ليس أستاذاً في «الشطرنج السياسي»

بوتين يستغلّ الفوضى في أوكرانيا.. والغرب يسمح بذلك

صورة

لطالما قيل إن السبب الذي يجعل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، شخصاً خطراً، يكمن في أنه أستاذ لامع في الشطرنج السياسي، إذ إنه يفكر دائماً لخطوات عدة بصورة مسبقة. ومع ذلك ثمة سبب يدفعنا إلى الاعتقاد أن السبب الحقيقي، الذي يجعل بوتين خطراً هو أنه ليس أستاذاً في الشطرنج مطلقاً، إذ إن مناوشته الأخيرة مع أوكرانيا، التي حدثت هذه المرة في بحر آزوف (بحر مرتبط بمضيق مع البحر الأسود)، تعتبر دليلاً مؤكداً أنه بالنسبة لبوتين مجرد استغلال الفوضى. وبعد أن قام بوتين بضم شبه جزيرة القرم بصورة غير شرعية، وشن حرباً دموية بطريقة غير مباشرة في شرق أوكرانيا، عام 2014، التي كانت سنة مزدحمة بالأحداث بالنسبة للعدوان الروسي، ومع ذلك فإن روسيا لم تعترف رسمياً سوى الآن بأنها أطلقت النار على القوات الأوكرانية.

عمل غامض

ومن النتائج المترتبة على كون الدول في حرب غير معلنة، هي أن المسؤولية عن أي تصعيد عسكري تكون عملاً غامضاً. وسيكون من الصعب فهم أي من الفرقاء الذين يدورون في فلك عرش بوتين، يمكن محاسبتهم على الفوضى التي وقعت في بحر آزوف، وكل ما يمكن قوله بالتأكيد هو أن بوتين يواصل الحكم عن طريق الإيماء أو الإشارة، وهذا يعني أن المسؤولين بمن فيهم المسؤولون العسكريون، الذين يواصلون التملق للرئيس الروسي، يمكن أن يبادروا بالقيام بالعمل الذي يدركون أن بوتين يريده، حتى إن لم يأمر به.

وقد شهدنا النتائج المرعبة لصراع لا تبدو فيه سلسلة القيادة واضحة تماماً، ويمكن أن نأخذ بالحسبان القدر الرهيب للطائرة التجارية الماليزية «إم إتش 17»، التي تم إسقاطها فوق أوكرانيا في بداية الحرب. وإذا لم يكن المرء من أنصار نظرية المؤامرة، فإن دور روسيا في ما حدث بأوكرانيا، يجب أن يكون جلياً تماماً الآن. لكن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو النظرية التي تقول إن إسقاط الطائرة الماليزية ربما حدث عن طريق الخطأ، لكن كما يقول زملائي في موقع «بيلنغات»، على شبكة الإنترنت، فإن الادعاء بارتكاب الخطأ وضعف المهارة، هو محاولة للابتعاد عن التهمة بالإجرام.

وهناك الكثير من الوفيات التي لا ضرورة لها في أوكرانيا، منذ اندلاع الصراع. لكن يبدو أن الوفيات التي وقعت من الغربيين، ومن ضمنهم العديد من الأطفال نتيجة حادثة الطائرة، قد صدم الغرب أكثر من أي شيء آخر، بغض النظر عن الزمن الذي ستستمر فيه هذه الحرب. وعلينا أن نتذكر أنه بغض النظر عما حدث في الطائرة الماليزية، فإن ذلك لم يكن بالأمر الذي خطط له بوتين، إذ إن الحادث كان مروعاً بحد ذاته.

حصانة

ما حدث في بحر آزوف ربما لا يختلف كثيراً عن الطائرة الماليزية. وعلى الأرجح سيكون حصانة لمن ارتكبوا هذا العمل، تماماً كما كانت الحال مع الطائرة. وبالنظر إلى أن الفوضى هي التي أغرت بوتين بالانخراط في أوكرانيا، حيث عمدت روسيا إلى التنصل من جنودها هناك، فإن قيام بوتين بكبح جماح كلاب الحرب العاملين لديه، يمكن أن يضعف شعبيته على الصعيد المحلي. ومع القيام بإصلاحات لا تحظى بالشعبية في التقاعد، وتصاعد التوترات بين العرقيات المتنوعة في مختلف أجزاء روسيا الاتحادية، فإن آخر شيء يمكن أن يتحمله بوتين هو أن يبدو ضعيفاً أمام الآخرين.

أما الأخبار السارة بالنسبة لبوتين، فهي أنه ليس بحاجة إلى الاهتمام بما يحدث، إذ إن الضحايا الأوكرانيين، الذين يسقطون في هذا الصراع، يتم التعامل معهم في العالم الغربي، على أنهم غير مهمين. أما بالنسبة للأعداء التقليديين لروسيا فهم منقسمون إلى حد كبير، ومعنوياتهم منهارة. وبريطانيا منشغلة تماماً بموضوع خروجها من الاتحاد الأوروبي، أما الولايات المتحدة فليس سراً على أحد أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب معجب بالرئيس بوتين، وبصورة خاصة لقدرته على انتهاك جميع القوانين والنظم، ويدمر كل المؤسسات ذات الصدقية، ويُسكِت، أو يهمش أي شخص ينتقده.

وهذه بالطبع أخبار سيئة بالنسبة لأوكرانيا التي تعيش هذا الصراع، إذ إن هذه الدولة استخدمها بوتين مثل «بعبع» يخوف به أطفاله العصاة، ولو كان هناك روسي واحد لا يحب حكومته وقيادته الحالية، فإنه يواجه في الحال تهمة أنه يرغب في تحويل بلاده إلى نسخة من أوكرانيا. وحتى لو أن المرء غير مهتم كثيراً بشؤون العالم، فإنه سيلاحظ أن هناك تهديداً للنظام الديمقراطي يشع من شتى أنحاء العالم، حيث ترتفع أسهم المستبدين، الذين يستخدمون الخوف والتعب للتأثير في الانتخابات والاستفتاءات، من أجل تمرير القوانين القمعية التي يريدونها، وتقييد الحقوق الأساسية.

- ما حدث في بحر آزوف ربما لا يختلف كثيراً

عن الطائرة الماليزية. وعلى الأرجح سيكون حصانة

لمن ارتكبوا هذا العمل، تماماً كما كانت الحال

مع الطائرة.

ناتاليا أنتونوفا:  صحافية وكاتبة مسرحية مقيمة في واشنطن

 

تويتر