بسبب عجز أي ائتلاف عن حشد 61 مقعداً في البرلمان

إسرائيل تواجه عدم استقرار حكومي.. رغم خسارة نتنياهو وفوز خصومه

صورة

أغرب حلقة في الانتخابات الإسرائيلية الصاخبة، وهي الثانية خلال ستة أشهر، هي مقطع من مقاطع الفيديو الثلاثين التي نشرها رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على قناة «يوتيوب» الخاصة به خلال اليومين اللذين سبقا التصويت يوم الثلاثاء الماضي، وكان هذا المقطع يحوي صور الإسرائيليين الذين كانوا يمارسون رياضة التزلج على الأمواج على شاطئ تل أبيب وهم يشربون القهوة والعصير في الحانات والمقاهي، وكانت هذه الصورة تبدو من منتجات وزارة السياحة، وكان نتنياهو يقصد بهذه الصورة حث أنصار حزب «الليكود»، الذي يتزعمه، على ترك الحانات والمقاهي وحتى التمتع بشواطئ تل أبيب والخروج فوراً للتصويت له.

وكانت النتيجة زيادة بضع نقاط عما كانت عليه الحال في انتخابات التاسع من أبريل، على الرغم من ذكريات الليلة التي جاءت بعد ستة أسابيع، والتي اعترف فيها نتنياهو بفشله في تشكيل ائتلاف حكومي، وبدلاً من إعادة التفويض الممنوح له الى رئيس إسرائيل رؤوفين ريفلين، أصر على حل البرلمان وإرسال إسرائيل إلى انتخابات ثانية.

ويبدو من خلال الفرق بين المقاعد التي حصل عليها حزب الليكود، والحزب المعارض الرئيس الذي يحمل اسم «أبيض أزرق»، الذي يتزعمه رئيس الأركان الأسبق بيني غانتس، حيث حصلا على عدد مقاعد متقاربة في البرلمان؛ يبدو أن الإسرائيليين لا يعرفون ماذا يريدون، ولكن في الوقت ذاته ثمة مؤشر واضح إلى أن نتنياهو، الذي طغى على السياسة الإسرائيلية لعقود عدة، كما استلم منصب رئيس الحكومة لعقد من الزمن، قد خسر هذه الانتخابات، في حين أن خصومه ربحوا الجولة. وكان نتنياهو يدير حملته الانتخابية وكأنه محاصر في قبو تحت الأرض، في حين أن تركيزه موجه نحو خصومه الأشرار.

وكان رئيس حزب «إسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان، وهو وزير الدفاع السابق في حكومة نتنياهو، قد أثر على الانتخابات السابقة، عندما استقال في ديسمبر الماضي، وفي الانتخابات الحالية عندما رفض في مايو الماضي المشاركة في ائتلاف يخضع لشروط الأحزاب اليهودية المتطرفة. ويبدو أن رهانات ليبرمان قد أعطت ثمارها، فقد بات قريباً من مضاعفة عدد مقاعد حزبه في البرلمان إلى نحو ثمانية أو تسعة.

وقال رئيس معهد الديمقراطية في إسرائيل، يوحنان بليسنر: «ليبرمان هو صانع الملوك الأخير، لأن نتنياهو لن يكون له حكومة من دون ليبرمان، وليبرمان يستطيع أن يملي ما يريد على الحكومة المقبلة».

ومن المتوقع أن تظهر النتائج الرسمية للانتخابات في 25 سبتمبر، بعد المصادقة على نتيجة فرز الأصوات التي تتم يدوياً. وهاجم نتنياهو وسائل الإعلام منذ بداية حملته الانتخابية حتى نهايتها، حيث اشتكى يوم الأربعاء الماضي، خلال خطاب ألقاه في قاعة شبه فارغة، من أن وسائل الإعلام أجبرته على التعامل مع «أصعب حملة والأكثر تحيزاً في حياتي».

ولكن الإعلام كان على صواب هذه المرة، فقد توقعت وسائل الاعلام أن نتنياهو لن يكون له مساحة للمناورة في أعقاب جلسة الثاني من أكتوبر، والتي سيكشف فيها المدعي العام الأدلة ضد نتنياهو في عدد من القضايا المتهم فيها. وبالنظر إلى هذا المأزق الذي يعيشه نتنياهو الآن فقد عمد إلى إلغاء مشاركته الأسبوع المقبل في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهي الحدث الأكثر قرباً إلى قلبه في السنة.

