بعد تقديمها 6 مليارات كمساعدات لمقديشو من عام 2006

الولايات المتحدة تكافئ الفشل في الصـومال وتتجاهل النجاح في «أرض الصومال»

تنظيم الشباب منظمة إرهابية متوحشة تستخدم الأطفال في العمليات التفجيرية. أرشيفية

يمكن اعتبار التدخل الأميركي في الصومال الحرب الأطول التي تخوضها الولايات المتحدة. ولأكثر من 27عاماً، لاتزال الولايات المتحدة متورطة في هذه الحرب التي لا تنتهي في الصومال، وكان هذا التورط في حالة مد وجزر، إذ إنه تحدث أن تكون هناك معارك يقوم بها حلفاء الولايات المتحدة مدعومين بسلاح الجو الأميركي، وأحياناً تكون هذه الحرب في حالة سبات لفترات طويلة، لكنها لم تتوقف مطلقاً. ومنذ عام 2007 حتى 2016 أنفقت الولايات المتحدة نحو مليار دولار كمساعدات لبعثة الاتحاد الإفريقي العاملة في الصومال. وبتحفظ نستطيع القول إن الولايات المتحدة قدمت للصومال نحو ستة مليارات دولار كمساعدات منذ عام 2006.

والسؤال المطروح، ما الهدف الذي تنشده الولايات المتحدة من إنفاق كل هذه المليارات؟ يبدو أنه ليس الكثير، إذ إن الصومال تظل الدولة الأكثر فساداً على هذا الكوكب، كما أن «تنظيم الشباب»، وهو فرع لتنظيم «القاعدة»، لايزال موجوداً في هذا البلد، لا بل إنه يزداد قوة ونفوذاً. وفي واقع الأمر فإن الرئيس الصومالي، محمد عبدالحي محمد، المعروف بلقب «فارماجو»، والذي تحظى حكومته بتمويل جيد من الولايات المتحدة، لا يسيطر على الكثير خارج القصر الرئاسي.

ولكن من ناحية، فإن الوضع في الدولة المعروفة باسم ارض الصومال، التي لم يتم الاعتراف بها دولياً حتى الآن، يبدو مختلفاً تماماً. وهي محمية بريطانية سابقة تقع في أقصى الجزء الشمالي مما كان يعرف سابقاً بدولة الصومال، قبل أن تتقسم و تندلع فيها الحرب الأهلية، وتم الإعلان عنها دولة مستقلة عن الصومال في عام 1991. وشكلت أرض الصومال حكومة خاصة بها، ووضعت دستوراً، وأقامت انتخابات برلمانية، وانتخبت حتى الآن ثلاثة رؤساء للدولة. وعلى الرغم من أن جمهورية أرض الصومال تحصل على مساعدات قليلة لا تكاد تذكر، كما أنها لا تستطيع الحصول على القروض الدولية نظراً إلى عدم اعتراف المجتمع الدولي بها، إلا أنها تمكنت من أنجاز كل شيء فشلت الصومال في تحقيقه. ويوجد في أرض الصومال حكومة فعالة ونشطة تقدم الأمن والعديد من الخدمات الأخرى. وربما تكون عاصمة أرض الصومال، مدينة هارجيسا، الأسرع نمواً في إفريقيا، حيث تقل فيها الجرائم، ويعد أمراً غير مألوف. والأهم من كل ذلك أن تنظيم الشباب يجد أرض الصومال عصية أمام ترسيخ نفسه فيها وفرض قيمه وتجنيد شبابه، على الأقل حتى الآن.

