فشل الاتفاق السابق في معالجة «المعضلة»

أي اتفاق أميركي نووي جديد مع إيران يجب أن يلجم طموحاتها الإقليمية

صورة

في خضم موجة من التقارير الصحافية حول الانتشار العسكري الأميركي في الخليج العربي، يبدو أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب لايزال ملتزماً بالمفاوضات من أجل التوصل إلى اتفاق جديد مع إيران. ولكن ما الذي يجب أن تكون عليه الخطوط العريضة لهذا الاتفاق الجديد، وكيف تستطيع الولايات المتحدة معالجة الأمور بدبلوماسية مع إيران؟ منذ قيام الثورة الإيرانية في عام 1979، هاجمت طهران الولايات المتحدة بشكل مباشر وغير مباشر، وأنشأت ومولت بسخاء الجماعات المتطرفة، وطورت فيلق الحرس الثوري الإسلامي، ليصبح قوة عسكرية استكشافية، تقوض مصالح الولايات المتحدة والأمن في منطقة الشرق الأوسط. وظل هذا النظام الديني ماضياً في طموحاته حتى عندما حشدت واشنطن موارد سياسية واقتصادية وعسكرية كبيرة ضده. ويجب أن يكون تأثير العقوبات هائلاً لإجبار النظام على التوصل إلى اتفاق شامل ليتراجع بموجبه عن البرامج النووية والصاروخية، فضلاً عن تدخلاته في شؤون الدول الأخرى.

مثل هذا الاتفاق يجب أن يضغط ببطء وإلا فيصاب بنكسة، وينبغي على واشنطن تجنب أي تخفيف فوري للعقوبات في وقت مبكر من المفاوضات، وينبغي أن يحتفظ البيت الأبيض بأكبر قدر من النفوذ ضد إيران طوال المحادثات، ولا يقع في الخطأ نفسه الذي وقعت فيه إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، عندما أفرجت عن سبعة مليارات دولار بموجب الاتفاق النووي المؤقت في نوفمبر 2013.

رسالة خاطئة

علاوة على ذلك، فإن أي مفاوضات تفصل المسألة النووية عن الطموحات الإقليمية للنظام الإيراني مثلما فعلت إدارة أوباما، فإن الاتفاق على البرنامج النووي فقط سيعطي إيران رسالة خاطئة مؤداها أن تواصل تطلعاتها، كما إن هذه الرسالة ستشجع نظامها الديني على مواصلة مهمته الراديكالية والسيطرة على الشيعة العرب، وتعكس للدول العربية أن الولايات المتحدة ليس لديها نية حقيقية لمواجهة طهران. ومن الواضح أن أكثر المؤيدين المتحمسين للصفقة النووية حاولوا تصوير إيران باعتبارها متسامحة، وليست «لاعباً سيئاً يهدد بشكل خاص الشرق الأوسط»، وعلى هذا الأساس تم التقليل من أيديولوجية ونيات إيران، بما في ذلك قيامها بتنظيم ميليشيات شيعية تحت قيادتها.

القوى الأيديولوجية الدينية الثورية، لن تتراجع عن طموحاتها الإمبراطورية ونفوذها، ما لم تضطرها المشكلات في الداخل أو قوة أخرى في الخارج بالقيام بذلك. أي إدارة أميركية تحاول التفاوض مع إيران، عليها أولاً دفع النظام الديني إلى حافة الانهيار حتى يفكر رجال الدين الحاكمون والحرس الثوري الإيراني، الذين أشرفوا على تطوير البرنامج النووي، في التخلي عن هذا البرنامج المدعوم بشكل ثابت وحازم من قبل فصائل النخبة الحاكمة. وهناك واقعة تاريخية توازي هذه الفرضية، فعندما تصدعت القوات العسكرية الإيرانية وبدأت تهرب، وعندما أدرك رجال الدين الثوريون أن الانهيار على الخطوط الأمامية قد يسقط الجمهورية الإسلامية، سعى زعيمها آية الله الخميني، إلى إنهاء حرب إيران-العراق. إن أهمية البرنامج النووي لإيران ربما يشبه الأهمية التي يوليها رجال الدين الحاكمون للحملة ضد الرئيس العراقي السابق، صدام حسين.

حتى في ظل هذه الضغوط الشديدة، سترغب طهران في توقيع أي اتفاق محتمل من أجل التعاملات وليس من أجل التحولات، وسيساعدها ذلك على كسب الزمن في أي مفاوضات، وعقد أي اتفاق يتم التوصل إليه في نطاق محدود وممرحل في تنفيذه، ومقاومة المساومة على القدرات الرئيسة؛ النووية والتقليدية، وذلك للحفاظ على النفوذ ضد الضغط الأميركي.

