بكين تملك نظاماً أكثر تطوراً لمراقبة الإنترنت

الولايات المتحدة تستعد للحرب الرقمية ضد روسيا والصين

صورة

في السنوات الأخيرة، بدأت حكومات في أخذ البيانات الرقمية على محمل الجد، وفي هذا السياق يعتقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والزعيم الصيني شي جين بينغ، أن التفوق في القرن الحادي والعشرين سيكون للدول التي تتحكم في منصات الاتصالات وتضيق على وسائل الإعلام المستقلة، وتتحكم في تطوير التقنيات التي تعتمد على البيانات مثل الذكاء الاصطناعي. وتُطوق هذه الأنظمة فضاء الإنترنت المحلي وتراقب تدفقات المعلومات العالمية، بينما تقوض الدول المتنافسة حياد الشبكة العنكبوتية من خلال حملات التضليل والاختراق، وتحاول تلك الحكومات سرقة الملكية الفكرية وقواعد البيانات الخاصة بالمنظمات الأجنبية، لكن تمنع الشركات الأجنبية من قطاعاتها الغنية بالبيانات.

ولم تظهر الولايات المتحدة حتى الآن في هذه المعركة المعلوماتية، ويعطي خبراء الحرب الرقمية في أميركا الأولوية للدفاع عن البنية التحتية المادية، بما في ذلك أجهزة التوجيه والخوادم وأجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف الذكية، لكنهم يقللون باستمرار من الأهمية الاقتصادية والسياسية للمعلومات المنقولة على تلك البنية الأساسية. والقطاع الأميركي الخاص الذي نادراً ما يعمل للمصلحة الوطنية الأميركية مسؤول بشكل أساسي عن حماية منصات البيانات والمعلومات.

قد يكون من الصعب صياغة اللوائح وسياسات الأمن القومي للبيانات والتكنولوجيا التي لا تتعارض مع القيم الديمقراطية والرأسمالية، ويمكن لاستراتيجية المعلومات الوطنية أن تبدو أو تصبح كارثية من دون قيادة سياسية صحيحة، ولكن من أجل الازدهار في القرن الحادي والعشرين يجب على الديمقراطيات الآن أن تضع البيانات الرقمية في صلب السياسة الداخلية والأمنية والسياسة الخارجية.

قد يكون تدخل روسيا في الانتخابات الأميركية أشهر حالة لدولة تستخدم معلومات سياسية واجتماعية حساسة لمهاجمة دولة أخرى، لكنها ليست بأي حال المثال الوحيد، ففي عام 2014 سرق المتسللون الصينيون المعلومات الشخصية لأكثر من 22 مليون شخص على صلة بعمليات التخليص الأمني الأميركية، ولم يظهر هذا الانتهاك فقط ضعف أنظمة الحكومة الأميركية أمام الجهات الفاعلة العدائية، بل زود الصين أيضاً بموارد هائلة، حيث يمكن أن تستخدم الصين البيانات المسروقة للتعرف إلى المسؤولين الأميركيين وأسرهم واستهدافهم، كما يمكن أن تستخدم أيضاً البيانات «النظيفة» عالية التنظيم لتطوير الخوارزميات التي تعمل على تشغيل مشاريع الذكاء الاصطناعي المرتبطة بالجيش، وشحذ الأسلحة في ترسانة الحرب الإلكترونية.

استخدام مزدوج

لأسباب مماثلة ترعى الصين سرقة البيانات التجارية، ويعتقد مسؤولو الأمن أن خرق البيانات الذي هز العملاق الائتماني «إكويفاكس» في 2017، والذي سرق فيه المتسللون المعلومات المالية والشخصية لنحو 147 مليون أميركي، مصدره الصين.

يمكن أن تعوض هذه المعلومات الأميركية المسروقة الثغرات الموجودة في مجموعات البيانات الصينية، على الرغم من أن المستهلكين يقدمون الكثير من البيانات لعمالقة التجارة الإلكترونية في الصين، إلا أن الصناعات المالية والصحية هناك لا تقارن بنظيراتها الأميركية. لقد زودت عملية «إكويفاكس» الصينيين بمعلومات مفصلة ومنظمة حول نحو نصف السكان الأميركيين، وتُعد البيانات التي يسهل البحث عنها حيوية للشركات لتدريب تطبيقات الذكاء الاصطناعي للاستخدام العسكري والتجاري.

