نتيجة عدم اهتمام طرفي النزاع بتشكيلها

حكومة الوحدة المقترحة في جنوب السودان لاتزال تراوح مكانها

صورة

تم تأجيل الموعد النهائي لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية في جنوب السودان، وهي جزء من اتفاق سلام أبرم قبل أربع سنوات، نحو 100 يوم إضافية. ووفق الاتفاق الذي تم تنشيطه من جديد والمتعلق بحل الصراع في جنوب السودان، والذي لعبت دور الوساطة فيه الدول المجاورة، كان من المفروض إنشاء حكومة وحدة بحلول 12 نوفمبر، مشكّلة من الحكومة الحالية التي يقودها الرئيس سلفا كير، ومن حركة المعارضة المسلحة التي يقودها نائب الرئيس ريك مشار، إضافة إلى العديد من المجموعات المسلحة الأخرى. ولكن بعد أن استضاف رئيس اوغندا الاجتماع الذي ضم سلفا كير ومشار، اتفقت جميع الأطراف على التأجيل، على الرغم من الضغوط الأميركية والدولية للالتزام بالموعد النهائي المحدد.

ولكن يبدو أن المنطق الذي يقوم عليه هذا الاتفاق أعوج من الأساس، كما أن الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة والآخرون للأطراف ذات العلاقة بالاتفاق للالتزام بموعد 12 نوفمبر، كان ينطوي على زعزعة للاستقرار. وعلى الرغم من الفترة القصيرة التي قدمها التأجيل الأخير، فان الضغط على مشار للعودة الى جوبا دون إحراز تقدم على القضايا الثلاث التي لم يتم حلها بعد، كدمج القوى الأمنية، والترتيبات الأمنية في جوبا، والعملية الحساسة سياسياً المتعلقة بتحديد حدود الدولة، يمكن أن يخاطر بإعادة اندلاع العنف بين القوى الموالية لسلفا كير وتلك الموالية لمشار في جوبا، عاصمة جنوب السودان.

اتفاق قوبل بالتشكيك

وجاء الاتفاق الذي تم تنشيطه، والموقّع في سبتمبر 2018 نتاج سلسلة أخرى من المفاوضات والكثير من الاهتمام الدولي، لكنه قوبل بالتشكيك من طرف الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والنرويج، وهي المعروفة بالنسبة لجنوب السودان والاخرين بدول الترويكا، نظراً لدعم هذه الدول جميع القضايا التي تهم السودان وجنوب السودان. ومع ذلك، فقد كان هذا الاتفاق الأساس في خفض كبير للصراع وزيادة الأمن المدني والإنتاج الزراعي، بعد حرب أهلية حصدت نحو 400 ألف إنسان. وتحاول دول الترويكا الآن الحفاظ على الاتفاق باعتباره الطريقة الوحيدة للتقدم نحو الأمام، على الرغم من الزلات العديدة التي تشوبه.

وستكون حكومة الوحدة المرتقبة هي المحاولة الثالثة لمشار وسلفا كير للتشارك في حكومة جنوب السودان. وعند انفصال جنوب السودان عن السودان تقلد سلفا كير منصب رئيس الدولة، نظراً إلى أنه كان رئيس حكومة الحكم الذاتي في جنوب السودان. ولكن مشار الذي انشق عن القوات المسلحة التابعة لسلفا كير في تسعينات القرن الماضي، ومن ثم عاد إليها عام 2002، كان نائب الرئيس حتى منتصف عام 2013، عندما أقال سلفا كير حكومته ومعها مشار. وتصاعد التوتر نظراً لقيام كبار الضباط بتحدي قيادة سلفا كير، وبحلول ديسمبر 2013 أصبحت جوبا عبارة عن برميل بارود. واندلع صراع بين الجنود الموالين لسلفا كير والآخرين الموالين لمشار، ما أدى الى حرب عرقية بين المجموعتين العرقيتين التابعتين لمشار وسلفا كير. وانتشر الصراع فوراً إلى ما هو أبعد من جوبا، ومن ثم تحول الى حرب أهلية، حيث كان مشار يقود المتمردين ما أدى الى تقسيم الدولة الى شطرين.

