تقوم بمناورة جديدة هدفها عزل واشنطن وتحميلها مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع

إيران تتحرك بفهم مختلف للمفاوضات مع القوى الدولية

صورة

على الرغم من أن المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية، علي خامنئي، سبق أن أعلن، في 17 سبتمبر 2019، أنه لن تجرى مفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية على أي مستوى، فإن الرئيس حسن روحاني كان حريصاً، في 4 ديسمبر الجاري، على الإشارة إلى أن التفاوض مع واشنطن لايزال احتمالاً قائماً. ومع أن ذلك يشير، للوهلة الأولى، إلى أن ثمة تبايناً في مواقف المؤسسات الرئيسة بالنظام الإيراني إزاء اتجاهات التفاعل مع الولايات المتحدة الأميركية بشكل عام، خلال المرحلة المقبلة، فإن التمعن في تصريحات روحاني يطرح دلالات عدة، يتمثل أبرزها في أن إيران تفكر في إطار جديد للمفاوضات مع القوى الدولية، يستوعب التحفظات التي يبديها المرشد والمؤسسات الأخرى النافذة في النظام على خيار التفاوض المباشر مع واشنطن.

خيار قائم

لم يستبعد روحاني، في كلمته أمام منتدى مدينة طهران الذكية في 4 ديسمبر الجاري، إمكانية إجراء مفاوضات جديدة مع الولايات المتحدة الأميركية. ويبدو أن ذلك كان مرتبطاً بالإعلان، في 7 ديسمبر 2019، عن إبرام صفقة لتبادل سجناء بين طهران وواشنطن بوساطة سويسرية. ورغم أن روحاني تبنى الشرط نفسه، الذي سبق أن أعلنه خلال مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، في نهاية سبتمبر الماضي، والخاص برفع العقوبات الأميركية، رداً على الجهود التي بذلتها فرنسا من أجل ترتيب اجتماع بينه وبين والرئيس الأميركي دونالد ترامب، فإن أهم ما يمكن استخلاصه من تصريحات روحاني، هو أنه يحاول توسيع نطاق التفاوض، بالتركيز على التفاوض المتعدد الأطراف، وليس التفاوض الثنائي فقط، حيث قال إنه «لا توجد مشكلة لدى طهران في إجراء مفاوضات مع أميركا، شريطة أن يتم رفع الحظر كله»، مضيفاً أنه «عندما ترفع أميركا الحظر عن إيران، سيكون بإمكان الدول الست إجراء مفاوضات معها حتى على مستوى القادة».

وللوهلة الأولى، قد يشير ذلك إلى وجود تباين في مواقف ورؤى المرشد والرئيس، حول الآليات الأنسب للتعامل مع الضغوط التي تفرضها الولايات المتحدة الأميركية على إيران، من خلال العقوبات التي أنتجت تداعيات غير مسبوقة على الأرض، بدت جلية في تفاقم الأزمة الاقتصادية، وتراجع صادرات النفط الإيرانية بشكل كبير. لكن التمعن في تقييم تلك التصريحات يوحي بأن ما يتحدث عنه روحاني لا يختلف، إلى حد كبير، عن ما سبق أن أعلنه قادة آخرون في النظام.

إذ يبدو أن معظم المؤسسات النافذة في النظام تتفق في أمرين: الأول: أن المفاوضات مع القوى الدولية ليست خياراً مرفوضاً، بل على العكس قد تكون مقبولة على الأقل في المرحلة الحالية. والثاني: أن هذه المفاوضات يجب أن تجرى على أسس ومحددات مختلفة عن تلك التي أجريت بناءً عليها المفاوضات التي انتهت بالوصول إلى الاتفاق النووي في 14 يوليو 2015، باعتبار أن هذه الأطراف باتت ترى أنه رغم أن هذا الاتفاق تضمن مكاسب عدة لطهران، على المستويات المختلفة الاقتصادية والاستراتيجية والتكنولوجية، فإن انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، منه وجَّه ضربة قاصمة إليه، حوّلت تلك المكاسب إلى خسائر لا تبدو هينة، خصوصاً على مستوى تعطيل الحركة الإيرانية السريعة نحو تحقيق أكبر قدر من التقدم في البرنامج النووي.

أهداف عدة

ومن هنا، فإن هذا الإطار، الذي تشير إليه تصريحات روحاني، يمكن أن يحقق أهدافاً عدة بالنسبة لطهران، يتمثل أبرزها في:

1- تجاوز «فيتو» خامنئي

تتيح المفاوضات المتعددة الأطراف تجاوز الرفض الذي سبق أن أبداه المرشد الأعلى للجمهورية تجاه إجراء مفاوضات ثنائية ومباشرة مع الولايات المتحدة الأميركية، والذي تزامن مع الجهود التي بذلتها فرنسا لتقريب وجهات النظر بين واشنطن وطهران، سواء خلال انعقاد قمة مجموعة السبع الكبرى في بياريتز، في الفترة من 24 إلى 27 أغسطس 2019، أو في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نهاية سبتمبر من العام نفسه. إذ قال خامنئي، في 17 سبتمبر الماضي، إنه «لن تجرى أي مفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية على أي مستوى». وأكد، في 3 نوفمبر الفائت، أن «المفاوضات مع أميركا لن تحل مشكلات إيران».

