فشل في تحديث أنظمته السياسية

الفساد والشعبوية وباء في العالم الغربي.. وليس غزواً من موسكو

صورة

تواجه النمسا انتخابات مبكرة بعد انتشار تسجيل الفيديو الذي يظهر هاينز كريستيان ستراشي نائب مستشار النمسا من حزب الحرية اليميني المتطرف، وهو يعرض منح تعاقدات حكومية مقابل الحصول على الدعم الروسي.

وقام المستشار النمساوي سيباستيان كورتز بحل ائتلافه الحكومي اليميني مع حزب الحرية، وعلى الرغم من أن الكثير عن هذه القضية لايزال غير واضح، إلا أنها أثارت من جديد التساؤلات بشأن جهود موسكو الحثيثة من أجل نشر الشعبوية والتطرف في العالم الغربي. ولكن الافتراضات التي تفيد بأن التطرف والفساد هما صادرات روسية خبيثة هي غير صحيحة وغير واقعية.

دعم أنصار الشعبوية

وقبل كل شيء لابد من القول إنه ليس هناك أي شك في أن موسكو تدعم أنصار الشعبوية والمتطرفين والمخادعين من كلا اليمين واليسار، إلا أنها لا يمكن أن تخلقهم بنفسها. فحزب الحرية النمساوي، والرابطة، والنجوم الخمس في إيطاليا، وحزب البريكست، والحزب البديل من أجل ألمانيا وغيرها كثر، جميعها تضع جذورها في أزمة الشرعية التي تضرب العالم الغربي وليس في التهم الموجهة إلى روسيا.

ومن خلال إخفاقنا في تحديث أنظمتنا السياسية، وجعل الناخبين يشعرون بأنهم مهملون، وعن طريق السماح لخطابات العولمة والهجرة باستغلالها من قبل الشعبويين وتعريفها حسب رؤيتهم، فقد وضع الناخبون صورة لعدوهم الرئيس، وعززوا من قوة هؤلاء الشعبويين، وسلموهم إلى موسكو، أو لأي داعم أجنبي آخر مستعد لقبول أنانيتهم ويدعم حملاتهم السياسية.

وبصورة مماثلة، وعلى الرغم من أنه بات من المقبول في بعض الدوائر التأكيد على أن «الفساد هو الشيوعية الجديدة»، وبعبارة أخرى فإن العالم يمكن أن ينقسم بين «الشرق الفاسد» و«الغرب الليبرالي» وأن دول مثل روسيا تصبو إلى «تصدير الفساد»، إلا أنه من الواضح أنها مشكلة تنمو وتترعرع بين ظهرانينا نحن الغربيين. وبالطبع ليس هناك من يجبر الآخرين على الاستماع إلى فساد الروس وابتذالهم.

فهرس الشفافية

وهناك إجراءات مثل فهرس الشفافية الدولية وتصور الفساد التي تضع -وبفخر- دولاً مثل الدنمارك والسويد وسويسرا في القمة، كما أنها تضع دولاً مثل أفغانستان وغويانا والصومال في الحضيض، هي نفسها تسهم في رسم الصورة المضللة لعالم منقسم بين الصالحين والفاسدين.

ومع ذلك، فإن السؤال المطروح هو: أين تنتقل أكبر كميات للفساد وأين ينتهي به المطاف؟ بالطبع إلى العالم الغربي الآمن، والمزدهر الذي يتمسك بحكم القانون، حيث يكون من الملائم غسل هذا الفساد. وكما شهدنا أخيراً عندما تورط مصرفا «دانسك بانك» و «سويدبانك» بفضيحة غسل أموال قيمتها 135 مليار جنيه إسترليني، والحقيقة فإن الفساد ليس تحدياً عالمياً، ولكنه من نواحٍ عدة، طريقة أخرى تعتمدها الدول الثرية في الشمال كي تسرق الأموال من دول الجنوب الفقيرة وتستفيد من هذه السرقات.

