لتحقيق نتيجة جيدة لعقوبات واشنطن على طهران

العالم مطالب بدعم استراتيجية «الضغوط» الأميركية ضد إيران

صورة

كانت العقوبات الأميركية ضد إيران بداية شهر نوفمبر الجاري، والتي استهدفت قطاعات النفط والطاقة والبنوك وشركات الشحن، هي الخطوة الأخيرة في حملة الضغط التي تقوم بها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على طهران منذ وصولها إلى السلطة في بداية عام 2017، والتي اتخذت زخماً كبيراً بعد خروج إدارة ترامب من الاتفاقية النووية الإيرانية في مايو 2018.

وتهدف إدارة ترامب من العقوبات زيادة الضغط على إيران، لإجبار النظام الإيراني على التفاوض بشأن اتفاقية نووية أفضل من التي انسحبت منها الإدارة. وأشار وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، أن إعادة فرض العقوبات التي تم رفعها كجزء من اتفاقية 2015 النووية، يقصد منها ضمان أن النظام الإيراني لا يمتلك الكثير من الموارد التي يواصل من خلالها دعم الإرهاب ونشاطاته العدوانية الأخرى في المنطقة، بما يتماشى مع طموحه العدواني المعلن.

وضع معقد

بالطبع، فإن تقليل هذه الموارد هدف صريح يتمتع بفرصة جيدة لتحقيق الهدف المرجو منه. أما في ما يتعلق بالتأثيرات المتوقعة للعقوبات كوسيلة لدفع إيران إلى التفاوض من أجل اتفاقية نووية جديدة، فإن الوضع أكثر تعقيداً. ويعتمد ذلك على تقييمات النظام الإيراني ما إذا كان قادراً على تحمل الضغوط، أو التوصل إلى نتيجة أنها لن تستطيع القيام بذلك، ما يجبرها على تقديم تنازلات نووية كي تخفف هذه الضغوط.

وعند النظر إلى تأثير العقوبات بأنها الوسيلة الملائمة لإجبار إيران على التفاوض، من المهم الأخذ بعين الاعتبار أنها ليست الوسيلة المثلى، وأنها تتمتع بسجل مختلط في ما يتعلق بإجبار الدول على الامتثال لكل ما يطلب منها. لكن الأدوات المتاحة للدول لمحاولة التأثير في الدول الأخرى محدودة، وتعتبر العقوبات هي الشكل الأكثر أهمية، باستثناء الحروب المسلحة، لممارسة الضغوط. وفي الوقت الحاضر يعتبر فرض العقوبات على إيران هو الأمل الأمثل الذي تملكه إدارة ترامب لتغيير رأي طهران في ما يتعلق بالاتفاقية النووية وسلوكها في المنطقة.

وفي الواقع فإن الأدلة التجريبية تظهر أنه في مرحلة معينة من تاريخ التعامل مع الطموحات النووية الإيرانية منذ عام 2003، كانت الضغوط هي الاستراتيجية المثلى التي أسفرت عن تغير إيجابي لدى القيادة الإيرانية في المجال النووي، حيث كان هذا التغير منسجماً مع أهداف المجتمع الدولي. ولطالما كان النظام الإيراني يعتبر الحوافز أو ما يعرف بـ«الجزرة» التي تقدم له بمثابة علامة على ضعف المجتمع الدولي ويجب استغلالها، وليست إشارة إلى حسن النيات التي ينبغي التجاوب معها بصورة لطيفة. ولم تفلح أنواع متنوعة من «الجزرات» وتعبيرات التعاون الدبلوماسي في إقناع النظام الإيراني بفوائد تبني موقف تعاوني مشابه نحو اللاعبين الدوليين، الذين يحاولون تغيير سلوك إيران.

تغيير النهج

وتوجد الآن حاجة ماسة لتغيير نهج المجتمع الدولي نحو إيران. وأولاً، كانت خطة العمل الشاملة والمشتركة التي توصلت إليها إيران مع المجتمع الدولي عام 2015، أو ما يعرف بالاتفاقية النووية الإيرانية، تنطوي على عيوب خطيرة ولم تظهر إيران أي مؤشرات تدل على أنها تراجعت عن طموحها النووي. وأشار الأرشيف النووي الذي سرقه الإسرائيليون من أحد مستودعات طهران، وكشفوه على الملأ في نهاية شهر أبريل 2018، إلى أن إيران لاتزال مصممة على تحقيق برنامجها النووي العسكري. والعيوب الرئيسة في الصفقة الإيرانية النووية تتعلق بحقيقة أنها تضفي الشرعية على برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني، إلى درجة أنها تسمح بأعمال البحث والتطوير على مجموعة كاملة من أجهزة الطرد المركزي، كما أنها لا تشمل تطوير الصواريخ التي تحمل الأسلحة النووية، وهي لا تشمل بنوداً كافية تتعلق بتفتيش المنشآت غير النووية، حيث تطور إيران برنامجها النووي العسكري.