والسؤال الذي يفرض نفسه، كيف تمكنت دولة أرض الصومال من تحقيق كل ذلك في حين فشلت دولة الصومال باستمرار في تأمين الأمن والاستقرار لمواطنيها على الرغم من مليارات الدولارات التي تقدم لها كمساعدات من المجتمع الدولي؟ هذا السؤال تم توجيهه إلى رئيس جمهورية أرض الصومال، موسى بيهي عبدي، في مقابلة أجريت معه أخيراً. وقال عبدي: «الجواب الأكثر بساطة عن هذا السؤال هو الأمن الذي نحققه في دولتنا، فهو يفتح الباب أمام نجاح الأمور الأخرى، والجواب الثاني هو أننا ننجز الأمور بأنفسنا ولأنفسنا وبطريقتنا، وليس لدينا نظام حكومي مفروض علينا من الخارج، بل إننا نقوم بتطوير نظامنا، وهو عملية لاتزال مستمرة».

وكان عبدي طياراً وضابطاً في الجيش، وملحقاً عسكرياً في ظل نظام الديكتاتور، سياد بري، وشهد الحروب، ويعرف شرورها وويلاتها. وعندما أصبح بري أكثر قمعاً واستبداداً انشق عبدي عنه، وانضم إلى حركة الصومال الوطنية، التي كانت تحارب للإطاحة بسياد بري ونظامه لتخليص الصومال من شروره. وبلغ القمع والاضطهاد بنظام بري ضد أرض الصومال ذروته عندما قام بقصف مدينة هارجيسا بالطائرات، وكاد يجهز عليها بالكامل، على الرغم من أنها أكبر مدينة في أرض الصومال. وهي تحوي الآن الكثير من القبور الجماعية لضحايا قصف بري، والتي لم يتم كشفها حتى الآن ومعرفة هوية الضحايا.

وقال عبدي: «كنت ضابطاً في جيش نظامي، وفي حركة الصومال الوطنية، وعلى الرغم من وجود فروق كبيرة بين الطرفين إلا أن ثمة شيئاً واحداً كان هو ذاته عند الطرفين، وهو أن الثقة بينك وبين الناس هي التي تجعلك تنجح، وإذا لم تكن لديك القلوب والعقول، فإنك لا تملك أي شيء، وفي الصومال لا تتمتع حكومة هذا البلد بهذه الثقة».

وفي واقع الأمر، فإن تنظيم الشباب الإرهابي غالباً ما يتمتع بثقة الناس أكثر من حكومة الصومال، على الرغم من أن تنظيم الشباب منظمة إرهابية متوحشة لا تهتم أبدا لقتل المدنيين، واستخدام الأطفال في العمليات الانتحارية التفجيرية، وتطبق أقسى العقوبات التي يمكن أن يسمع بها المرء ضد المدنيين. ولكن هذا التنظيم الوحشي مختلف عن حكومة الصومال، إذ إنه أكثر كفاءة في إدارة أموره من الحكومة الصومالية، ويمكن التنبؤ بما يمكن أن يصدر عنه، كما أنه أقل فساداً من حكومة الصومال، ونتيجة الجهاز الأمني المرعب الذي يملكه تنظيم الشباب، المعروف باسم (أمنيات) فإنه يتمتع بالتفوق في معظم أنحاء الصومال، وقال محلل أمني مقيم في العاصمة مقديشو، لم يذكر اسمه، موضحاً تفوق «الشباب» على الحكومة: «يعرف تنظيم الشباب ما لون ربطة العنق التي سيرتديها الرئيس فارماجو في معظم الأيام، ويمتلك التنظيم مخبريه وجواسيسه والمتعاطفين معه في كل وزارة حكومية، وحتى في وكالة الأمن والمخابرات الوطنية(نيسا)، ولا يوجد شيء تقريباً لا يعرفه «الشباب» في الصومال، ولهذا فإن سيطرتهم تكاد تكون شبه شاملة في المجال الأمني والاستخباراتي».

مايكل هورتون من مؤسسة جيمس تاون الأميركية


«أرض الصومال» بحاجة إلى المساعدات والقروض

يقول موسى بيهي عبدي «إن الشباب الأكثر ضعفاً أمام مجموعات مثل تنظيم الشباب الإرهابي، وعلينا أن نكون قادرين على الاستثمار أكثر بكثير مما نقوم به الآن في التعليم، وعلينا أن نقدم لهم الفرص من أجل العمل». ولتحقيق هذا الهدف يجب على حكومة عبدي جلب الكثير من الاستثمارات التي ستسمح بإيجاد مزيد من فرص العمل في الدولة، بما يكفل تخفيف نسبة البطالة المرتفعة جداً.