ولا يوجد اقتصاد متقدم يفتخر باستراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي أكثر من الصين، وتسعى بكين إلى قيادة العالم في هذا المجال بحلول عام 2030. إن استراتيجية بينغ لدمج المدني بالعسكري تستنبط الجهود البحثية للشركات الخاصة والقاعدة الصناعية العسكرية الصينية ووكالات الاستخبارات التابعة لجيش الصين الشعبي. وتخوض بكين منافسة رقمية غير متجانسة، إذ تريد الحصول على بيانات الآخرين مع تقييد الوصول إلى البيانات الصينية، وتحقيقاً لهذه الغاية أدخلت الصين والهند وروسيا ودول أخرى قوانين صارمة لتوطين البيانات لمنع الشركات من أخذ أنواع معينة من البيانات عبر الحدود الوطنية.

وفي القطاع الخاص، الوصول إلى البيانات يؤدي إلى أفضل النتائج، والمزيد من البيانات تتيح للشركات إنشاء تطبيقات أفضل، ما يجعلها أكثر ربحية ويسمح لها بجمع المزيد من البيانات واستثمارها. وتشرح الديناميكية سبب احتكار عمالقة المعلومات، مثل «علي بابا» و«فيس بوك» و«غوغل» و«أمازون» و«تنسانت» للمعلومات، لكن هذا المنطق التجاري يدفع الدول أيضاً إلى تبني سياسات أكثر راديكالية.

فقدان الثقة

يجب أن تستعد الولايات المتحدة لاحتمال قيام أنظمة استبدادية بتكثيف الهجمات الإلكترونية ضد قواعد بيانات شركاتها الكبرى. وإذا أرادت الصين، على سبيل المثال، تعزيز دورها كلاعب مهيمن في سوق معينة، فإن هجوماً إلكترونياً بسيطاً ضد شركة منافسة قد يكون مدمراً للغاية، حيث يمكن أن يؤدي تعطيل أو «التسلل» خلسة من خلال تهديد البيانات أو عن طريق السطو على آليات مراقبة الجودة التي تحكم العمليات الصناعية إلى نتائج قد تكون ضارة. وقبل أن تكتشف شركة متأثرة هذا النوع من الهجوم قد تواجه العديد من المشكلات الاقتصادية والقانونية، ما يؤدي إلى فقدان المستهلكين وتذبذب التوريد.

تساعد أنظمة التعلم الآلي التي تعتمد على البيانات في اتخاذ القرارات في العديد من مجالات القطاعين العام والخاص، ولا يتعين أن يكون الهجوم الرقمي ناجحاً حتى يكون كارثياً. إن التصور بأن بيانات المنظمة مخترقة وأن عمليات صنع القرار فيها غير صالحة، يمكن أن يحد من ثقة الجمهور في شركة أو في وكالة حكومية وحتى في عملية ديمقراطية.

منذ أن تم إدخال الإنترنت إلى الصين في التسعينات أنشأت بكين النظام الأكثر تطوراً في العالم لمراقبة الشبكات والمواقع والدعاية، ووضعت قيوداً شديدة على دخول وسائل الإعلام الأجنبية وشركات التكنولوجيا إلى الأسواق. وروسيا تحذو حذو الصين، ففي خلال الاحتجاجات الأخيرة في موسكو، عطلت السلطات الوصول إلى الإنترنت عبر الهاتف النقال في المدينة، لمنع المحتجين من التواصل مع بعضهم بعضاً.

وفي مناورة أكثر طموحاً، تُخطط روسيا لاختبار إجراء من شأنه فصل مستخدمي الإنترنت الروس تماماً عن الإنترنت العالمي، حتى وزارة الدفاع بالمملكة المتحدة حذرت من أن الديمقراطيات قد تحتاج إلى التراجع عن الالتزام بالإنترنت المفتوح والنظر في «الحدود السيبرانية الوطنية أو الإقليمية». هذه التحركات من شأنها أن تقضي على عقود من الليبرالية الاقتصادية، وتفتت الانفتاح النسبي لتدفقات المعلومات الحالية، وتثير الشكوك والعداء، وما لم تتمكن الولايات المتحدة من رسم مسار مختلف، فقد يتعثر العالم في هذا المسار.

خطة حقيقية

يجب على الولايات المتحدة اعتماد استراتيجية معلومات وطنية تضع البيانات في مركزها، حيث إن التركيز على الأمن القومي فقط لم ينجح، فلا يوجد سوى احتمال ضئيل لهجوم كارثي على شبكات البنية التحتية، لكن ذلك صرف انتباه القادة عن الدفاع عن أهم موارد البلاد وهي المعلومات.

يحتاج صناع السياسة في أميركا إلى تحديد وحماية أصول المعلومات الوطنية، بما في ذلك الشركات والبنية التحتية، من الهجمات والاستيلاء من قبل جهات أجنبية. وعلى مدار العقد الماضي، استثمرت الصين بشكل منهجي في الشركات الأميركية التي تطور تقنيات تعتمد على البيانات، ولعل الخطوات الأخيرة لتشديد قواعد الاستثمار الأجنبي مشجعة.

