسكرية والتجارية التي كانت تساعد النظام السابق على البقاء على قيد الحياة، على الرغم من أن من الصعب التحرك ضد المجموعات المتشددة دينياً دون تقوية قدرات الحكومة الجديدة على الحكم. وبدأت الحكومة التفاوض مع الحركات المسلحة المحلية، وعززت وصول المساعدات الإنسانية داخل الدولة، إضافة إلى تعزيز مكانة المنظمات غير الحكومية، وحقوق الإنسان في السودان الجديد.

وجاء التغيير السياسي في السودان نتيجة لثورة هدفت إلى اقتلاع 30 عاماً من الحكم الديني. وبغض النظر عما يعرف بـ«الربيع العربي»، كانت الثورة السودانية تعارض بصورة أساسية أيديولوجية «الإسلام الميليشيوي»، الذي تعمّق في السابق، وأدى إلى إفقار الدولة. وعلى الرغم من أن 60% من سكانها يعيشون تحت خط الفقر، إلا أن إمكانات السودان تساعده على النمو والانخراط مع المجتمع الدولي.

ولكن سيكون من المستحيل بالنسبة للسودان تقريباً أن يستوفي الشروط المتعددة اللازمة لإزالة اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، في الوقت الذي لايزال فيه يئن تحت وطأة قيودها. وثمة مخاطر تتمثل في أن المكاسب الأخيرة التي حققها السودان يمكن أن يخسرها من أجل رفع اسمه من قائمة هو في الحقيقة بعيداً تماماً الآن من وصمتها.

ويتعين على واشنطن أن تدرك أن الحكومة المدنية الجديدة في السودان ليس لها أي مصلحة في دعم الإرهاب أو الأيديولوجيات المتطرفة. وفي الحقيقة، فإن السودان قام بخطوات عدة للعمل مع الولايات المتحدة لمحاربة الإرهاب، ففي عام 2018، استمرت حكومة السودان في محاربة الإرهاب إلى جانب شركاء إقليميين، بما في ذلك عمليات لمواجهة تهديدات مصالح الولايات المتحدة وموظفيها الموجودين في السودان.

هالة الكاريب، والصادق حسن مديرة المبادرة الاستراتيجية للنساء في القرن الإفريقي

الأمين العام لنقابة المحامين في دارفور


أفضل حصن

إن إنشاء حكومة سودانية مدنية قوية ممثلة للبلاد هو أفضل حصن لمواجهة عودة النظام القديم ودعمه للإرهابيين، كما أن بقاء السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب يضيف أعباء اقتصادية وسياسية ظالمة على الحكومة التي تترسم خطى ما قاله الرئيس الأميركي السابق، جيمي كارتر «أعطوا الديمقراطية في السودان فرصة»، فمن مصلحة الولايات المتحدة إلغاء السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب فوراً.

وبدلاً من عزل ومعاقبة الحكومة المدنية الجديدة، يتعين على المجتمع الدولي المساعدة على تفكيك شبكات تمويل الإرهاب. ويجب ألا يقف العالم متفرجاً، بينما يمثل إرث النظام الإرهابي السابق تهديداً محتملاً ومعادياً للثورة والديمقراطية.

على الرغم من أن عهد البشير قد انقضى، لايزال السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب، ما يضع الكثير من العقبات أمام السودان الجديد، لأن الحكومة الجديدة لاتزال هشة، والقوى التي تعارضها قوية جداً.

تويتر