وقال عبدي «نعم، نريد الاستثمارات، ونحن بحاجة إلى المساعدات والقروض. لكننا نعرف أن هذه المساعدات يمكن أن تكون سيفاً ذا حدين، وبالتأكيد فإنها لا يمكن أن تجعلنا فاسدين، كما هي الحال في الصومال» ولكن بعد نحو 30 عاماً من الاستقلال وبناء الدولة فإن دولة ارض الصومال مستعدة للمعونة والمساعدات ذات المعنى والفائدة.

وبدلاً من مواصلة تقديم ملايين الدولارات لتلك الحكومة التي لاتزال دولة فاشلة منذ عشرات السنين في مقديشو، يجب على الولايات المتحدة الاعتراف بإنجازات دولة أرض الصومال، عن طريق تقديم المساعدات والاستثمارات التي تحتاج إليها أرض الصومال للحفاظ على تلك الإنجازات وتكريسها. ويمكن أن تحصل الولايات المتحدة في دولة أرض الصومال على حليف حقيقي في المنطقة، حيث يدرك هذا الحليف كيف يحارب ويهزم مجموعات الميليشيات الإرهابية مثل «الشباب»، وفي الوقت ذاته يقبل بالعديد من القيم التي جعلت الولايات المتحدة على ماهي عليه الآن من قوة وعظمة و ثراء.

التعاون بين الشعب والجهات الحكومية لتحقيق الأمن

يحب رئيس أرض الصومال، موسى بيهي عبدي قيادة السيارات، وغالباً ما يقوم بقيادة سياراته والتنقل حيث يشاء عندما يكون في العاصمة، ولو في سيارة لاندكروز مصفحة. وقال عبدي موضحاً: «نحن نعتمد على شعبنا من أجل أمننا، فهم الأساس الذي نبني عليه كل شيء»، وأضاف: «نعم، لدينا قوة شرطة فعالة، ووحدات الاستجابة السريعة وخدمات المخابرات، لكن الأهم من كل هذا أن شعب أرض الصومال هو الذي يبلغنا ما نريد معرفته، وهم يعرفون عندما يدخل شخص مشبوه إلى مجتمعهم أنه يجب إبلاغ القوات الأمنية عنه، فيسارعون إلى إبلاغنا عنه، ومن دون هذه الحالة من التعاون بين الشعب والجهات الحكومية، فإن أفضل أجهزة الاستخبارات وأكثر قوات مكافحة الإرهاب المزودة بأفضل المعدات والتجهيزات، ستفشل في تحقيق الأمن والاستقرار، وبالطبع ليس هناك أي شيء يمكن أن يحل مكان الذكاء البشري، وهذا ما لدينا هنا، إنه شعب يقظ وحذر يريد الحفاظ على المكتسبات التي كافحنا من أجل تحقيقها: الاستقرار والأمن».

لكن على الرغم من إنجازات دولة أرض الصومال في ما يتعلق بالحكم والأمن واستقرار البلد، إلا أنه ثمة حدوداً لما يمكن إنجازه، بالنظر لعدم وجود قروض مصرفية من مؤسسات عالمية والقليل من المساعدات الدولية. وتبدو دولة أرض الصومال كأنها تناطح الجدار، وهي لا تستطيع تسلقه دون مساعدات دقيقة ومدروسة بذكاء. وتنفق أرض الصومال نحو 40% من ميزانيتها الوطنية على الأمن، ولذلك لا يبقى الكثير للإنفاق على المجالات الأخرى التي لا تقل أهمية، مثل التعليم والرعاية الصحية. وتزيد البطالة بين الشباب على 70%، وكالعديد من دول المنطقة يوجد تزايد كبير في أعداد الشبان.

تويتر