حشد تحالف دولي ضد طهران أحد الخيارات

واشنطن تملك العديد مـن الأوراق الرابحـة لمواجهـة إيـران

ناقلة نفط تعرضت للاعتداء في الخليج العربي. أ.ف.ب

يمتد فصل الصيف إلى فترة طويلة في منطقة الخليج العربي، ولطالما بقيتُ في مياهه لأوقات طويلة خلال حياتي المهنية في البحرية الأميركية، حيث كنت أراقب من السفن الحربية الأميركية القوارب العسكرية الإيرانية بحذر مرات لا تحصى.

وفي بعض الأحيان كان الإيرانيون يتعاملون بحرفية ويتبعون القواعد المعروفة في الطرق البحرية، لكن في أحيان أخرى يتصرفون على نحو سيئ جداً، وينطوي ذلك على خطورة عالية، حيث ينحرفون قريباً من سفننا وبسرعة كبيرة، ويطلقون علينا الشتائم بلغة إنجليزية «مكسرة» عبر جهاز اللاسلكي، ويشغلون الرادارات التي تتحكم بإطلاق النار.

وخلال وجودي في إحدى المرات كقبطان مدمرة أميركية، وجهت المدافع نحو سلسلة من القوارب الإيرانية، الأمر الذي أصابهم بالرعب وجعلهم يهربون بسرعة، وفي مرة أخرى أرسلت سفينتي معلومات إلى الطائرات التي أطلقت صواريخ عدة نحو القوارب الإيرانية التي اقتربت منا، وعادة ما تتصرف القوات البحرية الإيرانية بعدوانية، وأحياناً لا يمكن توقع ما يمكن أن تقوم به، ولذلك يتعين علينا تقليل قدرتهم على شن عمليات هجومية خطرة، سواء كانت سرية أو علنية.

ويقودنا كل هذا إلى الأزمة الناجمة حالياً والمتمثلة في تعرض السفن التجارية للاعتداءات في شهر مايو، إضافة إلى هجومين أكثر خطورة وقعا أخيراً. وتقول حكومة الولايات المتحدة إن الهجومين جرى تدبيرهما بالتأكيد من قبل إيران، ولا أحد يستطيع القول إن أحداً يستفيد من هذه الهجمات أكثر من إيران. ووصلنا الآن إلى نقطة تعتبر هي الأخطر من نوعها في العلاقات الطويلة والشائكة بين واشنطن وطهران منذ عام 1979 وأزمة الرهائن الأميركيين.

ويشعر الإيرانيون بإحباط شديد نتيجة قرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاقية النووية الإيرانية التي تم التوقيع عليها في عام 2015، وإعادة فرض العقوبات على إيران. وفي الوقت الذي بدأ فيه الاقتصاد والعملة الإيرانية بالترنح، أدرك رجال الدين الذين يحكمون إيران أن الشعب الذي يحكمونه سيصبح أكثر تململاً منهم. وبوجود تعداد سكان يبلغ نحو 80 مليون نسمة نصفهم تحت عمر 35 عاماً، أصبح النظام الإيراني في لحظة حرجة. ويمكن للمرء أن يشعر بحالة اليأس في السياسة الإيرانية.

ونتيجة لذلك، يبدو أن الإيرانيين يطبقون درساً من دروس ديكتاتور كوريا الشمالية كيم جونغ أون، الذي مفاده أنه يمكنك جذب انتباه الغرب إليك عن طريق القيام بسلوكيات سيئة. وبينما كان كيم يطلق الصواريخ بعيدة المدى فوق حلفاء الولايات المتحدة كوريا الجنوبية واليابان، إضافة إلى التفجيرات النووية لإظهار قدراته النووية، يبدو أن الإيرانيين يشعرون بأنه يمكنهم استخدام الهجمات ضد ناقلات النفط وإغلاق مضيق هرمز كوسيلة للحصول على بعض التنازلات من الولايات المتحدة.

رسالة واضحة

وكانت الرسالة الإيرانية بسيطة ومفادها إذا لم ترفعوا بعض هذه الضغوط عنا، فإننا سنوقف شحن النفط عبر هذه المنطقة وبالتالي ستتوقف إمدادات النفط العالمية أيضاً. ويدرك الإيرانيون أن نحو 30% من نفط العالم يتدفق عبر مضيق هرمز الذي يمكنهم إغلاقه عن طريق إلقاء بعض الألغام فيه، أو القيام بهجمات بالقوارب الصغيرة والسريعة وربما إغراق بعض السفن في المضيق.