الاتفاقات المحدودة تصبّ في مصلحة إيران. وعلى الجبهة النووية، استثمرت إيران الكثير من الوقت والمبدأ والمال لتطوير قدرة أسلحة نووية وصواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس نووية. لقد كان هذا المجهود جزءاً لا يتجزأ من طريقة استخدام النظام لميزانية الدفاع واستراتيجيته الأمنية لأكثر من 20 عاماً، وشارك المرشد الأعلى، علي خامنئي، والرئيس، حسن روحاني في هذا الجهد منذ البداية، وكلاهما يمكن أن يدعي أنه من بين الآباء المؤسسين لهذا البرنامج. وهذا هو السبب في أن المسؤولين الإيرانيين مهمون بقدر أهمية السياسة، وهذا هو أيضاً السبب الرئيس في أن روحاني يشترك في أي مفاوضات لأنه أكثر كفاءة. وينطبق الشيء نفسه على وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، كونه اجتماعياً عكس المفاوض النووي الإيراني السابق، سعيد جليلي، المحارب القديم المتمرس في الحرب الدينية، الذي يبغض صحبة الغربيين. حتى قبل أن يتخذ ترامب قراره بالانسحاب من الصفقة النووية لعام 2015، والمعروفة رسمياً باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، استعد كل من روحاني وظريف على الصعيدين المحلي والدولي للدفاع عن اتفاق نووي محدود. وبالنسبة للأجانب، فإن هذين المسؤولين يمكنهما أن يقدما نفسيهما كأفضل أمل لإيران الأكثر مسؤولية، وفي الداخل، يمكن أن يقنعا النخبة الحاكمة بأنهما تخلصا من معظم العقوبات دون مطالبة إيران بتغيير جذري وإنهاء طموحاتها النووية. وسيحاول هذا الثنائي بالتأكيد ممارسة النهج نفسه مع إدارة ترامب إذا انخرط البيت الأبيض وطهران في مفاوضات دبلوماسية. وعلى افتراض أن المرشد الأعلى يستطيع الضغط على كبريائه وأي حسابات سياسية داخلية تمنعه من التعاطي مع ترامب، لكنه بالتأكيد سيقاوم أي تسوية شاملة مع الولايات المتحدة، وسيتطلع إلى ما عرضته الصفقة النووية السابقة المتمثلة في التزام طهران بشروط الاتفاقية مع السماح لها بالتصرف بقوة في المناطق غير المشمولة بالاتفاق، مثل سورية، واختبار الصواريخ الباليستية، والمجال الإلكتروني، والتوسع في التعاون مع وكلائها الشيعة في الشرق الأوسط. إن توسيع نطاق القضايا مع إيران مع زيادة الضغط عليها ستفهم منه طهران شيئاً واحداً: إذا أراد النظام إنهاء الألم الاقتصادي، فعليه إعادة النظر في سياساته الخارجية والأمنية جميعها، وليس بشكل انتقائي. إذا لم تكن إيران مستعدة لذلك، فينبغي أن تكون الولايات المتحدة مستعدة لممارسة ضغوط اقتصادية شديدة لكي تتخلى طهران عن طموحاتها. ووفقاً لذلك، يجب ألا تبدأ إدارة ترامب المفاوضات، كما فعلت إدارة أوباما، بتقديم تنازلات نووية واقتصادية وتنازلات أخرى، والتي قد تشير بوضوح إلى أن واشنطن مستعدة لتقديم المزيد، ينبغي أن يبدد ترامب الأمل بأن إدارة ديمقراطية ستحيي خطة العمل المشتركة من جديد مع الإغراءات الاقتصادية نفسها، أو حتى أكثر من ذلك. يجب عليه بناء جدار من العقوبات الإضافية التي لا يستطيع من يأتي بعده في البيت الأبيض تفكيكها بسهولة، لن تكن هذه التدابير موجهة ضد البرنامج النووي فقط، ولكن إلى دور النظام باعتباره الراعي الرئيس للإرهاب، بما في ذلك البنك المركزي، الذي يمول الإرهاب، وبرنامج الصواريخ، الذي يزداد مدى ودقة، والفساد، وانتهاكات حقوق الإنسان من قبل النظام الديني.

جدار عقوبات

إن إقامة جدار عقوبات من شأنه أن يردع المؤسسات المالية والشركات الأجنبية من العودة إلى السوق الإيرانية، من خلال زرع الخوف والشك. إذا علق أي بنك أو شركة أو حكومة آماله على إدارة جديدة تتوصل إلى صفقة أخرى محدودة، فعليه أن يعلم أن هذه العقوبات ستظل سارية. لقد أوضح الجمهوريون في الكونغرس بالفعل أنهم لن يدعموا العودة إلى الاتفاقية السابقة، وإذا عاد حزبهم إلى البيت الأبيض، فلن يترددوا في إعادة العقوبات واستهداف أي كيان أو شخص ينتهكها. من خلال إدراج، على سبيل المثال، البنك المركزي الإيراني في قائمة تمويل الأنشطة الإرهابية، بمعنى أن قياداته السابقة تورطت في دعم الإرهاب، يمكن للإدارة أن «تجمد» أصول البنك الرئيس في حالة عودة إدارة مختلفة إلى الاتفاقية السابقة بحثاً عن اتفاق يركز على المسائل «النووية» فقط. ويمكن للإدارة أن تعرقل محاولات أوروبا لتجاوز العقوبات الأميركية على إيران، ومتابعة الكيان المالي الإيراني المصمم للتعامل مع أوروبا، ويمكن لواشنطن أن تكمل خطوات العقوبات هذه -حتى مع إجراء مفاوضات- مع تدابير أخرى مثل تكثيف عمليات الحظر على شراء تكنولوجيا الصواريخ أو انتشارها، والعمل مع الشركاء المتشابهين في التفكير لتشديد الرقابة على الصادرات، وتسليط الأضواء على اختبارات الصواريخ. وإذا أرادت إيران التفاوض بجدية وشمولية، فعليها أن تعلم أنها لن تفلت من الضغوط التي مارستها إدارة ترامب ضدها.


القوى الأيديولوجية الدينية الثورية، لن تتراجع عن طموحاتها الإمبراطورية ونفوذها، ما لم تضطرها المشكلات في الداخل أو قوة أخرى في الخارج بالقيام بذلك. أي إدارة أميركية تحاول التفاوض مع إيران، عليها أولاً دفع النظام الديني إلى حافة الانهيار حتى يفكر رجال الدين الحاكمون والحرس الثوري الإيراني، الذين أشرفوا على تطوير البرنامج النووي، في التخلي عن هذا البرنامج المدعوم بشكل ثابت وحازم من قبل فصائل النخبة الحاكمة.

تويتر