130 مدرسة تم تدميرها

أطفال الموصل يفتقرون إلى صفوف الدراسة

صورة

لطالما كان يُشار إلى العراق باعتباره مهد الحضارة. ولكن الآن تم اختزال التاريخ في مدينته الأكبر بعد بغداد وهي الموصل، بثمانية ملايين طن من الركام، وفي مشهد ذي طبيعة مروعة تجمع حطام 5000 منزل. وخارج العشرات من المناطق المدمرة والمطوقة، حيث توجد لافتة تحذيرية تقول «احذر قنابل لم تنفجر» وهي تهتز بفعل قوة نسيم الصباح، ظهر شخص وحيد، وكانت قدماه تتراقصان نتيجة مشيه فوق جبال من الركام، وقضبان الحديد الملتوية والزجاج المحطم في حي النبي جرجيس، قبل أن يصل إلى مدرسة الإخلاص الابتدائية، وأشار الطفل أسامة (11عاماً) إلى مكان غرفة الصف السادس، التي كان يتعلم بها.

والآن يجلس أسامة على مقعده، حيث كان يستمتع قبل خمس سنوات بالدراسة في هذا المكان، ويشرح أسامة كيف أنه يشعر بالحزن، وكذلك زملاؤه الطلبة عندما تم إغلاق المدرسة إثر احتلال تنظيم «داعش» للمدينة في يونيو 2014، بعد أن كانت الحكومة العراقية قد سقطت عام 2003، حيث كان العراقيون يحذوهم الأمل في إنشاء دولة جديدة تستند إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان، ليكتشفوا أن إنشاء مثل هذه الدولة الديمقراطية ليس بالأمر السهل.

وفي عام 2014 واجه سكان المدينة ديكتاتورية تنظيم «داعش» الذي سيطر على الموصل. واستبشر سكان المدينة في البداية خيراً بقدوم هؤلاء الذين وعدوهم بالأمل، والحرية والازدهار، ولكنهم أعادوا الموصل والجيل التالي في المدينة إلى عصور الظلام. وأُجبر سكان الموصل الذين يربو تعدادهم على مليوني نسمة على مغادرة منازلهم، نتيجة تدهور المستويات المعيشية وقلة الوظائف، إضافة الى سياسات التقييد والأعمال الوحشية المرعبة التي ارتكبها تنظيم «داعش».

وكان أطفال أمثال أسامة قد صُدموا نتيجة إغلاق المدارس. وفرض القائمون الجدد على الأمور في المدينة أيديولوجية جديدة تماماً، حيث حظروا تدريس موضوعات، مثل التاريخ والفلسفة والفنون، وركزوا بدلاً منها على تفسيرهم الخاص للشريعة الإسلامية والتدريب على الأسلحة. وأُجبر المدرسون على حضور جلسات التدريب، وأما الذين لم يمتثلوا ورفضوا الولاء للتنظيم الإرهابي، فقد تم تعذيبهم أو قتلهم.

وفي إحصائية شملت 451 أسرة في الموصل كان 88% من أطفالهم يذهبون إلى المدارس قبل وصول «داعش» إلى المدينة، ولكن هذه النسبة تقلصت إلى 2% بعد احتلال التنظيم وسيطرته على الموصل.

وكانت معظم العائلات تقريباً، التي بقيت في الموصل بعد سيطرة «داعش» في يونيو 2014، قد حافظت على أطفالها بعيداً عن المدرسة، خوفاً على سلامتهم وهرباً من التلقين الذي يمكن أن يتعرضوا له. وأشارت وزارة التربية في منطقة نينوى، التي تتضمن الموصل، إلى أن نحو 130 مدرسة تقريباً تم تدميرها كلياً خلال الصراع في الموصل، و350 مدرسة أخرى تحتاج إلى إصلاحات كبيرة.

ولكن برنامج «علّموا الأطفال» العالمي الذي تديره منظمة «التربية فوق كل الأسس» ومنظمة اليونسكو في العراق، تشاركتا لتقديم المساعدة للأطفال الذين لا يستطيعون الدراسة لأسباب عدة، بما فيها الصراع. وعمد «برنامج التعليم السريع» إلى تكثيف نحو ثلاث سنوات من الدراسة في عام واحد، لتمكين الأطفال من العودة بنجاح إلى التعليم العادي.

وتقول مساعد المدير العام للتعليم في منظمة اليونسكو، ستيفانيا جيانيني: «شراكتنا مع برنامج تعليم الأطفال في العراق لا تتعلق فقط بمساعدة مدارس الأطفال، وإنما تزويدهم ببيئات التعليم الآمنة، وتدريب المدرسين وإنشاء مرونة النظام التعليمي»، وأضافت «خلال ثلاث سنوات، وصل المشروع إلى 37 ألف طفل خارج المدارس تم تدريبهم من خلال 1000 مدرس، قاموا بتأسيس 346 مركزاً لبرنامج التعليم السريع، وقاموا بإعادة تأهيل نحو 100 مدرسة. ومن خلال هذه الشراكة، قدمنا الدعم للحكومة لتطوير إطار لمناهج وطنية وتطوير استراتيجية المدرس الوطني. واستناداً إلى هذه الإنجازات، فإن المرحلة الراهنة تهدف إلى الوصول الى 150 ألف طفل خارج المدرسة، اضطر العديد منهم إلى الهروب من منازلهم، ولتعزيز قدرة المشاركين لإنتاج جودة التعليم الشامل. وبفضل الالتزام الثابت لنحو عقد من الزمن، أصبحت هذه الشراكة تمثل إمكانية لاتباع نهج قوي ومستدام لتصحيح الأوضاع التي تعاني أزمات طويلة الأمد»، وتكون هناك عطلات في نهاية الأسبوع خلال التعليم السريع للأطفال الذين يعملون خلال أيام الأسبوع.

عقد لإعادة البناء

الموصل تحتاج إلى نحو عقد من الزمن لإعادة بنائها وتنظيفها من عدد لا يحصى من الألغام والعبوات الناسفة. ولا يستطيع العالم إعادة الزمن في ما يتعلق بما حدث في العراق، كما أنه لن يستطيع منح (أسامة) والأطفال الآخرين تلك السنوات الضائعة من أعمارهم.

بادي دوالينغ : صحافي مهتم بالقضايا الإنسانية يعيش في بريطانيا.


- معظم العائلات

التي بقيت في

الموصل، بعد

سيطرة «داعش»

في يونيو 2014،

حافظت على

أطفالها بعيداً عن

المدرسة، خوفاً

على سلامتهم

وهرباً من التلقين

الذي يمكن أن

يتعرّضوا له.

- 350

مدرسة في

الموصل تحتاج

إلى إصلاحات كبيرة.

تويتر