ويدرك الإيرانيون أن الولايات المتحدة لا تريد حرباً في الشرق الأوسط، ولذلك فإنهم يعتقدون أن واشنطن ستتراجع في ظل هذه الهجمات، ولكن من المبكر جداً القول إن الولايات المتحدة ليس لديها سوى الحل العسكري، إذ لايزال لدى واشنطن العديد من الأوراق التي تستطيع لعبها، ويجب أن «تفرمل» التصعيد حتى تصل الأزمة إلى حالة لا يمكن تحملها.

وأول هذه الأوراق وأكثرها أهمية، هو أن واشنطن بحاجة إلى الانتقال إلى توسعة المواجهة إلى أكثر من مجرد الولايات المتحدة في مواجهة إيران ليصبح العالم في مواجهة إيران. وليس هناك من يؤيد الاعتداء على السفن التجارية في العالم، خصوصاً ناقلات النفط التي تتسم بحساسية بالغة على البيئة. وبالطبع فإن الهجمات ضد إمدادات النفط والمواد البتروكيماوية ستثير غضب كل العالم.

وثانياً، يتعين على الولايات المتحدة أن تبني ائتلافاً ضد إيران يتضمن شركاءنا الأوروبيين واليابان، حيث توقف العديد منهم عن تأييدنا بعد خروج إدارة ترامب من الاتفاقية الإيرانية النووية. وينبغي أن تكون مواجهة إيران لعبة جماعية.

ويجب على الولايات المتحدة استخدام قوة جماعية تقوم بحشدها للضغط على إيران، وبالطبع فإن العقوبات الاقتصادية جيدة ومفيدة في الوقت الحالي، ولكن واشنطن تستطيع إضافة المزيد إلى المعادلة عن طريق شن حرب القدرات السيبرانية عبر وكالة الأمن القومي والقيادة السيبرانية. ويستطيع الوسط الاستخباراتي بمشاركة لاعبين آخرين محليين تحييد النوايا والمؤامرات الإيرانية.

وأما العنصر الثالث الأساسي لمواجهة الاستراتيجية الإيرانية التي تستهدف ناقلات النفط فيتم عن طريق العمل مع القطاع الخاص، أي شركات الشحن الكبيرة. ويجب أن تعمل هذه الشركات مع الأساطيل البحرية في الخليج العربي لتأمين الأمن لهذه السفن، وإرسال الإنذار المبكر للأساطيل البحرية. وتمتلك المنظمة الدولية للبحار التابعة للأمم المتحدة الكثير من المهارات في هذا المجال، إذ إنها كانت لاعباً رئيساً في حل مشكلات القرصنة التي وقعت على سواحل غرب إفريقيا قبل بضع سنوات، ويجب أن تكون هذه المنظمة جزءاً من تحقيق شامل حول جميع الهجمات التي وقعت في الخليج، لتقرر ما إذا يمكن توجيه تهمة المسؤولية عنها الى إيران بصورة صريحة.

وفي نهاية المطاف، ففي الوقت الذي يتعين على الولايات المتحدة العمل بجد للتوصل إلى حل دبلوماسي، فإنها بحاجة لأن تدرك أن رجال الدين الذين يقودون إيران ملتزمون بمعتقدات خاصة بهم، تجعلهم يرفضون تقديم التنازل كما أنه لا يمكن إغواؤهم بالمحفزات الاقتصادية التي تروق لكيم في كوريا الشمالية. وهذا يعني أن تكون الولايات المتحدة مستعدة للهجمات غير التقليدية ليس في الخليج العربي فحسب وإنما في أي مكان في العالم الذي يمكن أن تصل إليه شبكة إيران الإرهابية من الوكلاء وغيرهم.

جيمس ستافريديس كاتب في «بلومبيرغ» وأدميرال متقاعد من البحرية الأميركية


في الوقت الذي يتعين على الولايات المتحدة العمل بجد للتوصل إلى حل دبلوماسي، فإنها بحاجة لأن تدرك أن رجال الدين الذين يقودون إيران ملتزمون بمعتقدات خاصة بهم، تجعلهم يرفضون تقديم التنازل، كما أنه لا يمكن إغواؤهم بالمحفزات الاقتصادية التي تروق لكيم في كوريا الشمالية.

ليس هناك من يؤيد الاعتداء على السفن التجارية في العالم، خصوصاً ناقلات النفط التي تتسم بحساسية بالغة على البيئة. وبالطبع فإن الهجمات ضد إمدادات النفط والمواد البتروكيماوية ستثير غضب كل العالم.

تويتر