في المقابل، تعهد غانتس بأن يواصل السلام مع الفلسطينيين لوضع حد لكل مرحلة، ووعد أنصاره بقوة بأنه لن يشارك في حكومة يكون نتنياهو فرداً فيها طالما أنه مشتبه به قضائياً. هذا الموقف الذي طرحه غانتس يؤدي إلى استبعاد قيام أي حكومة ائتلاف وطني يكون فيها حزب «أزرق أبيض» جنباً إلى جنب مع حزب «الليكود»، وهذا ما جعل المراقبين أقرب إلى تخيل الأمر الذي لم يكن بالإمكان تخيله، وهو احتمال قيام حكومة وحدة يشارك فيها «الليكود» على أن يقودها طرف آخر.

وفي حالة قام حزب «الليكود» المتعطش للسلطة بطرد نتنياهو من قيادته فإنه ربما سيكون هناك حكومة وحدة وطنية. وقال بليسنر«ان اختيار زعيم جديد للحزب سيساعد على تشكيل الحكومة مع حزب (أزرق أبيض)، وعندها يمكن أن نشهد مداورة في قيادة الحكومة بين غانتس ومن سيقود حزب الليكود»، متوقعاً أن تدخل إسرائيل مرحلة من عدم الاستقرار السياسي.

وطوال فترة حملته الانتخابية حافظ نتنياهو على أشد هجومه قساوة وبشاعة ضد الأقلية العربية في إسرائيل، التي تشكل 20% من تعداد السكان ونحو 16% من تعداد الناخبين، والذين أدى تصويتهم المتأخر إلى حصولهم على عدد منخفض من المقاعد. واتهم نتنياهو السياسيين العرب بدعم الإرهاب، واتهم خصمه غانتس بأنه جنرال يتآمر مع قادة الأحزاب العربية كي يعين بعضهم وزراء في حكومته، واتهم نتنياهو أيضاً غانتس بأنه يخفي حقيقة أن إيران قامت بقرصنة على هاتفه، حيث حصلت على صور تظهر قيامه بمغامرات جنسية، وهو اتهام زائف بصورة كاملة.

وخلال الحملة المحمومة في الأسبوع الأخير، حاول نتنياهو أن يصدر في «الكنيست» قانوناً يسمح لحزبه بتركيب كاميرات مخفية في أماكن اقتراع الناخبين العرب، كما فعل ذلك في ابريل الماضي بصورة غير قانونية، ما أدى إلى حدوث ضجة كبيرة، وفشل في ذلك، وأصبح أول رئيس حكومة إسرائيلي تقوم شركة «فيس بوك» بإغلاق موقعه، بسبب خطابات الكراهية التي كان ينشرها، عندما أرسل على موقعه رسائل تحذر من أن «العرب يريدون القضاء علينا، نساء وأطفالاً ورجالاً».

وخاضت «القائمة العربية المشتركة»، وهي تحالف حزبي ذو أغلبية عربية، الانتخابات وحققت 13 مقعداً، لتأتي كثالث أكبر حزب بعد «الليكود» و«أزرق أبيض». وبوجود رئيس القائمة المشتركة أيمن عودة، الذي أعلن الثلاثاء الماضي أن «التحريض ضد العرب لم ينجح»، إضافة الى صانع الملوك «اليساري» ليبرمان، فإن نتائج هذه الانتخابات تشكل كابوساً حقيقياً بالنسبة لنتنياهو. وقال رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت، في مقابلة مع «ديلي بيست»: «لقد هزم نتنياهو». وأضاف: «لقد خسر، وكما نرى ليس هناك طريقة ممكنة تجعله يشكل ائتلافاً حكومياً».

ولكن بالنظر إلى وجود شكوك في إمكانية أي ائتلاف في جمع 61 مقعداً في «الكنيست»، فمن المرجح أن يكون هناك جولة أخرى من الانتخابات في بداية عام 2020.

ويرى أولمرت أنه من أجل حصول إسرائيل على حكومة مستقرة يجب إجراء جولة أخرى من الانتخابات في «أسرع وقت»، ولكن بخلاف خصوم نتنياهو، الذين أمضوا العام الماضي وهم يحذرون الجمهور من الخطر الذي يشكله نتنياهو على الديمقراطية في إسرائيل، فإن أولمرت يبدو متفائلاً، وقال: «إن مؤسسات الدول الديمقراطية صلبة ومتينة، وليس هناك أي خوف حقيقي على أنها يمكن أن تُقوض». وأضاف مستشهداً بالأزمة السياسية في المملكة المتحدة «إن صعوبة حكم دولة ليست ظاهرة إسرائيلية، فهي ظاهرة شائعة وإسرائيل ليست استثناءً».


خلال الحملة المحمومة في الأسبوع الأخير، حاول نتنياهو أن يصدر في «الكنيست» قانوناً يسمح لحزبه بتركيب كاميرات مخفية في أماكن اقتراع الناخبين العرب.

 

تويتر