ولن يمثل إجراء مفاوضات مع الأخيرة، في إطار مجموعة «5+1»، مشكلة أو تعارضاً مع هذا التوجه الذي يتبناه المرشد، باعتبار أن تصريحات الأخير توحي بأن خطه الأحمر يتمثل، فقط، في التفاوض المباشر والثنائي مع واشنطن، على غرار ما كانت تسعى فرنسا إلى تحقيقه، خصوصاً في نيويورك.

2- إعادة واشنطن إلى الاتفاق

هذا الإطار الموسع يعني، في حالة القبول به من جانب القوى الدولية، أن الولايات المتحدة الأميركية ستعود إلى الاتفاق النووي، بكل ما يتيحه ذلك من تجديد المكاسب التي كانت تستعد إيران للحصول عليها قبل الانسحاب الأميركي في 8 مايو 2018، ما يتماهى مع الشرط الذي يتبناه روحاني لإجراء هذه المفاوضات، والمتمثل في رفع مجمل العقوبات التي فرضتها واشنطن على طهران. وبالطبع، فإن ذلك لا يلقى قبولاً لدى واشنطن، التي لم تكتفِ بالانسحاب من الاتفاق وفرض عقوبات على طهران، وإنما تسعى إلى حث حلفائها من الدول الأوروبية على تبني الخطوة نفسها، بالتوازي مع انتقاداتها المستمرة للإجراءات التي تتخذها الأخيرة، لتعزيز فرص استمرار العمل بالاتفاق النووي، على نحو بدا جلياً في رد فعلها على قرار ست دول أوروبية، في 29 نوفمبر الفائت، بالمشاركة في آلية «إنستكس» لمواصلة التعاملات التجارية مع طهران.

3- حصر المفاوضات في النووي

ترفض إيران، باستمرار، الدعوات التي توجهها الدول الغربية، لإجراء مفاوضات حول الملفات الأخرى التي تحظى باهتمام من جانبها، على غرار برنامج الصواريخ البالستية والدور الإقليمي. ومن هنا، تحاول إيران استغلال الإجراءات التصعيدية التي اتخذتها، في ما يتعلق بتخفيض التزاماتها بالاتفاق النووي، ليس فقط من أجل ممارسة ضغوط على القوى الدولية، وإنما أيضاً بهدف توجيه رسائل إليها بأن أية مفاوضات محتملة ستنحصر في بحث الإجراءات التصعيدية المتبادلة التي اتخذتها طهران وواشنطن خلال الفترة الماضية، ولن تمتد إلى الملفات الأخرى، لاسيما برنامج الصواريخ البالستية.

4- استقطاب الدعم الدولي

تحاول إيران، عبر آلية التفاوض المتعدد الأطراف، تعزيز موقعها التفاوضي في مواجهة واشنطن، من أجل استقطاب دعم قوى «4+1» - روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا إلى جانب ألمانيا - لموقفها، ما يضع واشنطن في موقف صعب خلال تلك المفاوضات المحتملة، على نحو يفسر حرص طهران على ترويج أن هناك توافقاً مع قوى «4+1» على تحميل واشنطن مسؤولية ما آل إليه الاتفاق حتى الآن، وإن كان ذلك لا يتماشى مع المعطيات الموجودة على الأرض، التي تشير إلى أن الخلافات تتسع تدريجياً بين إيران والدول الأوروبية، خصوصاً بعد خطوة إعادة تخصيب اليورانيوم في مفاعل فوردو، والتي هددت فرنسا بعدها بإمكانية العمل على إعادة آلية العقوبات الدولية، التي تم تجميدها وفقاً للاتفاق النووي، وقرار مجلس الأمن رقم 2231.

ورغم أن تلك القوى حرصت على تأجيل هذا الخيار، خلال اجتماع اللجنة المشتركة للاتفاق النووي، الذي عقد في فيينا في 6 ديسمبر الجاري، إلا أنها طالبت في الوقت نفسه إيران بالكف عن ما سمته «انتهاك» الاتفاق النووي.


مقاربة إيرانية

يمكن القول إن المقاربة الإيرانية للمفاوضات تواجه عقبات لا تبدو هينة، خصوصاً أن بداية عام 2020 ربما تشهد تصعيداً، على ضوء استمرار حرص إيران على اتخاذ مزيد من الإجراءات الخاصة بتخفيض مستوى التزاماتها في الاتفاق النووي، على نحو سيفرض تغيرات جديدة في المواقف الدولية، لاسيما الأوروبية، تجاهها.

تحاول إيران، عبر آلية التفاوض المتعدد الأطراف، تعزيز موقعها التفاوضي في مواجهة واشنطن، من أجل استقطاب دعم قوى «4+1» - روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا إلى جانب ألمانيا - لموقفها، ما يضع واشنطن في موقف صعب، خلال تلك المفاوضات المحتملة.

لم يستبعد الرئيس حسن روحاني، في كلمته أمام منتدى مدينة طهران الذكية في 4 ديسمبر الجاري، إمكانية إجراء مفاوضات جديدة مع الولايات المتحدة الأميركية. ويبدو أن ذلك كان مرتبطاً بالإعلان، في 7 ديسمبر 2019، عن إبرام صفقة لتبادل سجناء بين طهران وواشنطن بوساطة سويسرية.

تويتر