ضربت مثالاً في الشجاعة خلال مواجهتها كارثة المسجدين

جاسيندا أردرن تصلح لقيادة «بــريكست» في بريطانيا

صورة

أمضت رئيسة حكومة نيوزيلاندا، جاسيندا أردرن، معظم حياتها في السياسة، وكذلك نظيرتها البريطانية تيريزا ماي، وتمتلك المرأتان اهتماماً كبيراً بالسياسة والشؤون الداخلية في بلديهما، وتعين عليهما، أيضاً، قيادة بلديهما ضد تحديات، هي أزمات من صنع الرجال، والتي تعتبر الأكبر التي تواجهانها طيلة حياتهما.

وهنا تنتهي المقارنة، إذ إن الأولى أصبحت بطلة عالمية، والثانية على وشك مغادرة منصبها بصورة مذلة، كأسوأ ثاني رئيس حكومة بريطانية في التاريخ. وفي نيوزيلاندا تلقت جاسيندا أردرن الثناء شبه العالمي، على الطريقة التي تعاملت بها مع المجازر الكارثية، التي وقعت في مسجدين بمدينة كرايس تشيرش. أما في المملكة المتحدة فقد أسهمت تيريزا ماي في جعل بلادها تعيش حالة من الفوضى العارمة، نتيجة الطريقة الخرقاء التي تعاملت بها مع عملية خروج بلادها من الاتحاد الأوروبي (بريكست).

وتوضح مقارنة الطرق التي تعاملت بها السيدتان مع الأزمة، كيف يتعين على القائد أن يتصرف لحظة مواجهة الحقيقة. وكما قال الكاتب الإيطالي الشهير، نيكولو ماكيافيلي، في القرن السادس عشر، فإن الميزتين الرئيستين اللتين نحتاجهما قبل كل شيء، هما الشجاعة والذكاء.

وفي نيوزيلاندا ضربت أردرن مثالاً في الشجاعة، خلال تحركها، حيث تحركت فوراً وفي غضون أيام، لحظر الأسلحة الأتوماتيكية في هذه الدولة، التي لا يستغني حاملو السلاح فيها عن أسلحتهم، كما هي الحال في ولاية تكساس الأميركية. وبخلاف العديد من الرؤساء الديمقراطيين المتعاقبين في الولايات المتحدة، الذين يرغبون في القيام بذلك، فقد أنجزت ذلك في الحال. وبالمقارنة، لم تمتلك ماي الشجاعة لمواجهة المتطرفين في حزبها، في ما يتعلق بمسألة «بريكست». ولو أنها فعلت ذلك في البداية، بدلاً من تبني الخطوط الحمراء، وكانت أكثر ليونة في الخروج من الاتحاد الأوروبي، لكانت هي، وبلادها أيضاً، في وضع أفضل.

الذكاء

وبالطبع، ماكيافيلي لم يكن يقصد بالذكاء «معدل الذكاء»، وإنما «مهارات التواصل». وكان السياسي البريطاني العمالي، روي جنكنز، قال لرئيس الحكومة البريطانية السابق، توني بلير، بفجاجة: إنك تمتلك ذكاء من الدرجة الثانية، لكنك تمتلك «أسلوب تواصل» من الدرجة الأولى، وهذا ما يحتاج إليه القائد. إذ ينبغي أن يكون قادراً على فهم ما يشعر به الناس ويحققه، كما فعل بلير لدى وفاة الأميرة ديانا. وتمكنت أردرن من القيام بذلك ببراعة، بالطريقة التي عبرت بها عن حزن الشعب النيوزيلاندي، بشأن المجزرة التي وقعت في المسجدين.

وأوضحت، تماماً، أن الكره الذي استلهم منه القاتل جريمته، سيكون مرفوضاً من قبل جميع أطياف الشعب النيوزيلاندي. وبالمقارنة فقد أظهرت ماي مراراً وتكراراً أذناً من طين وأخرى من عجين، طيلة فترة مفاوضات «بريكست» للجمهور. وأخيراً استغلت خطابها للأمة عبر محطة التلفزيون، كي تهاجم بصورة شخصية أعضاء البرلمان، الذين تحتاج إلى تصويتهم دوماً.