وخلال هذا العام أجبرت لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة المستثمرين الصينيين على الانسحاب من شركة ناشئة للرعاية الصحية غنية بالبيانات، ومن تطبيق تعارف شهير، وسوف تُشدد اللوائح الجديدة قريباً الرقابة على الاستثمارات الأجنبية في شركات التكنولوجيا الفائقة التي تمتلك مجموعة كبيرة من البيانات الحساسة، ومع ذلك يتعين على الكونغرس أن يكمل التدقيق في الاستثمار الأجنبي بمزيد من التمويل لدعم الشركات ومؤسسات البحوث التي تطور الذكاء الاصطناعي.

على وجه الخصوص، يتعين على الحكومة المساعدة في تعزيز شركات التكنولوجيا التي يمكنها دعم الأمن القومي الأميركي أو المصالح الاقتصادية الوطنية على المدى الطويل.

وسوف يتم تعزيز هذه التدابير بشكل أكبر عن طريق نظام وطني لحماية البيانات، ومع ذلك فإن قوانين البيانات المتداخلة والمتناقضة في بعض الأحيان لاتزال غير كافية لضمان معايير إدارة البيانات والحماية الأساسية، ويجب على واضعي السياسات والمشرعين تبسيط وتوضيح هذا النظام غير الفعال للغاية.

ويجب على الوكالات الحكومية تعزيز التنسيق مع القطاع الخاص الذي يقع في الخطوط الأمامية للمنافسة والصراع في القرن الحادي والعشرين، ويجب على مجتمع الاستخبارات مشاركة عمليات تقييم التهديدات مع شركات التكنولوجيا الفائقة ومنصات الوسائط الاجتماعية والكيانات التي تحتفظ بأصول كبيرة من البيانات الحساسة. وفي الوقت نفسه يجب أن يقر الكونغرس تشريعات مثل مشروع قانون برعاية السيناتور إليزابيث وارين، وليندسي جراهام، وإيمي كلوبوشار، التي ستحمل شركات التكنولوجيا مسؤولية دورها في حماية مصالح الأمن القومي.

وبعد تعزيز دفاعاتها، يتعين على أميركا فضح التكتيكات الخبيثة والشبكات الغامضة لخصومها.

إن الأدلة على الرشوة، ورعاية الدولة للجريمة المنظمة، وتوظيف المرتزقة عبر الإنترنت، ومحاولات التدخل في العمليات الديمقراطية الغربية، يجب أن تُكشف للعالم، ولا تبقى فقط في مذكرات أجهزة الاستخبارات. يجب أن يشكل هذا الكشف للحقائق أساساً لحملات إعلامية عامة تكشف عن السلوكيات الفاسدة التي تنتهجها الصين وروسيا.

الحكومات مثل الصين وروسيا هشة في النهاية، إذ لا تعتمد شرعيتها على الحريات والانتخابات، بل على السيطرة على المعلومات والتلاعب بها، وبالتالي فهي عرضة بشكل كبير للهجمات الإلكترونية التي من شأنها أن تكسر أبواب فضاء المعلومات التي تسيطر عليها بإحكام. ويجب أن يشير القادة الأميركيون صراحة إلى أن الهجمات الرقمية ضد الولايات المتحدة ستؤدي إلى انتقام خطير.

من أجل مواكبة هذه الدول بفاعلية في مجال التنافس على المعلومات سيتعين على الديمقراطيات القيام بعمل متوازن، ويجب أن تعزز قدرة اقتصاداتها على إنتاج البيانات وصقلها وحمايتها، مع تجنب إغراءات «الحمائية» والاحتكار. يجب عليهم الدفاع عن بيئات المعلومات الخاصة بهم من التخريب، ولكن مضاعفة الجهود لحماية الحقوق الفردية والمؤسسات الديمقراطية، يجب ألا تمنع صعوبة هذه المهام صناع السياسة من التعامل معها. وبالنسبة لقادة الأمن القومي، لا يمكن أن تكون هناك مهمة أكثر أهمية من صياغة استراتيجية لأمن البيانات تتناسب مع الغرض في عصر المعلومات.

 

قد يكون تدخل روسيا في الانتخابات الأميركية

أشهر حالة لدولة تستخدم معلومات سياسية

واجتماعية حساسة لمهاجمة دولة أخرى، لكنها

ليست بأي حال المثال الوحيد.

سيتعين على الدول الديمقراطية القيام بعمل

متوازن، ويجب أن تعزز قدرة اقتصاداتها

على إنتاج البيانات وصقلها وحمايتها،

مع تجنب إغراءات «الحمائية» والاحتكار.

تويتر