وفي أغسطس 2005، وبعد جولات عدة من المفاوضات، تم التوصل إلى الاتفاق الأصلي لحل الصراع في جنوب السودان، وسمح لمشار بالعودة الى جوبا ومنصبه كنائب للرئيس. لكنه لم يبقَ طويلاً في جوبا ففي يوليو من عام 2016 اشتبكت قوتا سلفا كير ومشار في المدينة من جديد، ومرة أخرى هرب مشار خوفاً من تعرضه للقتل على أيدي القوات الحكومية، وانتهى به المطاف إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومن ثم إلى جنوب افريقيا، وبعدها إلى السودان.

ولطالما اعتبر مشار مغامراً سياسياً، إذ أنه يستخدم العنف لتحقيق أهدافه السياسية، ولكن خوفه على أمنه الشخصي في جوبا معقول، وليس مبالغاً فيه. وكانت الدعوات الدولية لمشار للعودة الى جنوب السودان، قبل ظهور أوضاع أمنية جديدة، لا تساعد على حل الوضع.

وقالت سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، كيلي نايت كرافت، الشهر الماضي، إن مجلس الامن شعر «بخيبة أمل» عندما أشار مشار إلى أنه لن يعود بحلول 12 نوفمبر، وحذر من تجدد العنف. لكنه أكد أن عودته دون الاتفاق على ترتيبات أمنية كافية يمكن أن يؤدي الى اندلاع حرب أهلية أخرى في جوبا. وأعلنت الولايات المتحدة أنها ملتزمة بتشكيل حكومة وحدة، لكنها لم تفعل الكثير من أجل تحقيقها.

وانخرطت الولايات المتحدة وشركاؤها في عملية السلام في جنوب السودان، سواء كان ذلك في العالم الغربي أو في المنطقة ذاتها، في نشاط دبلوماسي محموم عند اقتراب المفاوضات من الختام أو من الموعد النهائي، لكنها لم تفعل الكثير في مجال الاشراف على تنفيذ الاتفاق بما يضمن بقاءه في الاتجاه الصحيح.

وهكذا كان الحال إثر اتفاق عام 2015، وكذلك اتفاق 2018. وعلى الرغم من ان منظمة «الهيئة الحكومية الدولية للتنمية»، وهي كتلة دول شرق إفريقيا الإقليمية، لعبت دور الوسيط الرئيس في جنوب السودان، إلا أنها غابت بصورة شبه كاملة منذ بداية الضغط من أجل اتفاق 2018، وعلى ما يبدو أنها فشلت في تعيين رئيس للجنة التي تشرف على الاتفاق.

وإثر انتقادها للدعم الخارجي لتشكيل حكومة وحدة في 12 نوفمبر رغم عدم التوصل الى اتفاق، حذر ائتلاف من المنظمات المدنية في جنوب السودان، من أنها «تشعر بقلق عميق لأنه بدلاً من الضغط على جميع الأطراف لتنفيذ المهمات المتفق عليها بصورة شاملة في اتفاق السلام، هناك أطراف إقليمية ودولية تشجع طرفي النزاع في جنوب السودان على تنفيذ مواد انتقائية في الاتفاق».

والحقيقة أنه مع وجود أكثر من اتفاق للسلام، ظهر شيء من الإرادة بين الموقّعين على تنفيذه. وفي كل من عامي 2015 و2018، مورست ضغوط دولية كبيرة على طرفي النزاع للتوقيع على اتفاق، وهذا ما حدث. ولكن القاعدة الأساسية لصنع السلام تفيد بأن الغرباء لا يمكن أن يريدوا السلام أكثر من المتحاربين، ولسنوات عدة كان واضحاً أن كير ومشار لم يكونا مهتمين بالتوصل الى تسوية.