صعوبات ماي

ويبرز جزء من صعوبات ماي، من الطريقة التي تستخدم بها كلماتها. صحيح أنه يجب على السياسيين تكرار أفكارهم مراراً، حتى يشعروا في أعماقهم بالقرف منها، هذا إذا كانوا يريدون من العامة أن تسمعها. لكن عندما قالت ماي: «(بريكست) هي (بريكست)»، كانت تفرغ لغتها من مضمونها. وصحيح أن التهذيب مثير للإعجاب، لكنه من حيث التأثير ينفر الناس من الاستماع. ومن ناحية أخرى توصل أردرن خطابها بسهولة في وجه الرعب، كما أنها أسرت خيال العالم، بالطريقة التي رفضت بها التعصب نيابة عنا جميعاً. لقد تمكنت وحدها، تقريباً، من تجنيب العالم مزيداً من أعمال العنف والعنف المضاد.

تباين

لكن التباين بين الشخصيتين لا يتعلق بالصفات فقط، وإنما بالخيارات السياسية التي تتخذانها. فقد استخدمت أردرن أزمة نيوزيلاندا، لتوحيد شعبها في مواجهة الهجوم الإرهابي. ولم تتعامل مع الكارثة باعتبارها رئيسة حزب العمال في الدولة، وإنما كقائد الدولة، التي يتوجب عليها توحيدها ومعالجتها. وتقوم أحياناً بإشارة مفادها أن الدولة بحاجة إلى توحيد الانقسام غير المسبوق الموجود في المملكة المتحدة، كما فعلت ماي على نحو سيئ في خطابها، الذي هاجمت به أعضاء البرلمان الأسبوع الماضي. لكن عندما تواجه خياراً سياسياً، فإنها تضع توحيد حزب المحافظين في مرتبة أهم من توحيد الدولة. وهي تظهر المحاباة للمتشددين في حزبها، الذين يؤيدون وجهات نظرها المتطرفة، بدلاً من العمل على إيجاد إجماع بين المعتدلين من كل أطياف البرلمان.

شخصية القائد

وفي نهاية المطاف، توجد شخصية القائد. لقد تمكنت أردرن - في أحلك الأيام - من إدخال الشعور بالتفاؤل بالمستقبل، رغم الرعب الذي خلفه الهجوم الإرهابي. لكن ماي كانت قادرة على تقديم كل شيء مثير للاكتئاب. وبالنسبة لها ليس هناك أي شيء مضيء في نهاية النفق، وإنما مشكلة أخرى، فنحن لا نريد «بريكست»، لأننا نريد تحسين دولتنا، وإنما لأننا نريد ذلك فقط.

وعادة تكون القوى الاقتصادية والاجتماعية أساسية في دفع التاريخ، خصوصاً حالة الغضب الناجم عن الأجور المحبطة والفرص المتناقصة، التي أدت إلى «بريكست». والقادة يلعبون دوراً مهماً أيضاً. ولو كانت أردرن تقود المملكة المتحدة، لربما لانزال نطالب بـ«بريكست»، لكن لم ينتهِ الأمر بنا إلى هذه الحال من الإذلال الوطني، حيث المجتمع المنقسم على نفسه، والاقتصاد المعرض للخطر. ولو أن ماي كانت رئيسة حكومة نيوزيلاندا، فإن الله وحده يعلم ما الذي كان سيحدث بعد كارثة المسجدين.

جوناثان باول: رئيس موظفي توني بلير في الفترة ما بين 1995 إلى 2007.


- تمكنت أردرن - في أحلك الأيام - من إدخال الشعور بالتفاؤل بالمستقبل.. لكن ماي كانت قادرة على تقديم كل شيء مثير للاكتئاب.

- أظهرت ماي، مراراً

وتكراراً، أذناً من طين

وأخرى من عجين، طيلة

فترة مفاوضات

«بريكست» للجمهور.

وأخيراً استغلت خطابها

للأمة عبر محطة

التلفزيون، كي تهاجم

بصورة شخصية أعضاء

البرلمان، الذين تحتاج

إلى تصويتهم دوماً.

تويتر