وإضافة إلى ذلك، وفي تناقض مباشر مع آمال وتوقعات إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، لم تسفر الاتفاقية النووية الإيرانية عن موقف أكثر اعتدالاً من قبل الحكومة الإيرانية، التي أصبحت أكثر عدوانية في تحقيق طموحاتها في منطقة الشرق الأوسط.

ومع ذلك، وعلى الرغم من الأثر الملحوظ الذي سببته العقوبات في الاقتصاد الإيراني، ثمة عوامل تجعل إعادة إيران إلى طاولة المفاوضات أكثر صعوبة في هذه الأيام. وفي عام 2013، ونتيجة العقوبات القاسية كانت دول (5+1) وهي: الصين، وفرنسا، وروسيا، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة+ ألمانيا، في وضع أفضل لتحقيق اتفاقية مع إيران. وكانت إيران معزولة في حينها من قبل هذه الدول، وكان ينظر إليها باعتبارها دولة خطرة وغير مهادنة. لكن لسوء الطالع فإن هذه الدول رفضت الآن المشاركة في فرض العقوبات على إيران، التي كانت مصممة على التخلص من العقوبات مقابل تقديم تنازل نووي بسيط. وفي مثل هذا الوضع شعرت إيران بأنها لاتزال قوية وإذا استطاعت استخدام هذه القوة، فإنها تستطيع انتزاع الكثير من التنازلات من القوى العالمية.

تغيير النهج أكثر صعوبة

وخلال السنوات القليلة الماضية تدهور الوضع، وأصبحت مهمة تغيير نهج العالم أكثر صعوبة. ويرجع ذلك إلى التطور الذي حققته في المجال النووي، بما فيها السنوات التي تلت التوقيع على الاتفاقية النووية مع دول 5+1، وفي مجال تطوير الصواريخ، وفي أبحاث وتطوير أجهزة الطرد المركزي التي تنوي إيران تشغيلها خلال سنوات عدة. وإضافة إلى ذلك، وكنتيجة لاتفاقية إيران النووية، أصبحت إيران أكثر جرأة، إذ إنها تتمتع الآن بدعم جميع دول 5+1 باستثناء الولايات المتحدة. وهذا مكن إيران من التركيز على المشهد الدولي، وأصبحت الولايات المتحدة هي الدولة المعزولة وليست إيران. وبالطبع فإن الصين وروسيا لا تقبلان بقيادة ترامب للعالم، ويحاول الأوروبيون وبنشاط تقويض العقوبات التي وضعتها إدارة ترامب على إيران.

علامة استفهام

تبقى حملة الضغط الاقتصادي على إيراني هي الخيار الأمثل، والأكثر نجاحاً، من ضمن جميع الخيارات المتاحة التي تراوح بين عدم القيام بأي شيء في ظل الوهم الذي مفاده أن «الاتفاقية الإيرانية ناجحة»، أو من خلال المحاولات العبثية لتنفيذ الدبلوماسية التعاون مع إيران وانتهاء بالسيناريو الأكثر تشدداً والمتمثل في العمل العسكري. وعليه يتعين على جميع الدول التي تهتم حقاً بالحد من انتشار السلاح النووي، أن ترجع إلى إدارة ترامب في جهودها ضد إيران، ولا تعمل على عزلها. وإذا أجبرت الضغوط إيران على العودة إلى طاولة المفاوضات، فستتوقف النتيجة الجيدة على استراتيجية وتكتيكات التفاوض الفعالة، مع استيعاب الدروس المهمة من المفاوضات الفاشلة، التي أدت إلى الاتفاقية النووية الإيرانية.

- عند النظر إلى تأثير

العقوبات بأنها

الوسيلة الملائمة

لإجبار إيران على

التفاوض، من المهم

الأخذ بعين الاعتبار

أنها ليست الوسيلة

المثلى، وأنها تتمتع

بسجل مختلط في ما

يتعلق بإجبار الدول

على الامتثال لكل ما

يطلب منها.

تويتر