وفي حالة النمسا، فإن المرأة المزعومة بأنها قريبة أحد أثرياء الروس «الأوليغارشيين» تم تصويرها سراً وهي تقدم استثمارات بقيمة 250 مليون دولار في النمسا، وتدعم حزب الحرية بل إنها تشتري 50% من أسهم صحيفة «كرونين زايتينغ» التي تعاني المتاعب.

واقترح ستراشي عقود إنشاء طرق مربحة يمكن أن تجد طريقها إلى روسيا، وقال إذا كانت البيئة الإعلامية الداعمة قد أوصلت حزب الحرية إلى المرتبة الأولى، فعندها نستطيع التحدث عن كل شيء.

وسواء في أوروبا أو في شمال أميركا فإن التهديد الحقيقي يأتي من النخبة السياسية والاقتصادية التي أصبحت مستهلكة نتيجة جشعها، والتي تعتبر المناصب العامة طريقاً للكسب الخاص، وتعتقد أنها فوق القانون، وهؤلاء المرتشون معرضون للتأجير، وفي مثل هذه الظروف لماذا لم تعمد موسكو إلى الاستفادة من ذلك الى أقصى حد ممكن؟

ولابد أيضاً أن نكون حذرين تماماً عندما نفترض أن كل «روسي» هو «عميل مخابراتي للكرملين» وإلى حين كتابة هذا المقال فإن تسجيل الفيديو ونشره إلى صحيفتين ألمانيتين لايزال يكتنفه الغموض.

فهل يمكن أن يكون من تلفيق تنافسات سياسية أو حتى من أجهزة مخابرات تشعر بالقلق من وجود حزب شعبوي، ومتشدد قومي في الحكومة النمساوية، وترغب في تقويضه؟

وإذا كان تسجيل الفيديو من أعمال الكرملين، فهل تم إنجازه بصورة خرقاء وساذجة؟ ربما. وبالتأكيد، فإن حزب الحرية يتمتع بعلاقة وثيقة مع حزب روسيا المتحدة الحاكم في روسيا.

ولكن على الأقل إن كانت هذه المرأة روسية فعلاً (ستراشي يشير إلى أنها من لاتفيا) وأنها تعمل لوحدها، أو لصالح آخرين، فإن الهدف من وراء ذلك هو إقامة علاقة أو اتفاق مع ستراشي بصورة يكون عندها معروضاً على الكرملين.

ويسعى العديد من الروس إلى تطوير علاقاتهم مع الشخصيات الغربية المتنفذة لأنهم رجال أعمال ومستثمرون سياسيون وليسوا عملاء مخابرات ينفذون مهمة معينة. وهذا النوع من العمل ينجح جيداً لمعظم الروس دون الحاجة إلى تخطيط واستراتيجيات كبيرة من الكرملين.

من ناحية أخرى، فإن هذا الأسلوب يمكن أن يؤدي إلى نتائج رديئة أو غير مثمرة. وإذا كان هذا ما أدى إلى قضية تسجيل الفيديو الغريبة، فعندها، وبالنظر إلى أن تصاعد وتيرة الفساد والشعبوية في الغرب، يصبح من المناسب القول إنها وباء من صنعنا نحن الغربيين، وإن انهيار الحكومة النمساوية التي كانت مفضلة جداً لموسكو لابد أنه كان نتيجة سيئة بالنسبة للروس؟

مارك غاليوتي : كاتب بريطاني في مجال العلوم السياسية والحكم


- هناك إجراءات مثل فهرس الشفافية

الدولية وتصور الفساد التي تضع -وبفخر- دولاً

مثل الدنمارك والسويد وسويسرا في القمة،

كما أنها تضع دولاً مثل أفغانستان وغويانا

والصومال في الحضيض، هي نفسها تسهم

في رسم الصورة المضللة لعالم منقسم

بين الصالحين والفاسدين.

تويتر