على الرغم من تأثيرها المحدود في الوقت الراهن

عقوبات ترامب على إيران يمكن أن تنجح على المدى البعيد

صورة

أولئك الذين يشكّكون في أن عقوبات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على إيران لن تصيب هدفها، عليهم أن يتمعنوا جيداً مرة أخرى. صحيح أن تأثيرها المباشر في عائدات صادرات النفط الإيرانية من المرجح أن يكون ضئيلاً، ولكن على المدى المتوسط، ستجعل العقوبات الأميركية الجديدة من الصعب على إيران مواصلة إنتاج النفط، وتلبية الطلب المحلي، وتمويل المؤسسات الحكومية، وعلى المدى البعيد، يمكن أن يكون لها آثار كبيرة مدمرة، وستجعل من المستحيل تقريباً على إيران المحافظة على إنتاجها الحالي من النفط.

تشكيك

وشكك المراقبون على الفور في أن عمليات الحظر الجديدة ستحقق نتائج جيدة، ويرجعون ذلك لأسباب عدة:

أولاً، بمجرد أن أعلنت الإدارة النظام الجديد، منحت إعفاءات لثمانية بلدان - من بينها أكبر مستوردين للنفط الإيراني - بما في ذلك الصين والهند وكوريا الجنوبية واليابان وتركيا. في عام 2017، اشترت هذه البلدان الخمسة 70% من صادرات إيران من النفط الخام والمكثفات. وتمثل الصين، الموقعة على الاتفاقية النووية، ربع سوق تصدير النفط الإيراني.

ثانياً، خلافاً للإعفاءات، أعلن الاتحاد الأوروبي، وغيره من الموقعين على الاتفاق النووي الإيراني أنهم سيلتزمون بالاتفاقية طالما استمرت إيران في الوفاء بشروطها. كما تعهد الاتحاد الأوروبي بتعويض الشركات الأوروبية المتضررة من العقوبات الأميركية، ويحاول إنشاء «أداة ذات غرض خاص» لإرسال المدفوعات إلى إيران. وستتجاوز الأداة نظام «سويفت» الأكثر استخداماً في العالم، وقد تجعل هذه «الأداة» المعاملات بين الاتحاد الأوروبي وإيران غير خاضعة للرقابة من قبل الولايات المتحدة.

مأزق الشركات

وعلى الرغم من هذه الجهود، سيظل المدى الذي ستستمر فيه التجارة بين الاتحاد الأوروبي وإيران غير واضح تماماً، حيث أعلنت الشركات الأوروبية الكبرى في صناعات الطاقة والشحن والتأمين أنها ستعلق التعاون مع إيران. على سبيل المثال، أعلنت شركة إيه بي مولر مايرسك الدنماركية في 17 مايو أنها ستوقف كل أنشطتها في إيران، وهي أكبر مشغل لسفن الحاويات في العالم، ولديها أيضاً شركات فرعية كبيرة للتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي والحفر، وغيرها من الخدمات.

وحتى لو تمكنت إيران من التغلب على العقوبات بسهولة على المدى القصير، فإن الصورة طويلة الأجل مختلفة. وتعد ايران خامس أكبر منتج للنفط في العالم، لكنها تعتمد على حقول ناضجة نسبياً لإنتاجها، ولهذه الحقول معدلات انحدار مرتفعة - والانحدار هو مقياس لمعدل الانخفاض السنوي لإنتاج حقل نفطي إلى مستوى لا يستطيع فيه أن ينتج بشكل مربح - من 8 إلى 11%. كما أن للحقول الايرانية أيضاً معدلات استرداد منخفضة نسبياً - والاسترداد هو نسبة النفط الذي يمكن استعادته من حقل معين اكثر من أي وقت مضى - وتراوح هذه المعدلات بين 20 و25%.

الاستثمارات الأجنبية لن تأتي

قبل التوقيع على الاتفاقية النووية في عام 2015، لم يكن هناك أي حقل نفط جديد دخل الانتاج في إيران منذ عام 2007. ومن غير المحتمل أن تتمكن إيران من تطوير حقول جديدة في الوقت الراهن دون الحصول على استثمارات أجنبية للقيام بذلك. حتى الصين، التي قد توفر التمويل عادة، تواجه مشكلات.

فإذا لم يكن بوسع إيران تطوير حقول جديدة، فإن هذا البلد سيكون بحاجة ماسة لاستخدام الحقول القديمة بشكل أفضل من خلال أحدث التقنيات لتحسين استخلاص النفط. لكن في الوقت الراهن، تعتمد إيران على تقنيات قديمة، بما في ذلك ضخ الغاز الطبيعي في حقول النفط القديمة لتخرج بكميات نفط ضئيلة باستمرار. وفي الواقع، أعادت إيران، قبل الاتفاقية، ضخ 12.4% من إنتاجها الإجمالي من الغاز في آبار النفط.

وبمرور الوقت، ستصبح عملية إعادة حقن الغاز في الآبار أقل قابلية للتنفيذ. ويمثل استهلاك القطاعات المنزلية والتجارية والصناعات الصغيرة من الغاز الطبيعي في إيران أكثر من 50%، ويتزايد الاستهلاك. ويذهب 14% من إنتاج الغاز الطبيعي لصناعات البتروكيماويات لأغراض التصدير، مثل الإيثيلين والبروبيلين، التي تشكل الأساس لتصنيع البلاستيك والألياف والمواد الكيماوية الأخرى. وتشكل البتروكيماويات نسبة كبيرة من الصادرات الإيرانية غير النفطية إلى الصين، وتعد زيادة هذه التجارة إحدى أولويات إيران العليا.

بريندا شفيرا زميل بمعهد ترومان لأبحاث السلام بالجامعة العبرية


صعوبة الحفاظ على الإنتاج

مع فرض عقوبات ثانوية أميركية لمنع إيران من الحصول على تقنيات محسنة لاسترداد النفط، التي يتم انتاجها في الغالب في الولايات المتحدة أو شركات في بلدان أخرى تخشى معارضة واشنطن، فإن إيران ستواجه صعوبة في الحفاظ على إنتاجها النفطي وتلبية الطلب المتزايد على منتجات الغاز الطبيعي والبتروكيماويات. في عامي 2013 و2014، وفي ذروة نظام العقوبات السابق، كان على إيران أن تصارع المشكلة نفسها، كما أن إيران كانت غير مستعدة للتضحية بالإنتاج النفطي والخوف من تقليص انتاجها المحلي من الكهرباء، واضطرت إلى خفض كميات الغاز التي ترسلها إلى مصانعها البتروكيماوية، ما تسبب في انخفاض إنتاجها بمقدار 7.5 ملايين طن، وخسارة تبلغ نحو ثمانية مليارات دولار.

وعلى المديين المتوسط والبعيد، فإن العقوبات الأميركية الحديثة قد تجعل الأمور صعبة للغاية بالنسبة لإيران. وطالما يمكن لواشنطن أن تمنعها من الحصول على تقنيات حيوية لاسترداد النفط، فإن اقتصاد إيران سيصبح هشاً على نحو متزايد.

على المدى المتوسط، ستجعل العقوبات الأميركية الجديدة من الصعب على إيران مواصلة إنتاج النفط، وتلبية الطلب المحلي، وتمويل المؤسسات الحكومية، وعلى المدى البعيد يمكن أن يكون لها آثار كبيرة مدمّرة، وستجعل من المستحيل تقريباً على إيران المحافظة على إنتاجها الحالي من النفط.

تويتر