الجدول

ونظراً لعدم اهتمام الطرفين بتنفيذ الجدول الذي يفضي إلى اتفاق سلام قامت الولايات المتحدة بزيادة الضغط عليهما عن طريق العقوبات لاعتقادها أن ذلك يمكن أن يغير آراء القائدين. ويمكن أن تلعب العقوبات دوراً عندما تكون مرتبطة باستراتيجية أوسع، ولكنها لن تصنع سلاماً دائماً وعادلاً يعجب المتحاربين. ويكافح كلّ من سلفا كير ومشار من أجل بقائهما السياسي والشخصي، حيث يبذلان ما بوسعهما لتجنب محاكمتهما على أعمال العنف التي وقعت خلال وجودهما في السلطة.

وإذا كانت الولايات المتحدة جادة لفرض السلام في جنوب السودان، فيمكن أن تبدأ عن طريق الاعتراف علانية بأن سلفا كير ليس رئيسا شرعياً، إذ إنه لم يتم انتخابه كرئيس لجنوب السودان المستقلة، كما أن التفويض لانتخابه قائداً لحكومة الحكم الذاتي عام 2010 ينتهي عام 2015، وقتل أمام ناظريه مئات الآلاف من سكان جنوب السودان نتيجة العنف والجوع، وعوامل أخرى ناجمة عن الحرب الأهلية.

ولطالما كانت الولايات المتحدة تفضل سلفا كير على مشار، على الرغم من أن سلفا كير يحمل معظم المسؤولية عن عدم تنفيذ الاتفاق. ومن الممكن أن تواصل الأمر ذاته مرة أخرى، إذ إن خطاب واشنطن يدعو للضغط على مشار للعودة الى جوبا قبل الأوان، كي تحمّله المسؤولية إذا لم يتم تشكيل حكومة الوحدة. والحقيقة فإن سلفا كير في وضع مريح كونه رئيس الحكومة الآن. ولكن اعترافه علانية أن منصبه لا يستند الى إرادة شعب جنوب السودان، من شأنه أن يساعد على تمهيد الطريق لما يجب أن يكون الهدف الأكبر، والمتمثل بمغادرة كل من سلفا كير ومشار الحياة السياسية في جنوب السودان كي تتمكن الدولة من التطور نحو الأمام.

الانخراط مجدداً

يتعيّن على الولايات المتحدة أن تقوم بأكثر من مجرد التهديدات والتصريحات، إذ يجب عليها أن تعيد انخراطها في المنطقة، وتبذل جهوداً مستمرة وملائمة بهدف التوصل إلى حل للقضايا الشائكة المتعلقة بدمج القوات الأمنية وتسوية الحدود الداخلية، بحيث يصبح مشار قادراً على العودة إلى جوبا. وعندها ستكون الولايات المتحدة وشركاؤها بحاجة إلى استنباط استراتيجية خروج سلفا كير ومشار، بما يفتح الباب أمام الجيل المقبل من قادة جنوب السودان.

ويتضمن ذلك تشجيع الحوار ليس حول كيفية بدء حكومة الوحدة، وإنما حول كيفية إنهائها أيضاً، وكيف يمكن أن تكون الانتخابات المزمع عقدها عام 2020 حرة ونزيهة وتسهل المرحلة الانتقالية بعيداً عن جيل الطبقة الحالية من القادة، الذين سببوا الكثير من الأذى للدولة. وسيتطلب ذلك دعماً دبلوماسياً قوياً من واشنطن في الوقت الذي تبدو فيه الولايات المتحدة منشغلة بانقساماتها السياسية الداخلية، وحتى إذا اهتمت بهذا الجزء من افريقيا فسيتركز على التنمية السريعة للسودان المجاور. ولكن من خلال قلة حماسهما لتنفيذ اتفاق سلام آخر، يواصل سلفا كير ومشار إثبات قلة كفاءتهما للقيادة في جنوب السودان.

جون تيمين: مدير برامج إفريقيا في منظمة «فريدم هاوس»


- القاعدة الأساسية

لصنع السلام تفيد ب

أن الغرباء لا يمكن

أن يريدوا السلام

أكثر من المتحاربين،

ولسنوات عدة كان

واضحاً أن كير ومشار

لم يكونا مهتمين

بالتوصل إلى تسوية.

- لطالما كانت الولايات

المتحدة تفضل سلفا

كير على مشار، على

الرغم من أن سلفا كير

يتحمل معظم

المسؤولية عن عدم

تنفيذ اتفاق السلام.

تويتر